اخر الاخبار

03‏/06‏/2012

هل يتحول المأزق إلى فرصة تاريخية؟ حسن نافعة



يسهل على أى مراقب للمشهد السياسى فى مصر أن يدرك عمق الإحساس الجماعى بالمأزق الذى تعيشه البلاد حالياً. فلو أتيح لأى شخص أن يسأل كل من يصادفه من المواطنين المصريين، الذين يقطنون أى رقعة من أرض الوطن، عن تقييمه للنتائج التى أسفرت عنها الجولة الأولى من الانتخابات ولصالح من سيعطى صوته فى جولة الإعادة، فسوف يكتشف على الفور أن الغالبية الساحقة ليست سعيدة بنتائج الجولة الأولى، وليست متحمسة كذلك للذهاب إلى جولة ثانية، ولن تشعر بالسعادة لفوز أى من المرشحين المتنافسين فيها، ولا تبدو مطمئنة إلى قدرة أى منهما على ضبط الأمور بما يكفل استكمال بناء مؤسسات نظام سياسى جديد مستقر وفعال. ومع ذلك يبدو لى أن الأزمة التى كشفت عنها نتائج الجولة الأولى قد بلغت من العمق حدا يجعلها قابلة لإفراز سلسلة من التفاعلات ربما تتيح فرصة قد تنجح النخبة فى انتهازها لبلورة حل تاريخى.



وللتعرف على طبيعة هذا الحل ومدى قابليته للتحول إلى برنامج عمل قابل للتطبيق على أرض الواقع، ربما يكون من المفيد أن نتعرف أولاً على دلالات نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التى أسفرت عن حصول المرشح الفائز بالمركز الأول، وهو الدكتور محمد مرسى، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، على أقل من ربع عدد الناخبين المشاركين فى الجولة الأولى، أى ما يزيد قليلا على 10% فقط من إجمالى الناخبين المقيدين فى الجداول، وحصول المرشح الذى يليه فى الترتيب، وهو الفريق أحمد شفيق، مرشح النظام الذى سقط رأسه، على نسب متقاربة. ويبدو واضحا من هذه النتائج أنه يتعين على أى من المرشحين المتنافسين فى جولة الإعادة أن يضمن تأييد أكثر من نصف الناخبين الذين لم يصوتوا له فى الجولة الأولى، بافتراض توجههم جميعا إلى صناديق الاقتراع فى الجولة الثانية. ولأن حصول أى منهما على التأييد المطلوب لضمان الفوز ليس مؤكدا، فقد بات من المؤكد انتقال زمام المبادرة لتحديد الفائز بالمقعد الرئاسى إلى القوى السياسية التى خرجت من السباق، وتلك إحدى أهم مفارقات الجولة الثانية!


فإذا ما فحصنا الآن موقف الكتل التى لم تصوت إلى أى من المرشحين اللذين سيخوضان جولة الإعادة، فسوف نلاحظ ما يلى:


■ من المرجح أن يعود جزء من الكتلة التصويتية التى انحازت إلى جانب الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فى الجولة الأولى للتصويت تلقائيا لصالح الدكتور محمد مرسى فى الجولة الثانية، لكنه لن يكون كافياً لضمان فوزه بالمقعد الرئاسى.


■ أن يعود جزء من الكتلة التصويتية التى انحازت إلى السيد عمرو موسى فى الجولة الأولى للتصويت تلقائيا لصالح الفريق شفيق فى الجولة الثانية، لكنه لن يكون كافياً لضمان فوزه بالمقعد الرئاسى.


■ لم تحسم القوى الليبرالية واليسارية، خاصة الشبابية منها، أمرها بعد، ويبدو أنها لاتزال فى معظمها رافضة للتوجه أصلا إلى صناديق الاقتراع، لكن المؤكد أنها ستظل هى الممسكة برمانة الميزان حتى النهاية.


ولأن معظم هذه القوى يرى فى وصول أى من المرشحين المتنافسين فى جولة الإعادة خطرا يتهدد عملية التحول الديمقراطى فى مصر، خصوصا إذا حكم أى منهما وفقا لأجندته الخاصة، أى أجندة جماعة الإخوان، من ناحية، أو أجندة النظام القديم، من ناحية أخرى، فقد جرت خلال الأيام القليلة الماضية محاولات مضنية لتوحيد صفوفها والاتفاق على وثيقة مشتركة توضح رؤيتها حول شكل الدولة التى تطمح فى تأسيسها مستقبلا. وبالفعل فقد أمكن التوصل إلى هذه الوثيقة التى أطلق عليها «وثيقة العهد». ولأنها وثيقة مهمة قد تشكل، فى حال إجماع القوى الوطنية عليها، مخرجا من الأزمة الراهنة، فقد وجدتُ أنه ربما يكون من المفيد طرحها هنا لإثراء الحوار المجتمعى حولها.


وفيما يلى نصها:


«أفضت نتائج الجولة الأولى من انتخابات رئاسة الجمهورية إلى دفع الشعب المصرى إلى المفاضلة بين خطر إعادة إنتاج النظام البائد، وخطر بناء دولة دينية، وفى هذه اللحظات الصعبة والظروف الدقيقة تُوجه الأحزاب والقوى السياسية الموقعة على هذه الوثيقة الرأى العام إلى القضايا الحيوية والملحة التى تطرح نفسها بمناسبة هذه الانتخابات، وتلتزم هذه الأحزاب والقوى الموقعة على هذه الوثيقة بالتمسك بمجموعة المبادئ والأهداف الواردة بها، وتعلن تعهدها بالدفاع عن هذه المبادئ والأهداف أمام الشعب المصرى وفاءً لدماء شهداء ثورة 25 يناير، وتؤكد أن قبول هذه المبادئ والأهداف أو بعضها من كلا المرشحين أو أحدهما لا يترتب عليه بالضرورة التزام القوى والأحزاب السياسية الموقعة بتأييد أو عدم تأييد أى منهما. إن هدف هذه الوثيقة ينحصر فى أمرين، أولهما: تحديد المبادئ المجمع عليها بين القوى السياسية والتى تفرضها تحديات المرحلة الراهنة، وثانيهما: توفير إطار مرجعى سياسى يساعد جماهير شعبنا على تقييم مدى استجابة المرشحين لهذه المبادئ.


إن الموقعين على هذه الوثيقة يؤكدون ما يلى:


■ مصر دولة مدنية ديمقراطية تقوم على سيادة الدستور والقانون ومرجعيتها السياسية من الدستور والقانون وحدهما.


■ التمسك بالمادة الثانية من دستور 1971 والإعلان الدستورى، التى تقرر أن الإسلام دين الدولة وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع والتمسك فى الوقت ذاته بتفسيرات المحكمة الدستورية العليا فى أحكامها المتعاقبة لهذه المادة.


■ التمسك بمبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون وتجريم التمييز والتكفير والحض على الكراهية بين المواطنين والمواطنات على أساس الدين أو المعتقد أو اللون أو الجنس أو المركز الاجتماعى، وتأكيد المساواة الكاملة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق والواجبات.


■ احترام الفصل بين السلطات والتأكيد على استقلال القضاء من خلال قانون جديد يضمن ذلك، ولكل مواطن الحق فى المحاكمة العادلة أمام قاضيه الطبيعى وحظر جميع صور القضاء الاستثنائى.


■ احترام الحريات العامة، وفى مقدمتها حرية الرأى والتفكير والتعبير والعمل السياسى وحرية البحث العلمى والإبداع الفكرى والأدبى والفنى والحريات الشخصية.


■ وجوب تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع المواطنين والمواطنات فى الحقوق والواجبات.


■ حماية مؤسسات الدولة الرئيسية من محاولات الاختراق والتغلغل من بعض التيارات السياسية أو محاولات توجيهها إلى خدمة فصيل أو تيار معين مع الحفاظ على مهنية وحيادية تلك المؤسسات ووضعها فى خدمة جميع المواطنين دون استثناء، وفى مقدمة هذه المؤسسات القضاء والجيش والشرطة والأزهر الشريف ومؤسسات التعليم.


■ احترام مبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها فى مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان الدولية، والالتزام بما ورد فى الاتفاقيات والمواثيق والبروتوكولات الدولية التى صدقت عليها مصر.


■ أن يلتزم الرئيس المقبل بالتصدى بحزم لأى إعاقة للتداول السلمى للسلطة أو أى تدابير سياسية أو تشريعية تعوق هذا التداول.


10- أن يلتزم الرئيس المقبل بالتصدى لأى تشريع استثنائى ينتهك الحريات العامة والشخصية وحقوق الإنسان، مع ضرورة إلغاء حالة الطوارئ والعمل على تنقية البنية التشريعية من القوانين المقيدة للحريات وعلى إصدار قانون انتخابى موحد يحقق تمثيلاً عادلاً لجميع فئات المجتمع.


11- أن يلتزم الرئيس المقبل بتشكيل حكومة ائتلاف وطنى يرأسها أحد الشخصيات الوطنية التى تحظى بتوافق عام، يعلن اسمه قبل انتخابات الإعادة.


12- أن يكون تعيين وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل من داخل مؤسساتهم طبقاً لمعيارى الكفاءة والحيدة وحدهما.


13- أن يلتزم الرئيس المقبل بمبدأ الحياد والتعامل المتوازن مع جميع الاتجاهات والقوى السياسية وبالتمثيل المتوازى لجميع القوى فى المواقع القيادية بمؤسسات الدولة (الرئاسة والحكومة والمحافظون وجميع مؤسسات الجهاز الإدارى للدولة).


14- أن يلتزم الرئيس المقبل باحترام ما قرره الدستور من حظر أى تنظيمات سياسية أو أحزاب على أسس دينية أو طائفية.


15- التزام الرئيس المقبل باتخاذ التدابير اللازمة نحو إعادة محاكمة المتهمين المحالين أمام محاكم عسكرية دون وجه حق أمام المحاكمة العادية.


16- التزام الرئيس المقبل بعدم ملاحقة المعارضين والنشطاء السياسيين أمنياً وعدم التشهير بهم إعلامياً، كذا الإفراج عن كل مسجونى الرأى.


17- التزام الرئيس المقبل بتبنى سياسات تؤدى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن فى الدخول وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين من تعليم وصحة وغذاء ومسكن وغيرها بشكل لائق وعلى قدر المساواة.


18- التزام الرئيس المقبل بتمكين الفئات الضعيفة والمهمشة مثل أطفال الشوارع وذوى الاحتياجات الخاصة وغيرهم من نيل حقوقها التى حرمت منها.


19- التزام الرئيس المقبل بعدم التدخل فى أحكام القضاء والامتناع عن إصدار قرارات عفو عن المتورطين فى جرائم بحق الشعب والثورة، مع ملاحقة الفاسدين سياسيا وماليا فى إطار المعايير الدولية للعدالة الانتقالية.


20- إنه من المهم والجوهرى أن تفرغ القوى السياسية ومؤسسات الدولة المصرية من اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور فى تاريخ أقصاه 9 يونيو2012، وأن تثبت جميع القوى السياسية، بما فيها الأكثرية البرلمانية، حرصها على المصلحة العامة وابتعادها عن المناورة الحزبية بتشكيل الجمعية وفقاً للمعايير والضوابط التى تضمن ألا تكون لأى تيار سياسى أغلبية عددية فى عضوية الجمعية، بحيث تتضمن تمثيلا متوازنا لكل مكونات المجتمع المصرى، وبالذات المرأة والأقباط والشباب وأن تتخذ القرارات داخل الجمعية التأسيسية بالتوافق أو بأغلبية الثلثين إذا اقتضت الضرورة اللجوء للتصويت.


21- أهمية الحفاظ على الطابع المدنى الديمقراطى للدولة، وإبعاد القوات المسلحة عن المشهد السياسى واحترام دورها ووظيفتها المقدسة فى الحفاظ على الأمن القومى لمصر.


22- فى النهاية يعلن الموقعون على هذه الوثيقة أن حق المصريين فى الثورة ومقاومة الظلم بجميع الطرق السلمية هو حق أصيل مارسوه على نحو أبهر العالم فى ثورة 25 يناير، وهو غير قابل للتنازل وسيمارسه المصريون فى حالة انتهاك الحكم على نحو جسيم للدستور والقانون أو انتهاكه للحقوق والحريات الأساسية أو اعتدائه على مبدأ التداول السلمى للسلطة عبر صناديق الانتخاب».


بقى أن أشير إلى أن هذه الوثيقة ليست مطروحة للتفاوض مع أحد، خاصة مع المرشحين الرئاسيين، وإنما للتوقيع عليها من جانب المواطنين والشخصيات العامة، بما فى ذلك مرشحا الرئاسة فى جولة الإعادة، وكذلك الأحزاب والقوى السياسية المختلفة. لذا آمل أن تحظى بالاهتمام الواجب من جانب الجميع، خاصة من جانب الأطراف التى لم تشارك فى صياغتها أو التى لم تتح لها فرصة حقيقية للمشاركة فى مناقشتها فى أى من الاجتماعات التى خصصت لهذا الغرض، وأيضا من جانب قراء هذه الصفحة الذين يشكلون جزءاً حيا من نخبة واعية تحرص على المشاركة بتعليقاتها القيمة عبر التفاعل. ولأن الجهود الرامية للاتصال بكل القوى السياسية، بما فى ذلك قيادات جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، من أجل التوصل إلى مخرج من الأزمة الراهنة التى لاتزال جارية، فمازال الأمل حيا فى العثور على مخرج حقيقى من هذه الأزمة.


ولا يحتاج القارئ إلى ذكاء حاد ليدرك أن هذه الوثيقة تخاطب، من الناحية الفعلية، ضمير مرشح جماعة الإخوان المسلمين فى المقام الأول، لأن الحوار مع الفلول ليس مطروحا أصلا، كما لا يحتاج إلى ذكاء حاد ليدرك أن التوقيع عليها دون تحفظات من جانب قيادة الجماعة سيفتح الطريق نحو وصول مرشحها إلى المقعد الرئاسى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق