اخر الاخبار

23‏/03‏/2011

المطالبات الفئوية ليست عبئاً على الثورة لكن كسباً لها

أثارت المظاهرات التى شملت معظم العاملين فى أجهزة الدولة، وفى الشركات والمصانع، وفى مرافق البلاد وخدماتها
- ضيق المسؤولين ورأوا فيها إزعاجًا لهم وشغلاً عن تفرغهم للعمل لعلاج القضايا العامة، وأنها تعطل الإنتاج وتهوى بموارد البلاد، وكان الرد الذى يردون به على المتظاهرين: «كيف تريدون زيادات وأنتم تهبطون بالإنتاج؟
».
قد يكون الهبوط بالإنتاج حقاً، وقد يكون دعوى، أو مبالغة، لكنه فى جميع الحالات ليس إلا جانبًا من مشكلة متعددة الجوانب، لأن من الواضح أن كل ما يطالب به المتظاهرون يدخل فى باب العدل وإعطاء العمال حقهم الذى يحفظ صحتهم ويرفع مستواهم ويجعلهم يقبلون على العمل برضا وإخلاص، وهذه كلها هى الأهداف التى قامت من أجلها ثورة ٢٥ يناير، والتى لجأت لتكفل لها النجاح إلى الحشد الجماهيرى والتظاهر، فالعمال لا يعملون إلا ما قامت به الثورة، ولا يستهدفون إلا ما تستهدفه الثورة، على أننا حتى لو صدقنا دعوى الهبوط بالإنتاج فما قيمة إنتاج مرتفع إذا كان لا يتمتع به العمال وإنما تستفيد منه القلة المميزة؟
!
هل ننتج لنسعد العمال، أم أننا نـُـشغّل العمال لزيادة الإنتاج؟
إن الإنتاج ليس هدفاً فى حد ذاته، وإنما الهدف أن يكون فى خدمة الشعب ولإسعاد الشعب
.
من ناحية أخرى، فهذه المظاهرات ليست إلا صورة من صور الشكوى، والشكوى حق لكل مواطن وهو أقل إيمان، وقد قال الله تعالى: «لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ»، وسمع صوت امرأة تجادل الرسول من سبع سموات ونزل فيها قرآن «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ»، وقال الرسول عندما رفع أعرابى صوته عليه وَهمّ عمر بنهره: «دعه يا عمر إن لصاحب الحق مقالاً»، فهذه المظاهرات ليست إلا صورة من الشكوى يقوم بها أصحابها، ولا يمكن لأى قوة أن تمنعهم.. من العار أن نلوم المحروم المظلوم إذا أراد الانتصاف، ومن الخطأ أن نطالبه بالصبر حتى يفرغ له المسؤولون
.
وهناك جانب آخر لم يفطن إليه أحد فى هذه المظاهرات، هو أنها تكشف بصورة عملية وواقعية عن السوء والخطأ فى الأداء والتطبيق وهو مما لا يمكن أن يتعرف عليه الذين يضعون ظروف وعلاقات العمل، لأنهم يضعون المبادئ ويفترضون أن هذه المبادئ ستُطبق، ولكن الحال والواقع أنها قلما تُطبق كما يجب بتأثير عوامل عديدة، كما لا يمكن لكبار المديرين فى مكاتبهم المكيفة أن يشعروا بها، وعندما يتظاهر العمال فإنهم يكشفون عن نواحى الخطأ فى التطبيق ويمكن بالتالى إصلاحها، ولولا تظاهرهم لما فطن إليها المديرون، من هنا لا تكون هذه المظاهرات عبئاً على الإنتاج، لكن كسبًا له
.
ومن المسلَّم به أن الأجهزة الإدارية العليا محدودة العدد، وأمامها تلال من المشاكل وهى تعمل جاهدة لتأخذ من التل حتى يختل، ولكن هذا يعنى ترك العمال يعانون الظلم حتى تفرغ لهم الإدارات، فهذا عذر غير مستساغ وعلى الإدارات أن تجد حلاً، ويمكنها أن تستعين بمجموعة من المتطوعين تجعلهم مندوبين عنهم يساعدونهم فى حل المشكلات ويختارون من خيرة رجال الوطن، والوطن والحمد لله حافل بهم، ويدخل فيهم الذين يحالون إلى التقاعد بعد انتهاء خدمتهم ويعدون بالمئات ويعدونهم مستشارين فخريين، ويقوم كل واحد منهم بمعالجة ودراسة مشاكل العمال كل مجموعة على حدة، ويدرس المستشار المشكلة ويناقش العمال حتى يصلا إلى تسوية ويتعهد لهم بنقل هذه التسوية إلى المسؤولين وتطبيقها خلال أسبوع أو أسبوعين، وعلى الأجهزة الإدارية أن تقوم بهذا، وبذلك تـُحل المشكلات ويرضى العمال وينهض الإنتاج
.
هذه ثورة أيها السادة، ولا تعمل الثورة بأساليب تقليدية، ولكنها تبدع أساليبها التى تقوم على تحقيق العدالة بفضل عمل متصل وإصلاح إدارى ومحاكمة ناجزة وصارمة لكل المفسدين
■ ■ ■
(
.رجاء)
فى العدد الماضى أشرت إلى «نقطة بيضاء فى الثوب الأسود» وهذه النقطة البيضاء هى مكتبة الأسرة التى أسستها السيدة سوزان مبارك ويسَّرت مئات الألوف وربما ملايين النسخ من كتب قيّمة بأثمان رمزية فكانت مساهمة فى إشاعة الثقافة، واليوم أشير إلى صديق قديم هو الدكتور أحمد بهجت الذى تحفظت السلطات أخيرًا على أمواله.. أقول إن أسوأ ما يمكن أن يقال إنه من الذين خلطوا عملاً صالحًا بعمل سيئ- وأشهد أنى لا أعلم له عملاً سيئاً- وتنبأ لهم القرآن بعفو الله لأن عدالة الله تثيب المحسن كما تعاقب المسىء، وقد أقام الدكتور بهجت مدينة كاملة بمسجدها وبيوتها وأسس قناة دريم (١) و(٢) التى قامت فى مجال الإعلام بدور مجيد ورحبت وحدها بعرض التجديد الإسلامى، وقد كنت ومازلت إذا قيل عن شخص إنه «خد فلوس»، أقول: ماذا فعل بها؟ فإذا كان قد أقام مستشفى أو فتح مصنعًا فإنه يُـشكر لا يُلام
(
.نكسة)
صُدمت، وأصابنى اكتئاب عميق لما أسفر عنه الاستفتاء. إن التاريخ لن يغفر للذين غرروا بالشعب وخدعوه ودلسوا عليه بنصوص من القرآن وأحاديث عن الرسول واستغلوا خطبة الجمعة لكى يقول «نعم»، التى يمكن أن تعد بداية لنهاية الثورة ما لم يبذل الذين فجروها جهودًا استثنائية للتغلب على سلسلة الإجراءات التى ستضع عناصر مضادة للثورة فى مناصب القيادة والتأثير، وأى شىء أسوأ من السلفيين والإخوان الذين لا يعيشون فى عالم العصر، بالإضافة إلى فلول حزب النهب والسلب
.
ولقد ظهرت أولى بادرات هذا المستقبل المظلم فيما عومل به الدكتور البرادعى، وهو الرجل الذى قاد حركة التغيير، نبيل النفس.. نظيف اليدين.. له شخصية رجل الدولة وفيه مزايا لا تتوفر فى بقية المرشحين لرئاسة الدولة، هل يعقل أن يُقذف بالطوب وبزجاجات فارغة؟ فى أى شرع يمكن أن يحدث هذا؟
(
!انتصار)
العزاء الوحيد أن الله تعالى منَّ على الحكومة برجل مثقف شجاع وهو وزير القوى العاملة، ولأنه مثقف وشجاع فإن أول ما قام به كان القضاء على الاحتكار النقابى الذى سيطر على الحركة النقابية وأوجد قيادات كانت أذناب أذناب مبارك وحزبه وحتى اللحظة الأخيرة اشتركت فى المظاهرات المضادة ومعركة «الجمل» وتقبلت عملية تدمير الصناعة وتشريد العمال، وكما قال الشاعر
:
لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق