اخر الاخبار

05‏/03‏/2011

ربيعُنا خَريفُهم..خيري منصور

ينبغي ألا تأخذنا الأحداث، رغم سخونتها، بعيداً عن انعكاساتها في الكيان الصهيوني، فالساسة والجنرالات، وكذلك المحللون الاستراتيجيون في تل أبيب، شمّروا عن سواعدهم منذ الساعات الأولى لما حدث في تونس، وما أعقبه في مصر، كي يقيسوا منسوب الرياح في هذه الأحداث بالبارومتر الخاص بهم . نعرف أنهم دعوا إلى الصمت في الأيام الأولى، خصوصاً بعد أن امتد الحراك إلى مصر، وأوصى نتنياهو وزراء حكومته بعدم التعليق بانتظار القطفة الأولى لهذا الحصاد، لكن سرعان ما نطقوا كالعادة كفراً، لأنهم يريدون من حولهم استقراراً أقرب إلى الاستنقاع والموت السريري . وثمة مقالة لدان مرغليت نشرت مؤخراً تحت عنوان “ربيع العرب”، يقارن كاتبها عام 2011 العربي بالعام 1848 في أوروبا، وهو العام الذي سقط فيه لويس فيليب في فرنسا، وفي مثل هذا الشهر من العام ذاته، وفي النمسا أطيح كلمنص مترنيخ، وتتالت المتغيرات التي عصفت بالقارّة الشقراء بين نجاح وإخفاق وعبر حالة من التوتر شملت دول القارة في تلك الأيام، وقد نسي الكاتب على ما يبدو، أن يذكر البيان الشيوعي لماركس في ذلك العام الحاسم
.
ما يهمنا من هذا المقترب هو ما يقوله الكاتب عن ربيع العرب الذي حلّ في عزّ الشتاء، وهو ربيع قد لا يدوم على حدّ تعبيره، لأنه يتوقع سيناريوهات أسوأ من تلك التي أدت إلى الانتفاضات الشعبية . ومن الواضح أن القراءات الصهيونية لهذا الربيع على تفاوت هبّات الياسمين في فضاءاته تتركز على محور واحد، وإن كانت له عدة تنويعات أو تجليات، وهو ما يمكن للدولة الصهيونية العبرية أن تستفيد منه أو تتضرر من تمدده قومياً على المدَيَيْن المنظور والأبعد . فما يعني تل أبيب من كل هذه الأحداث هو تأثرها بدرجة الحرارة أو البرودة الناتجة عنها، وفي الحالتين ثمة قلق وهلع من المستقبل، لأنه لم يعد مشمولاً ببوليصة التأمين التي توهمت تل أبيب أنها طوتها تحت إبطها لمصلحة بقاء الحال على ما هو عليه .
ما لم يقله الكاتب هو عن الفصل المضاد لهذا الربيع وهو الخريف الصهيوني الذي تلوح أحياناً نذره الصفراء في الأفق، سواء لأسباب تاريخية متعلقة بمشروع يتأسس على الغيبيات وموروث الخرافة، أو لأسباب تتعلق بالرهان على أن المريض العربي لن يقوى على النهوض من غيبوبته .
والحقيقة أن المشروع الصهيوني بمجمل منجزاته بدءاً من الدولة حتى شهوة الاستيلاء، لن يشارك أي مشروع آخر في هذه المنطقة ربيعه القومي، فكل ربيع هنا هو بالضرورة خريف هناك، لأن المعادلة قامت على هذا المفهوم، والذي يتلخص في الخامس عشر من مايو/أيار في كل عام .
فهناك على الدوام عيد يسمى الاستقلال وعرس في تل أبيب، يقابله في الظهيرة السوداء ذاتها، مأتم يشارك فيه قرابة عشرة ملايين فلسطيني أكثرهم خُلع من ترابه وتشتت في القارات الخمس .
إن القرائن السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية التي يحتكم إليها أمثال “مرغليت” في النظر بارتياب إلى هذا الربيع العربي، وأنه قد لا يدوم، مأخوذة حرفياً من معجم الأدبيات الصهيونية . إنهم بهذا الموقف المتشكّك في جدوى أي حراك عربي، إنما يغذون أملهم الاستيطاني في البقاء على قيد التاريخ، لأن العدو الجذري لهذا المشروع هو التاريخ ذاته، بجدليته وصيرورته ومجراه الذي لا يقبل التدجين أو التهويد .
لقد ذكرتني هذه المقالات بقصيدة للشاعر الشهيد عبدالرحيم محمود الذي حمل روحه بالفعل على راحته وألقاها في معركة الشجرة عندما استشهد ولم يترجّل عن صهوة قصيدته حتى القيامة .
يقول عبدالرحيم . .
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا
وكل ما يسر العرب أو يتيح لهم قدراً من الانفراج والرجاء يتحول على الفور، إلى شحنة كراهية لدى أعدائهم، لهذا فإن ربيع الصهيونية هو خريفهم، كما أن ربيعهم هو خريفها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق