اخر الاخبار

24‏/03‏/2011

عن غزوة الصناديق /فهمي هويدي

fahmy howaidy
من الآن فصاعدًا ينبغى أن نهيئ أنفسنا لاستقبال واحتمال ما لا يعجبنا من أفكار ومواقف. حيث ينبغى أن يكون معلوما للكافة أننا طالما ارتضينا أن نفتح الأبواب لرياح الحرية
والديمقراطية، فسنخطئ كثيرا إذا توقعنا أن نسمع أو نشهد فقط ما نحبه وما يعجبنا من أفكار ومواقف. إذ أزعم أن المعيار الحقيقى للالتزام بقيم الحرية والديمقراطية لا يقاس بمقدار حفاوتنا بما يعجبنا من أفكار، ولكنه يقاس بمقدار احتمالنا لما نرفضه ونكرهه أيضا
.
لقد وجدت أن استدعاء هذه الخلفية مهم قبل مناقشة الخبر الذى أبرزته الصحف أمس عن قيام أحد الدعاة السلفيين بإلقاء خطبة فى حى إمبابة احتفى فيها بتأييد أغلبية المصريين للاستفتاء على تعديلات الدستور، وهو ما اعتبره صاحبنا انتصارا فيما أسماه «غزوة الصناديق». وقد تم تسجيل ذلك المقطع من الخطبة ووضعه على «اليوتيوب». مرفقا بعبارات أخرى من قبيل قوله إن الناس قالت نعم للدين، وإن تلك كلمة الشعب المصرى، ومن لا يقبل بها فهو حر. وسنقول له مع السلامة خصوصا أن أمثال هؤلاء لديهم تأشيرات للولايات المتحدة وكندا.
هذا الكلام الذى شاهده كثيرون واستفز كثيرين وأخافهم، كما أنه أثار عاصفة من التعليقات التى كان بعضها منددا والبعض الآخر ساخرا.
سئلت فى الموضوع فقدمت لرأيى بما ذكرته توا من أن تلك ضريبة الانتقال إلى الحرية والديمقراطية، وقلت إن لى رأيا مسجلا فى التحفظ على الفكر السلفى ورفض آرائه. وعدم الاطمئنان إلى بعضها. كما أن لدى شكوكا أعلنتها عن اختراق الأجهزة الأمنية لمثل هذه الجماعات.
قلت أيضا إن رفضنا لذلك الفكر لا ينبغى أن يدعونا إلى إقصائه، لا هو ولا غيره طالما أن ممارسات دعاته تتم فى حدود القانون ـ وإذا جاز لنا أن نحترم وجوده ومنابره، فلا سبيل إلى التصدى له إلا بفكر آخر ينازله ويصوبه. مدركين أنه لم ينتشر فى مصر إلا فى ظل ظروف الفراغ التى خيمت فى ظل النظام السابق.
قلت كذلك إننا ينبغى فى ظل مناخ الحرية السائد أن نتوقع أفكارا عديدة متنوعة، بعضها شاذ وبعضها سوى. ومن مسئولية المؤسسات الدينية الرسمية على الأقل أن تدافع عن الفكر السوى لتحصين الأجيال الجديدة ضد الأفكار الشاذة والمتطرفة. وينبغى ألا نصدم أو نقلق لظهور تلك الأفكار. طالما أنها تشيع فى دوائر محدودة الحجم والفاعلية. بالتالى فإن المجتمع يصبح آمنا وبخير طالما أن جسمه الأساسى منحاز إلى الوسطية ومتمسك بها.
فى هذا الصدد ذكرت أن مثل تلك الأفكار الشاذة والمتطرفة موجودة فى كل الدول الديمقراطية، فهى موجودة فى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان. وهذا الذى سمعناه من بعض الدعاة السلفيين يتردد أضعافه وما هو أكثر شذوذا منه فى تلك البلدان، ولكنه لا يؤخذ على محمل الجد، إلا من جانب بعض البسطاء أو المهووسين والمتطرفين.
ما يحدث فى عالم الأفكار ينبغى أن نتوقعه فيما يتعلق بالأحزاب. ذلك أن إطلاق تأسيس الأحزاب بمجرد إخطار الجهات المختصة سيؤدى إلى ظهور عشرات الأحزاب الجديدة. وهو ما لا ينبغى أن يقلقنا أيضا لأن الصورة سوف تتغير بمضى الوقت ولن يبقى من العشرات إلا ما يقبل به المجتمع ويلتف حوله. وللعلم فإنه فى أعقاب الحرب العالمية الثانية تأسس فى اليابان 400 حزب جرت تصفيتها بمضى الوقت بحيث لم يعد يبقى منها الآن سوى 12 حزبا فقط. والأغلبية تلتف حول حزبين رئيسيين هما: الوطنى الديمقراطى والليبرالى.
إن تعدد الأفكار وكذلك تعدد الأحزاب ينبغى ألا يصدمنا فى شىء. لكن أكثر ما يزعجنى هو التعامل الإعلامى مع تلك الظواهر الشاذة، لأننى لاحظت أن إعلام الإثارة يسلط أضواء قوية عليها بصورة غير مسئولة تعطيها أكثر من حجمها، الأمر الذى يشوه الصورة الحقيقية ويشيع درجات متفاوتة من الذعر والتخويف من جراء ذلك. والطريقة التى نشر بها أمس خبر خطبة الداعية السلفى فى مسجد إمبابة تشهد بذلك. بل إن إحدى الصحف نشرت رسما كاريكاتوريا أمس ظهر فيه اسم مصر ولحية تطوق حرف الميم وكأن السلفيين صبغوا البلاد بصبغتهم. إن المشكلة ليست فى خطاب السلفيين فحسب، ولكنها أيضا فى الإعلام غير المسئول وسلوك دعاة الإثارة والمتصيدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق