اخر الاخبار

08‏/06‏/2012

مبروك يافندم.. جالك ولد بقلم د.حسن نافعة


حتى وقت قريب جدا، كانت تصريحات المستشار حاتم بجاتو، رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، أمين عام اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فى الوقت نفسه، تنفى شبهة احتمال تدخل أى جهة فى عمل المحكمة الدستورية، مؤكدة أن للمحكمة نظام عمل يحكم إجراءات وتوقيتات النظر والنطق بالأحكام فى القضايا المحالة إليها.. وفجأة، طالعتنا وسائل الإعلام بأن المحكمة حددت يوم ١٤ يونيو المقبل موعدا للنطق بالحكم فى قضيتين على جانب كبير من الأهمية بالنسبة لمستقبل الحياة السياسية فى مصر. الأولى: تتعلق بمدى دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، الذى قد يترتب عليه حل البرلمان من عدمه، والثانية: تتعلق بمدى دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية، المعروف إعلاميا بقانون «العزل السياسى»، الذى قد يترتب عليه خروج «شفيق» من سباق الانتخابات الرئاسية أو بقاؤه فيه.

كان لافتا للنظر أن يأتى موعد النطق بالحكم قبل يومين فقط من بدء انتخابات الرئاسة بالنسبة للمواطنين المقيمين فى مصر وبعد انتهاء المصريين المقيمين فى الخارج من الإدلاء بأصواتهم فى هذه الانتخابات، كما كان لافتا للنظر أيضا أن تحدد المحكمة الدستورية اليوم نفسه للنطق بالحكم فى قضيتين منفصلتين تماما كانتا قد أحيلتا إليها فى موعدين متباعدين كثيرا، ومن جهتين مختلفتين، وهو أمر لا سابقة له فى تاريخ المحكمة الدستورية فى مصر، على الأقل فى حدود علمنا.


كنت أظن أن اعتبارات المواءمة المهنية تقضى بصدور الحكم أولا فى قضية مجلس الشعب، وذلك لسببين رئيسيين: الأول، أن هذه القضية أحيلت إلى المحكمة قبل شهور من إحالة قضية العزل السياسى إليها، والثانى: أنها قضية أوضح وأسهل نسبيا، مقارنة بقضية العزل السياسى، نظرا لوجود سوابق كثيرة تقيس عليها وتلزمها بالحكم فى الاتجاه نفسه.


لذا بدا واضحا أن اعتبارات المواءمة السياسية لعبت دوراً أساسياً فى تحديد موعد النطق بالحكم وفى ربط المسألتين معا، دون مبرر مقبول، لكن ليس من الواضح بالقدر نفسه ما إذا كانت المحكمة هى التى قدرت بنفسها هذه الاعتبارات من عدمها أم جهات سيادية عليا هى التى تدخلت لحسم الأمر، والفرق كبير بين الحالتين. وأيا كان الأمر، فربما يكون هذا التطور مرغوبا فيه لحسم قضايا لاتزال معلقة ويؤدى استمرارها إلى إرباك شديد فى إدارة المرحلة الانتقالية، وربما إلى فتح ثغرة يمكن النفاذ منها للتشكيك مستقبلا فى شرعية المؤسسات السياسية القائمة وشل قدرتها على العمل.


لن أضيع وقت القراء هنا فى محاولة للتكهن بما قد تقضى به المحكمة الدستورية، وفى تحليل التأثيرات المحتملة لكل سيناريو على حدة، فقد وفرت علينا وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عناء هذا النوع من التمرينات العقلية حين كشفت عن فحوى ما تضمنته تقارير هيئة مفوضى المحكمة الدستورية العليا فى الحالتين. وإذا صح ما نقل عن هذه الوكالة حول ما انتهت إليه توصيات هيئة المفوضين، فمن المرجح أن تقضى المحكمة بعدم دستورية كل من قانون انتخاب مجلس الشعب وقانون العزل السياسى.


فإذا قضت المحكمة بعدم دستورية قانون مجلس الشعب، فسوف يصبح من حق رئيس الجمهورية، بل من واجبه، حل البرلمان. ولأن الموعد المقرر لصدور هذا الحكم يسبق بأيام قليلة الموعد المحدد لنقل السلطة، فمن المستبعد أن يتخذ المجلس العسكرى قرار حل البرلمان بنفسه تاركا هذه المهمة الثقيلة لعناية رئيس منتخب ستعلن لجنة الانتخابات اسمه بعد أسبوع واحد من صدور الحكم. وإذا قضت المحكمة فى الوقت نفسه بعدم دستورية قانون العزل السياسى، فسيصبح من حق الفريق شفيق خوض جولة الإعادة، ولن يكون بإمكان أحد أن يشكك فى شرعية انتخابه فى حال ما إذا قامت لجنة الانتخابات الرئاسية يوم ٢١ يونيو المقبل بإعلان فوزه بالمقعد الرئاسى.


أتخيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة منعقدا بكامل هيئته فى ذلك اليوم المشهود حين يدخل عليه البشير ليزف إليه نبأ كان ينتظره فى قلق، بعد أن حصل عليه على التو من رئيس اللجنة العليا للانتخابات قبل إعلانه رسميا، وسيتجه بثبات نحو رأس المنضدة التى يجلس عليها الرئيس قائلا: «مبروك يافندم.. جالك ولد»، ثم سيؤدى التحية العسكرية قبل أن ينصرف لإسدال الستار على المشهد الختامى للمرحلة الانتقالية، معلناً انتهاء المهمة التى كلف بها المجلس بنجاح منقطع النظير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق