اخر الاخبار

01‏/06‏/2012

حكم مصر بنظرية «بافلوف» وائل قنديل



هذه إدارة فقيرة الخيال حتى وهى تتآمر على إرادة الناس.. هذه عقليات فقدت القدرة على الإبداع بعد أن نفد رصيدها من الحيل والألاعيب الشريرة، فصارت تكرر أعمالها الجهنمية بلا وعى، ودون إدراك لأن الناس فهمت اللعبة ولم تعد قابلة للخداع أكثر من ذلك.
 فى مناسبات عدة كانوا يستبقون مظاهرات الغضب بافتعال الأزمات ذاتها، منع البنزين عن المحطات.. إخفاء اسطوانات البوتاجاز.. خطف سياح.. قطع طرق.. فتح محبس البلطجة.. وفى البداية كانت المسألة تخيل على النفوس المرهقة المنهكة المهانة حتى الركوع للسيد المنتفخ بالبطش والقوة فى أحط تعريفها، لكن تكرار الأزمات بالسيناريوهات ذاتها، ودون تجديد أو ابتكار أفقد سلاحهم أثره.

 والمشكلة أن هؤلاء الذين يصطنعون الأزمات بالطريقة ذاتها، وينتظرون ردود أفعال واستجابات لا تتغيير، لا يدركون أن ثورة ٢٥ يناير أنتجت وعيا جديدا واستجابات مغايرة، لكنهم للأسف مازالوا مأخوذين ومبهورين بنظرية بافلوف، التى تجاوزها علم النفس منذ عقود طويلة، وبافلوف هذا كان عالما روسيا شهيرا فى بدايات القرن الماضى، وكان مشغولا بنظرية الاشتراط أو الارتباط الكلاسيكى بين المثيرات والاستجابات، فأجرى تجاربه على مخلوق مسكين هو الكلب، بحيث يقيس مدى عمق الارتباط بين طبق اللحم وسيلان اللعاب، ثم أدخل عناصر أخرى فى المعادلة، بحيث يربط وضع طبق اللحم بأصوات موسيقى وأضواء معينة، ليتوصل فيما بعد أن اللعاب صار يسيل كلما انطلق صوت الموسيقى وجاء الضوء.

وللأسف الشديد هناك من يريدون حكمنا وإدارة شئون حياتنا على طريقة بافلوف، فكلما أرادوا سحق إرادة البسطاء وتدجين وعيهم أدخلوهم فى آتون الخوف والجوع، مفتعلين أزمات الوقود والآن انقطاع الكهرباء، والنفخ فى نار البلطجة والانفلات، على نحو يكشف إلى أى حد لا يعترفون بإنسانيتنا ويعتبروننا قطيعا من الحيوانات.

غير أن الواقع يؤكد أن المصرى أكثر وعيا من حكامه، وأكثر نبلا واحتراما من جلاديه الذين ينهالون عليه بسياط البنزين والبوتاجاز والظلام والهلع، مدركا بجلاء أنه ليس من قبيل الصدفة أن تتجمع كل هذه الأزمات فى الأفق فجأة مع انتهاء حالة الطوارئ والاقتراب من جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة.

إن تجربة يومين فى طوابير البنزين المصنوعة أثبتت إلى أى مدى صار المصريون أكثر نضجا وشهامة ممن يتحكمون فيهم على هذه الطريقة المخذية، وباتوا مدركين تماما أن المسألة ترتبط ارتباطا وثيقا بابتزازهم انتخابيا، وعلى حد تفسير الشاب الذى كان يقف أمامى «التصويت فى الجركن وليس فى صندوق الانتخاب».

ولعل ما يحدث الآن لا يختلف كثيرا عن ألاعيب التجار المحتكرين، الذين يقومون بتعطيش السوق لسلعة ما حتى تصبح عزيزة وغالية، وها هم يسحبون الأمن والوقود والهدوء من المجتمع، كى يدفعوا المصريين دفعا للرضوخ لمدعى القوة والقدرة على إرجاع الأمن والأمان.
عفوا مستر بافلوف: لسنا قطيعا من الكلاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق