اخر الاخبار

15‏/06‏/2012

ليس هكذا تكتب الدساتير محمد سلماوي



بات من المؤكد أن دستوراً يعبر عن تطلعات الشعب لن يصدر عن تلك اللجنة البائسة التى انتهى إليها الحال بعد استمرار سيطرة فصيل سياسى واحد على تشكيلها.


إن العودة لتاريخ الأمم، الذى لا يبدو أن من يسخرون الدين لأهدافهم السياسية يجيدونه، يشير بوضوح إلى أن الدساتير لا تأتى أبداً عن طريق ذلك الاستقطاب الحاد الذى يؤدى إلى صراع سياسى بين فصيل يتغالب بأكثرية فاز بها فى انتخابات تمت فى ظروف استثنائية وبين بقية فصائل المجتمع، وإنما كانت كل الدساتير التى كتب لها الدوام ثمرة طبيعية لتوافق وطنى يعبر عن رضا الشعب وقبوله بالدستور المكتوب.



لقد تجاهل الإخوان المسلمون فى شبقهم الحالى للاستحواذ على كل شىء حكم القضاء الذى أبطل تشكيلهم السابق للجنة، والتفوا حوله بعمل تشكيل جديد مكون من نفس الأشخاص الذين كانوا فى التشكيل القديم الذى أبطلته المحكمة حتى لا يتركوا للآخرين فرصة المشاركة فى اللجنة، فكانوا كالجائع الذى وجد نفسه فجأة أمام مائدة طعام لم ير مثلها من قبل فأراد أن يبتلع كل ما عليها دون أن يترك شيئاً لبقية الحضور.


فإذا كانت المحكمة قد حكمت بعدم جواز اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية من بين أعضاء البرلمان فقد أعاد الإخوان إدخال نفس الأشخاص إلى اللجنة الجديدة ولكن بصفاتهم الحزبية وليس بصفاتهم النيابية، وهكذا تكررت أسماء 64 من الأعضاء المائة للجنة الأولى الباطلة فى اللجنة الثانية التى لا تقل عنها بطلاناً.


أما العوار الثانى فى هذا التشكيل المعيب الذى خرج علينا به حزب الحرية والعدالة، فهو الأساس الحزبى الذى قام عليه تشكيل اللجنة كأنها لجنة برلمانية، أو سياسية وليست لجنة منوطاً بها كتابة الدستور الذى هو ليس مجرد وثيقة سياسية، وإنما هو وثيقة سياسية اجتماعية اقتصادية ثقافية أدبية يشارك فيها جميع فصائل المجتمع من خلال منظمات المجتمع النقابية، والأهلية، والرسمية، ولا تكتبها الأحزاب السياسية وحدها مهما كانت النسب المتفق عليها فيما بينها.


إن التشكيل الجديد للجنة كتابة الدستور هو محاولة بائسة ممن يسخرون الدين لأغراضهم السياسية للالتفاف حول حكم المحكمة ببطلان التشكيل الأول ومحاولة استنساخه مرة أخرى تحت مسمى حزبى بدلاً من المسمى النيابى، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للطعن عليه قضائياً وإبطاله، كما أبطل التشكيل الأول.


وإذا كانت الدساتير لا تكتب إلا بالتوافق فكيف لمثل هذه اللجنة البائسة، التى بدأ الخلاف فيها - وليس التوافق - على تشكيلها نفسه، أن تصوغ تلك الوثيقة الوطنية الكبرى التى يشعر كل مواطن أنها تعبر عن مصالحه وتحمى حقوقه؟


إن هذه اللجنة ليست مؤهلة لكتابة مثل هذه الوثيقة، وعلينا جميعاً أن نعمل على إسقاطها لأنها تعبر عن إصرار مرضى ممن يستحوذون على تشكيلها على تزييف إرادة الشعب الذى منحهم ثقته ومصادرة حقه فى أن يحظى بدستور يعبر عن آمال المصريين جميعاً فى المستقبل المشرق الذى طال انتظاره ويحمى حقوقهم ممن يزيفون إرادتهم، وبهذه الطريقة وحدها يكتب لهم الدوام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق