اخر الاخبار

20‏/06‏/2012

لست راضيا‏..‏ لكني متفائل‏!‏ بقلم: أحمد عبد المعطي حجازي


أحمد عبد المعطي حجازي
أنا غير راض طبعا‏,‏ مثلي مثل كثيرين غيري‏,‏ عما أنجزته الثورة المصرية حتي الآن‏,‏ لكني لست متشائما كما هي حال بعضنا‏.‏
لقد طالب الثوار المصريون بإسقاط النظام, لكن النظام لم يسقط, سقط رئيسه, وبقي النظام قائما حتي الآن متمثلا في مؤسساته التي مازالت تحكم البلاد, وفي نظمه التي مازالت متبعة, وتشريعاته التي مازال معظمها ساريا, ولم تحل محلها المؤسسات والنظم والتشريعات التي تمثل الثورة وتتبني أهدافها.
ولقد طالب الثوار بالديمقراطية, لكن الديمقراطية لم تتحقق, أجريت الانتخابات في ظل التشريعات الملفقة والمؤسسات والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الموروثة عن النظام الفاسد المستبد, الذي طالب الشعب بإسقاطه, فأسفرت عن
طغيان ملتح لا يقل فسادا واستبدادا عن طغيان الحزب الوطني الحليق, بل يزيد, وقد ظهر لنا أن القوانين التي نظمت الانتخابات ليست دستورية, لأنها أعطت المنتمين للأحزاب أكثر مما أعطت المستقلين, فخرجت بذلك علي مبدأ المساواة, وهو تجاوز يثير الريبة في الذين نظموا الانتخابات البرلمانية وأشرفوا عليها وشاركوا فيها, ويبعث علي إعادة النظر فيما قيل عن نزاهة هذه الانتخابات التي لم يتح للمصريين مثيل لها من قبل!
ولقد طالب الشعب بعد ذلك وقبل ذلك بدولة مدنية لا عسكرية ولا دينية, لكن الأحداث التي توالت خلال المرحلة الماضية توضح بما لا يدع مجالا لأي شك أن القوتين المتحكمتين في كل ما جري حتي الآن هما بالضبط القوتان اللتان قامت عليهما دكتاتورية يوليو العسكرية وهما الضباط والإخوان المسلمون.
واذا كان العسكريون والإسلاميون قد تحالفوا في الشهور الماضية, التي تلت الثورة ليواجهوا الخطر المشترك المتمثل في الدولة المدنية التي تحتكم لارادة الأمة وحدها ممثلة في مؤسساتها الدستورية, فقد دب الخلاف علي ما يبدو بين الفريقين المتحالفين لحرص كل منهما علي أن يكون هو رأس السلطة وجسدها, وأن يكون الآخر غطاء له وستارا يسدله حين يحتاج إليه ويزيحه حين يستغني عنه, والمعني الذي نستطيع أن نفهمه من هذا الذي حدث أن الدولة المدنية خرجت من السباق الذي لم يبق في حلبته الا خصومها, كما رأينا في الانتخابات الرئاسية! والسؤال الذي لابد أن يقاطعنا هنا, وله الحق هو: وأين إذن هذا الشعب العظيم الذي كانت ملايينه تسد عين الشمس في ميدان التحرير وشوارع وميادين الاسكندرية, والسويس, والمنصورة, وطنطا مضحية بأرواحها ودمائها ونور عيونها, مطالبة بإسقاط النظام, وبالديمقراطية, وبالدولة المدنية؟
أين قوي الثورة التي كان عليها ألا تكتفي برفع الشعار, بل كان الواجب والمنتظر أن تسهر علي حمايته وترسيخ مكانه والانتقال من المطالبة به الي أخذ زمام المبادرة والعمل علي تفعيله وتحقيقه؟
وأنا أعلم أن هذا السؤال يطرح أحيانا بسوء قصد للتشكيك في حقيقة الثورة والتهوين من شأنها, والايحاء بأنها لم تكن إلا حريقا شب وانطفأ, وأن أهدافها لم تتعد الاطاحة برأس النظام, وأن الدولة المدنية, وابعاد العسكريين والجماعات الدينية عن السياسة ليست مطالب شعبية, والدليل علي ذلك هو هذا الفوز الكاسح الذي حققه الاخوان المسلمون والسلفيون في انتخابات مجلسي الشعب والشوري.
لكني لا أشكك بالطبع في الثورة ولا أشك فيها, بل أنا مبهور بها دائما, مؤمن أشد الايمان بقدرتها علي اجتياز عقبات الحاضر وتحقيق ما ننتظره منها في المستقبل, وبدافع من هذا الايمان أطرح السؤال لأجيب عليه بما يصدق تفاؤلي ويؤكد ثقتي ويسهم في أن تسترد الثورة عافيتها, وتأخذ زمام المبادرة, وتحقق ما تسعي ونسعي لتحقيقه.
وأنا لا أتفاءل رجما بالغيب أو تهربا من مواجهة الواقع المثير للقلق, ولكني أتفاءل إيمانا ويقينا أن الثورة المصرية لم تكن لعبا ولهوا, وانما اشتعلت بعد أن انتظرتها الاجيال, وواجه الثوار المصريون النار, وتحرشوا بالموت وتحرش بهم وشد عليهم بنيران البنادق وقنابل الغاز, والعربات والمصفحات, والخيول والابل فلم يتزحزحوا, ولم يفروا, بل صمدوا وتزايدوا, وتكاتفوا وتلاحموا لان لهم مطالب تستحق هذه الوقفة النبيلة, ولهم حقوق لابد أن تنال, فإذا كانت المطالب لم تتحقق بعد والحقوق لم تستوف فالثورة مازالت مشتعلة, ولو بدا الميدان خاليا من الثوار.
وأنا أتفاءل بعد ذلك لاني أحب البشر وأعرف أن حقوقهم واحدة ومطالبهم مشتركة, وأن ما حققوه في اقصي الأرض وأدناها لابد أن يتحقق عندنا, وان ما صادفوه وتغلبوا عليه من عقبات لابد أن نصادفه ولابد أن نتغلب عليه, والذين يشكون في هذه الحقيقة لا يقرأون التاريخ ولا يعرفون أن الثورات سير حية تولد وتنمو, وتنتصر في معركة وتنهزم في معركة, وتتقدم وتتقهقر, لكنها في النهاية تكسب الحرب, لان التاريخ حركة دائمة وتقدم مستمر ولو بدا أنه توقف مرة هنا او تراجع مرة هناك.
الثورة الفرنسية التي تعتبر نموذجا لثورات البشر في هذا العصر الحديث انطلقت شرارتها الاولي عام 1789 في لعب تنس لكنها ظلت تتسع وتتقدم وتكتشف نفسها, وتتعرف علي أبنائها وعلي أعدائها, وتقرأ أفلاطون وأرسطو, وفولتير وجان جاك روسو, وتغير أساليبها, وتنتفع بتجارب الانجليز والأمريكيين, وتعتدل وتتطرف, وتخرج من حرب الداخل الي حرب الخارج, وتتردد بين الملكية والجمهورية والامبراطورية, حتي استطاعت بعد ما يقرب من ثمانين سنة أن تضمن للفرنسيين أن يعيشوا في ظل رايتهم المثلثة الألوان اخوة احرارا متساوين.
والآن, بعد هذه التوضيحات الضرورية, نسأل أنفسنا: كيف نستأنف المسيرة, ونسقط نظام الطغيان, ونبني الدولة المدنية, والنظام الديمقراطي؟ كيف نستعيد روح الثورة, وكيف نحقق أهدافها؟ والجواب: نستعيد روح الثورة حين نعرف أن الثورة ليست مجرد حشد يجتمع وينفض, وإلا فالثورة المضادة تستطيع هي ايضا أن تحشد الناس, وربما كانت قدرتها علي الحشد أكبر, لأنها تلجأ للكذب, والرشوة, وتستغل جهل الجهلاء, وجوع الجوعي, وأمية الأميين, وهم يعدون عندنا بالملايين, وإنما الثورة قبل الجموع الحاشدة ثقافة حاشدة تجمع الناس وتؤلف بين قلوبهم وتوحد غاياتهم وهم في مدنهم وقراهم وفي منازلهم وأعمالهم متفرقون. طبعا نتظاهر ونحتشد لنجسد وحدتنا ونستشعر قوتنا ونحقق في الميدان معني الأمة, لكن الأمة لا تستطيع أن تتظاهر كل يوم, وإنما تستطيع بالثقافة الجامعة أن تتمثل شخصيتها وتعرف حقوقها وتظل وفية لها, في المظاهرة والبيت, وفي كل حال.
وقد رأينا الملايين في ميدان التحرير يهتفون للديمقراطية, لكننا رأينا الكثيرين يعطون أصواتهم لاعداء الديمقراطية, لأنهم رشوا بعضهم بالزيت والسكر, ووعدوا الآخرين بدخول الجنة.
وقد رأينا الملايين في ميدان التحرير يريدون إسقاط النظام, لكن الكثيرين يتصورون أن هذا النظام الذي يريدون اسقاطه هو نظام مبارك, ومادام مبارك قد سقط فالنظام قد سقط, وهذا وهم سببه اننا لا نعرف الكثير عن النظم السياسية, ولا نعرف الكثير عن تاريخنا القريب والبعيد, فاذا كنا نريد حقا اسقاط النظام فعلينا أن نعرف أن نظام مبارك هو نظام يوليو الذي يجب أن نطوي صفحته.
وقد رأينا الملايين في ميدان التحرير تطالب بدولة مدنية لا عسكرية ولا دينية, لكننا رأينا أنفسنا مخيرين بين الرئيس الديني والرئيس العسكري. فإذا كانت الدولة المدنية مطلبنا قعلينا أن نبحث عن رئيس آخر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق