اخر الاخبار

16‏/06‏/2012

الدستور عقيدة بقلم د/ منى مكرم عبيد


لم أفاجأ كثيرا بالجدل الدائر حول الجمعية التأسيسية للدستور فى شكلها الجديد، وقد فضلت الانسحاب من تشكيلها الأول لنفس الأسباب التى تتكرر اليوم وتتمثل فى حالة الانقسام الطائفى بين تيار دينى ومدنى. وبالرغم من عيوب تلك الجمعية وتقسيمها المختلف عليه وعودة سيطرة نفس التيارات السابقة عليها، فإننى أتمنى لها أن تستمر لإقرار دستور جديد للبلاد. لأنه ليس من المعقول ولا المنطقى أن يأتى رئيس جديد منتخب لا يعرف صلاحياته أو النظام السياسى الذى سيسير عليه. وإن كانت الأحداث قد تسارعت بشكل مذهل وصدر حكم المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان، مما جعل بعض الفقهاء الدستوريين يتوقعون بطلان الجمعية التأسيسية نفسها لأنها من أعمال البرلمان، والبعض الآخر يتوقع استمرارها لأن الحكم لا يلغى ما سبق من قرارات للبرلمان.

وبغض النظر عن تطورات الأحداث، ومع كل التقدير لأحكام القضاء التى تمثل عنوان الحقيقة.. ورغم استمرار الصراع السياسى الذى تسببت فيه محاولات تيار بعينه الاستئثار بكل شىء وتهميش بقية التيارات المختلفة معه فى الرأى.. فإن السؤال الذى شغل المصريين ولايزال يوجه إلىَّ فى كل مكان أذهب إليه وآخرها عندما كنت فى أبوظبى أقوم بالتدريس وإلقاء بعض المحاضرات هناك، استوقفنى الكثير من المصريين هناك وسألونى: هل سيحقق الدستور الجديد الفصل بين السلطات فصلا حقيقيا، يضمن عدم سيطرة سلطة على أخرى أو التدخل فى أعمالها واختصاصاتها، كما كان يحدث فى العهد البائد، عندما كان الرئيس السابق يتمتع بصلاحيات مطلقة، ورغم ذلك يصف نفسه بالحَكَم بين السلطات؟!


وفى اعتقادى أن الرئيس القادم يجب ألا يكون مسيطرا على البرلمان، يحركه كيفما يشاء فى سبيل سن تشريعات تحقق أغراضه ومآربه وتتفق مع توجهاته، بل يجب أن يكون هناك فصل حقيقى بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأن تراقب كل سلطة منها السلطة الأخرى ويتحقق التوازن المطلوب بينها، وليس مبدأ الغلبة والهيمنة، لا لشىء سوى أن الرئيس القادم بيده أغلبية برلمانية يحركها وفق توجهاته وأهدافه.


ولذلك ينبغى أن يفصل الدستور الجديد فصلا تاما بين السلطات، تراعى فيه مصالح مصر وليس مصلحة التيار الذى سيأتى منه الرئيس أو سيكون على خصومة معه.


إن دستور مصر ليس حكرا على أحد بعينه وليس متاعا أو ملكية يتم تفصيلها على مقاس شخص معين أو حزب أو جماعة سياسية، فدستور الأمة عقيدتها - بتعبير مكرم عبيد - وهو يمثل الإطار الجامع لكل المصريين، ويحدد مستقبل هذا الوطن، وصلاحيات من يحكمه ويدير شؤونه مهما كانت انتماءاته السياسية.


وأرى أن الدستور وحده هو الكفيل بتحقيق الفصل التام بين السلطات، خاصة بين السلطتين التشريعية والقضائية، حتى لا تتدخل أى منهما فى أعمال الأخرى، فالقضاء له سلطته واستقلاليته واحترام أحكامه، والبرلمان يشرع القوانين وفق إرادة الأمة وتطلعاتها واحتياجاتها وليس وفقا لإرادة الأغلبية المهيمنة على القرار التشريعى والسياسى.


وفى اعتقادى أن البرلمان كسلطة تشريعية يجب أن ينأى عن التشكيك فى أحكام القضاء واستقلاليته والتلويح والتهديد بإصدار تشريعات تتدخل فى أعماله وتؤثر على استقلاليته، ونزاهته. ولا خاسر بين تنازع السلطتين التشريعية والقضائية سوى الشعب نفسه، ذلك أن أكثر مؤسستين فى مصر لهما مكانة عند الناس «المؤسسة العسكرية والقضاء».


وعلى ذلك فإن أى إهابة أو مساس بهاتين المؤسستين يفقد من يفعل ذلك احترام الناس وتعاطفهم معه . وهذا معناه ضرورة الالتزام بوضع دستور يقرر واجبات كل مؤسسة وضرورة احترام قراراتها وتجنب فتح جبهات التشكيك والهجوم بين بعض رجال المؤسسة التشريعية والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى، وكذلك فك الاشتباك بين النواب والقضاة. فعلى كل سلطة أن تحترم السلطة الأخرى وفقا للدستور والقانون، ولا تحاول انتزاع اختصاصاتها.


وعلى أى حال، فإن تأخر وضع دستور جديد بهذا الشكل، الذى تسببت فيه بعض التيارات السياسية وأوصلتنا لما نحن فيه من أزمة حالية يعنى أن الرئيس الجديد سيعمل وفق صلاحيات وسلطات هى، بنص المادة 56، ذات سلطات الرئيس، والتى حددها الإعلان الدستورى فى الآتى:


1- التشريع.


2- إقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها.


3- تعيين الأعضاء المعينين فى مجلس الشعب.


4- دعوة مجلسى الشعب والشورى لانعقاد دورته العادية وفضها والدعوة لاجتماع غير عادى وفضه.


5- حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها.


6- تمثيل الدولة فى الداخل والخارج، وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وتعتبر جزءاً من النظام القانونى فى الدولة.


7- تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفاؤهم من مناصبهم.


8- تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم على الوجه المبين فى القانون، واعتماد ممثلى الدول الأجنبية السياسيين.


9- العفو عن العقوبة أو تخفيفها، أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون.


10- السلطات والاختصاصات الأخرى المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضى القوانين واللوائح.


وهكذا يصبح الإعلان الدستورى هو الذى سيعمل به رئيس الجمهورية المنتخب، حتى الانتهاء من كتابة دستور جديد سواء كان رئاسيا أو برلمانيا. وهذا يعنى بكل وضوح وفى تفسير الكثير من الفقهاء الدستوريين استمرار العمل بدستور 1971، والإعلان المكمل له، الذى وافق نحو 77% من الشعب المصرى عليه، وهو ما يعنى وجود رئيس جمهورية كامل الصلاحيات حتى إشعار آخر.


إننى لا أجد ما أختم به كلامى سوى ما ذكره السياسى الكبير مكرم عبيد عن الدستور من أنه يمثل إرادة الأمة والسيادة هى سيادة الأمة، والسلطات مصدرها الأمة، وهذا هو حكم الدستور. ومهما يكن من أمر الحاكمين فإن الدستور هو المعبر الأول عن إرادة الأمة وسيادتها، أو بالمعنى الحقيقى للكلمة «الدستور عقيدة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق