اخر الاخبار

20‏/06‏/2012

المطلوب والمرفوض من الرئيس بقلم: شريف الشوباشي


شريف الشوباشي
حتي كتابة هذه السطور لم تعلن النتيجة النهائية الرسمية لأول انتخابات رئاسية حقيقية تعرفها مصر في تاريخها المديد‏,‏ لكن المجهول الأخطر والأهم من شخص الرئيس الجديد هو الصلاحيات التي سوف يحظي بها هذا الرئيس والتي ستختلف بالتأكيد كثيرا عن الصلاحيات المطلقة التي كانت بين يدي حسني مبارك.
وأيا كان الرئيس القادم فإن المطلوب والمرفوض منه يكاد يكون مطابقا وسوف يتعين عليه مهما كانت صلاحياته أن يدرك المهمة الثقيلة التي وضعتها الأقدار علي كاهله وهي أن يكون أول رئيس منتخب بإرادة الشعب في تاريخ مصر المديد.

وأول خيط ينبغي أن يمسك به الرئيس الجديد هو سيناريو الرعب الذي كان يلوح به مبارك كخيال المآتة كلما ذكرت أمامه كلمة الديمقراطية: إما نظامه بكل مساوئه أو نظام متطرف يقوده الإخوان. وقد بدأت تظهر معالم هذا السيناريو وكادت تتكامل حلقاته منذ اندلاع الثورة. لذلك فإن المهمة الأساسية التي ينبغي علي الرئيس الجديد أن يضطلع بها هي كسر هذا الخيار الذي يرفضه الشعب المصري. فالرسالة الواضحة التي خرجت من أفواه الشعب خلال الثورة هي رفضه لدولة بوليسية يقمع فيها كل رأي حر, دولة يتحكم فيها الأغنياء ويعيش نحو نصف أبنائها علي حافة خط الفقر, دولة يمتلك فيها البعض المليارات وتعيش الغالبية علي الفتات. لكن الشعب رفض في ذات الوقت البديل الذي كان يطرحه مبارك للتشبث بالحكم ومحاولة توريثه لابنه وهو دولة دينية تختفي فيها الحريات العامة والخاصة وتعود بمصر إلي عصور الانحطاط والتردي الحضاري. لقد لعب مبارك وأعوانه بالنار فأحرقتهم وأجهزهت علي دولتهم.
والمطلوب من الرئيس الجديد أن يبحر بمصر علي سفينة المستقبل والتقدم والنمو لا أن يوجه البوصلة نحو الماضي وأحلام الأمجاد الغابرة. المطلوب منه أن يدرك أن مصالح العالم صارت متشابكة ولا يمكن لمصر أن تعيش في عزلة مثلها مثل أفغانستان وباكستان أو مثلما كانت تعيش في عصر المماليك. المطلوب منه أن يكون رئيسا لكل المصريين بالأفعال لا بالكلمات وليس أن يكون رئيسا لتيار محافظ ومتزمت يري في كل جديد بدعة. المطلوب منه أن ينأي عن الغلو والتطرف ويتمسك بالوسطية وبالقيم العالمية التي تلتزم بها الغالبية العظمي من دول العالم الآن.
والمرفوض تماما من الرئيس الجديد أن يحكم مصر وكأن ثورة 25 يناير لم تقم ولم يكن لها وجود. فاستيعاب دروس هذه الثورة واستخلاص النتائج الناجمة عنها هي الشرط الأول المسبق لنجاح الرئيس في أداء مهماته. فحكام مصر ورؤساؤها كانوا يضطلعون دائما بمهمة أساسية وهي أن يسوسوا البلاد ويسيطروا عليها بقوة السلاح والشرطة والعسس. أما الرئيس الجديد فسيكون عليه أن يسعي إلي تغيير المعادلة بالكامل وأن يحكم البلاد من خلال إرادة الشعب وصناديق الاقتراع وأن يرسي قواعد جديدة لم تعرفها مصر منذ نشأتها. وعلي الرئيس الجديد أن يعي أن الأقدار قد ألقت به علي رأس أقدم دولة في تاريخ البشر في لحظة تحول حاسم. فمصر دولة قائمة داخل حدودها منذ 3200 قبل الميلاد أي منذ أكثر من خمسة آلاف سنة عندما نجح مينا في توحيد مملكتي الشمال والجنوب وأنشأ سلطة مركزية في حدود حافظت عليها مصر منذ ذلك التاريخ السحيق.
وتتلخص المرفوضات في تكرار السياسات التي أدت إلي اندلاع الثورة والاستمرار في معاملة الشعب المصري علي أنه شعب قاصر في حاجة إلي من يوجهه ويقوده إلي الطريق الصحيح. لقد بني مبارك سياسته خاصة في العقد الأخير من حكمه علي الاستهتار بإرادة الناس والاستهزاء بكل من يتوجه إليه بالنقد أو الاعتراض والتعالي علي المعارضة.
والمرفوض أن يستمر ضرب المواطنين وإهانتهم في أقسام الشرطة وإهدار كرامة المواطن البسيط
ومعاناة الناس كلما اضطروا للتعامل مع المصالح الحكومية أو العامة وتحكم بعض الموظفين في مصائر البشر وفرض الإتاوات والبلطجة الرسمية التي كانت ولاتزال تمارس في وضح النهار وإن كانت قد خفت بعض الشئ بعد الثورة. إذا اقتنع الرئيس أنه يستمد شرعيته من الشعب وليس من القوة أيا كانت. ومن يدرس تاريخ مصر يتضح له أن الحكام في الماضي ارتكزوا في شرعيتهم علي القوة العسكرية من ناحية وعلي تفويض إلهي من السماء من ناحية أخري وعلي البطش بالشعوب في كلتا الحالتين.
وعلي الرئيس الجديد أن يدرك أن هذه العصور قد ولت إلي غير رجعة وأن شرعية الحاكم الوحيدة الآن أصبحت تستمد من إرادة الشعب ورضا غالبية أبنائه ولعل هذا هو الفارق الأساسي بين الدول الدكتاتورية والديمقراطية. فعلي الرئيس الجديد أن يعلم علم اليقين أن مبارك كان آخر الفراعنة وأن عصر الحاكم الأوحد انتهي في مصر كما انتهي في غالبية دول العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق