اخر الاخبار

03‏/06‏/2012

الحكم على «مبارك» بين القانون والسياسة عمرو الشوبكي



صدر الحكم على الرئيس المخلوع حسنى مبارك وعلى وزير داخليته حبيب العادلى بالسجن المؤبد، وبرأت المحكمة نجليه وحسين سالم ومساعدى العادلى من التهم التى وجهت إليهم بالتربح والفساد المالى والسياسى وقتل المتظاهرين.


وإذا كان صحيحاً أن «مبارك» هو الحاكم الأسوأ فى تاريخ مصر الحديث، فلم تعرف حاكماً أهان الشعب مثلما فعل مبارك، وتفرج على كوارثه وآلامه وكأنه ليس واحداً منهم، وأدار البلد بالمواءمات وقتل الكفاءات والفساد، وتحويل معظم مؤسسات الدولة إلى خرابات حقيقية، لأن المهم هو البقاء فى الكرسى وتوريثه إن أمكن وليس الإصلاح والتقدم.



لم يقدم «مبارك» شيئا لمصر إلا البقاء جاثماً على أنفاس الناس 30 عاماً، وختمها بتعامله المتبلد مع ثورة 25 يناير، حيث بقى لا ينطق منذ اندلاع الأحداث يوم الثلاثاء 25 يناير حتى جمعة الغضب فى 28 يناير، مكتفيا بالمشاركة فى قتل المتظاهرين العزل.


وقد وضع القاضى المحترم أحمد رفعت هذه الخلفية فى المقدمة التى تلاها قبل النطق بالحكم، وتحدث عن معاناة المصريين فى عهد «مبارك» واضعاً مقدمة سياسية بامتياز فى محاولة لتخفيف أثر الحكم القانونى على الأوضاع السياسية.


والمؤكد أن الحكم خضع لاعتبارات عديدة معظمها قانونى، إلا أن الناس طالبوه بحكم سياسى دون أن تجتهد أجهزة الدولة التى بقيت على حالها، ولا النائب العام ومعه كل التيارات السياسية المعارضة والثورية على تقديم أدلة قانونية دامغة تدين «مبارك» على فساده، واستسلم الجميع للعقبات التى وضعها النظام القديم ورموزه النافذة فى الدولة، وقدمت أدلة ضعيفة أمام المحكمة.


لقد كان أمامنا مساران فى التعامل مع «مبارك» ورموز عهده لم نأخذ بأى منهما، الأول: هو المحاكمة السياسية أو الثورية التى لا نوافق عليها، وفيها تتم محاكمة «مبارك» من خلال محكمة ثورية أو سياسية لا علاقة لها بالقضاء العادى، وتدينه على جرائمه السياسية دون الحاجة إلى تقديم أدلة ودفوعات قانونية بالمعنى المتعارف عليه فى المحاكم. والثانى هو محكمة قضائية خاصة بل وربما دائرة قانونية كاملة بها مدع عام للثورة ومحققون مستقلون مهمتهم جمع أدلة إدانة موثقة لأركان النظام السابق كما جرى فى محاكمة كثير من رموز الديكتاتورية فى أوروبا الشرقية، حيث كانت هناك محكمة قانونية وليست سياسية، ومع ذلك أصدرت أحكاماً قاسية على كثير من رموز الأنظمة السابقة.


مشكلتنا أننا اخترنا المحاكمة القانونية وهو الخيار الصحيح بأدوات باهتة ودون امتلاك إرادة سياسية من قبل السلطة الحاكمة على تقديم أدلة قوية تدين «مبارك» على جرائمه، ولم تأخذ القوى السياسية بجدية موضوع تجميع أدلة إدانة موثقة تقدم للمحكمة لإدانة «مبارك»، واستسهل كثير منها الهتاف والتظاهر بدلا من العمل الجاد على توثيق أدلة الإدانة.


لقد أسس القاضى حكمه على أمر غير مسبوق فى أحكام القضاء المصرى وهو «المشاركة فى الجريمة بالامتناع عن إيقافها»، واعتبر أن «مبارك» من موقعه كرئيس للجمهورية، و«العادلى» من موقعه كوزير للداخلية كان بإمكانهما وقف جريمة قتل المتظاهرين وهو ما لم يقوما به، وبالتالى حكم عليهما بالإدانة بالسجن المؤبد، فى حين أن المتهمين الآخرين حصلوا على البراءة لأنهم لم يكونوا فى موقع المسؤولية الأولى التى تجعلهم قادرين على وقف هذه الجريمة.


دلالة هذا الحكم أنه لا توجد أدلة تقول إن «مبارك» أصدر أوامره بقتل المتظاهرين، وأيضا برئ من تهمة التربح، وبالتالى فإنه أدين بسبب عدم إيقافه هذه الجريمة.


ويبقى السؤال: هل يمكن تقديم أدلة جديدة تدين «مبارك» أم ستبرئه محكمة النقض لأسباب قانونية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق