اخر الاخبار

02‏/03‏/2011

مكتبة الإسكندرية والسيدة سوزان/د. حسن نافعه

تكفى نظرة عابرة على «مانشيتات» صحيفة «الأهرام» الصادرة يوم ٢٨ فبراير، لإدراك حجم التغيير الذى طرأ على توجهات الصحف القومية. فالمانشيت الرئيسى جاء على النحو التالى: «حسابات سرية لعائلة مبارك فى البنوك المصرية»، أما المانشيتات الفرعية فجاءت على النحو التالى: «١٤٧ مليون دولار لسوزان و١٠٠ مليون جنيه لعلاء و١٠٠ مليون لجمال، والرئيس السابق أوكل لزوجته التصرف فى حسابات مكتبة الإسكندرية». وحين نطالع التفاصيل نكتشف أن المعلومات التى تضمنها الخبر منقولة بالكامل عن بلاغ تقدم به النائب السابق مصطفى بكرى إلى النائب العام، ويتعلق بأرقام حسابات أفراد عائلة مبارك فى البنوك المصرية وأرصدتها المالية
.
ويعكس نشر الخبر فى صحيفة مصر «القومية» الأولى، وبهذه الطريقة المثيرة، حجم الانقلاب الذى طرأ على موقف وسائل الإعلام الرسمية، ليس فقط من ثورة ٢٥ يناير ولكن أيضا من الشخصيات السياسية المعارضة، وهو أمر غنى بالدلالات. ولأن الحيز لا يتسع للتعليق عليها جميعا فسوف نكتفى بالتوقف هنا عند دلالة ما تضمنه الخبر حول طبيعة العلاقة التى ربطت السيدة سوزان ثابت بمكتبة الإسكندرية
.
يؤكد مصطفى بكرى فى بلاغه أن للسيدة سوزان ثابت حسابات بمكتبة الإسكندرية، وأن هذه الحسابات كانت قد فتحت باسم والدة الرئيس السابق، وأن زوجة الرئيس أصبحت بموجب توكيل رسمى هى المفوضة بالتصرف فى أموال هذه الحسابات والتى بلغت أرصدتها: ٩٢.٠٦٩ مليون دولار و٤٤.٤٦٨ مليون دولار و٥.٢٥٤ مليون دولار على التوالى. وقد أثار بكرى نقطة مهمة حين نقلت صحيفة الأهرام على لسانه أنه قال: «ثار جدل حول هذا الحساب وفوائد الودائع، ولماذا لا يكون رئيس مكتبة الإسكندرية هو صاحب الحق فى الصرف والإيداع، خاصة أن أموالها تأتى من المنح الأجنبية
».
وتلك قضية تستوجب التوقف عندها لاستجلاء الحقيقة كاملة بشأنها لأنها تنطوى على مساس بسمعة الثقافة والمثقفين فى مصر، وفى مقدمتهم الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية. فإذا ثبتت صحة المعلومات التى تضمنها بلاغ مصطفى بكرى حول حسابات السيدة سوزان السرية فى مكتبة الإسكندرية، فمن الطبيعى أن نتساءل: هل كان سراج الدين يعلم؟ وإذا كان يعلم فكيف سمح بهذه المهزلة؟ وما هى حدود مسؤوليته القانونية والأخلاقية؟
خطر لى أن ألقى نظرة جديدة على القانون رقم ١ لسنة ٢٠٠١ المنظم لشؤون العمل بالمكتبة فتبين لى أنه
:
١
- ينص فى مادته الرابعة على أن «رئيس الجمهورية يحدد بقرار منه أساليب الإشراف على المكتبة وإدارتها وتصريف شؤونها المالية والإدارية دون التقيد بنظم الإدارة المنصوص عليها فى أى قانون آخر».
٢
- وينص فى مادته الخامسة على أن مصادر تمويل المكتبة تتكون من اعتمادات تخصصها الدولة، وهدايا ووصايا وإسهامات مالية داخلية وخارجية، وقروض، ومقابل الخدمات التى تؤديها المكتبة وعائد استثمار أموالها. كما خطر لى أيضا أن أقوم بمراجعة قرار رئيس الجمهورية رقم ٧٦ لسنة ٢٠٠١، المحدد للهيكل التنظيمى للمكتبة وصلاحيات أجهزته المختلفة، فتبين لى:
١
- أن السيدة سوزان ثابت تولت رئاسة مجلس الأمناء، والذى يعد، وفقا لنص المادة الرابعة منه، «السلطة المهيمنة على شؤون المكتبة والتى تتولى إقرار لوائحها المالية».
٢
- أن للمكتبة، وفقا لنص المادة السابعة، ميزانية مستقلة، وأن مجلس الأمناء الذى ترأسه السيدة سوزان «هو الذى يعين مراقبى الحسابات الخارجيين ويتلقى تقاريرهم»، وأن رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات تبدو شبه مستبعدة. ويتضح من هذه النصوص أن السيدة سوزان شغلت بالفعل موقعا رسميا فى المكتبة أتاح لها إمكانية التصرف فى أموال المكتبة، لكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال وبموافقة مديرها العام الدكتور إسماعيل سراج الدين.
سبق لى توجيه انتقادات حادة لبعض سياسات، ومنها إنشاء «معهد السلام»، سمحت للسيدة سوزان باستخدام هذا الصرح الثقافى المهم كمنبر للدعاية لنفسها والترويج لاستحقاقها لجائزة نوبل للسلام، وهو ما أوهمها به ثُلّة من مثقفى السلطان الملتفين حولها. غير أنه لم يخطر ببالى قط أن الأمور يمكن أن تصل إلى حد محاولة العمل على تحويله إلى دجاحة تبيض للسيدة ذهبا كل يوم
.
لذا يصعب علىَّ تصديق ما ورد فى بلاغ مصطفى بكرى حول هذه النقطة تحديدا. ولأننى أقدر مواهب الدكتور إسماعيل سراج الدين، وأعتبره واحدا من كبار المثقفين والموهوبين، أرجوه أن يتكلم وأن يوضح وأن يكشف تفصيلا، بالمستندات والأدلة، عن إيرادات ومصروفات المكتبة منذ إنشائها
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق