اخر الاخبار

07‏/03‏/2011

ذهبت السّكرة وجاءت الفكرة /سلامة احمد سلامة

بعد أن ذهبت سكرة الانتشاء بانتصار ميدان التحرير والاحتفال بما حققته الثورة من نجاح، جاءت الفكرة.. فكرة مواجهة التحديات التى تحتم على الحكومة الجديدة أن تتصدى لها.. وهى تقود عملية التحول الديمقراطى فى ظروف بالغة الصعوبة، ووسط تعقيدات لا ذنب لها فيها. ورثتها من حكومات سابقة وأوضاع تراكمت على مر السنين، وأسلوب بائس فى التعامل بين الحاكم والمحكوم، وبين الرئيس وشعبه، وبين أجهزة الإدارة والجمهور، بحيث بات تغييرها يحتاج إلى وقت وصبر وطول ممارسة
.وفى تجارب الدول التى شهدت انتقال بلاد من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، تعرضت لعثرات وسقطات. وقد أبقى معظمها على الأحزاب يمينية كانت أو يسارية أو ليبرالية. ولكن الأحزاب تطورت وتغيرت مع تطور المجتمع. وأسهمت فى بناء الديمقراطية والحفاظ على التعددية.
ومن ثم فليس غريبا أن نجد صعوبة فى عملية البحث عن تشكيلة جديدة من الوزراء، تتناسب عقلياتهم وطريقة أدائهم وتعاملهم مع شعب نفض عن نفسه غبار عقود من حكم الفرد، وتحكم السلطة، واستعاد كرامته وحقه فى المشاركة فى حكم نفسه. وقد بدا واضحا أن المشكلة الأساسية مازالت فى الإصرار على استمرار جهاز مباحث أمن الدولة بمفهومه القديم. كأداة للقمع والبطش والتعذيب، والتعامل مع الناس خارج إطار القانون.
وما حدث فى الإسكندرية وغيرها من المحافظات من اعتداء أفراد من جهاز أمن الدولة على الحشود التى حاصرت المبنى للمطالبة بوضع حد لهذا الجهاز بممارساته الوحشية وإطلاقه النار على المتظاهرين من فوق سطح المبنى ــ على نحو ما حدث يوم الأربعاء الدامى ــ جعل الجماهير أكثر إصرارا على ضرورة التخلص منه، وخصوصا عندما لوحظ قيام بعض أفراده بحرق أطنان من الأوراق والمستندات.
كان المفروض منذ تحلل جهاز الشرطة وألقى القبض على وزير الداخلية السابق، وحملت الدلائل ما يؤكد مشاركة أفراد من أمن الدولة فى الهجوم على المتظاهرين واعتقال أعداد منهم وإخفائهم فى سجون نائية.. أن تضع القوات المسلحة يدها على أوراق ومستندات مباحث أمن الدولة قبل إحراقها، لضبط الجرائم والانحرافات التى ارتكبت فى عهد الوزير المخلوع ومن سبقه وآزره فى جرائمه.
ونذكر فى هذا الصدد تجربة ألمانيا بعد سقوط حائط برلين وانهيار النظام الشيوعى الفاشى فى ألمانيا الشرقية.. التى كان يتحكم فيها نظام بوليسى قمعى صارم كانوا يطلقون عليه «الاستاسى». جنّد ما يقرب من نصف الشعب للتجسس على نصفه الآخر. واستخدم أفظع وسائل التعذيب والسجن لحماية النظام الحاكم. وحين سقط النظام وسقط زبانيته، تم نقل الملفات والوثائق التى كانت تحتل مبنى بأكمله تخص «الاستاسى» شملت كل صغيرة وكبيرة من حياة الملايين فى ألمانيا الشرقية الذين تعاونوا مع الحزب والنظام أو وقفوا ضده.
وفى مثل هذه الحالات لابد من التخلص من الشريحة العليا فى هذا الجهاز بإحالتهم إلى المعاش والاستغناء عن كل من تلوثت يداه فى عمليات التعذيب، ومحاكمة من تثبت مشاركته فى الجرائم. وهذه أول خطوة فى تطهير أمن الدولة قبل وضع قانون داخلى ينظم عمله ويخضعه لرقابة برلمانية أو لمجلس حقوق الإنسان!إن القلق الذى مازال يعتمل فى نفوس الشعب المصرى، حتى بعد أن أنجزت الثورة عملها الرائع فى إسقاط نظام سياسى مكروه، يرجع بدرجة أو بأخرى إلى انطباع سائد بأن ثمة قوى فى المجتمع أو فى جيوب السلطة القديمة مازالت تريد الحفاظ على جهاز أمن الدولة ومباحثها كما هو بدون تغيير، ومازالت تملك سلطة الاعتقال والتعذيب وأماكن الاحتجاز التى لا يعرف أحد عنها شيئا حتى ولا القوات المسلحة.ولذلك سوف يظل اختيار وزراء قادرين على مواجهة المتغيرات الأخيرة، وبالذات وزير للداخلية لا يشوب ماضيه شائبة، والإفراج عن السجناء السياسيين وإلغاء حالة الطوارئ.. وتفكيك أو تعديل اختصاصات جهاز أمن الدولة حتى لا يصبح مجرد جهاز للتعذيب، من الإجراءات التى لن يستريح الناس إلا إذا تم تنفيذها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق