اخر الاخبار

08‏/06‏/2012

الحلم الوردى بقلم محمد سلماوى


أمضيت الليل أقرأ صحف اليوم التالى على الإنترنت والتى تزداد اصفراراً مع كل يوم، وأشاهد على التليفزيون من أصبحوا يطلقون على أنفسهم ألقاب «الخبير الاستراتيجى» و«الفقيه الدستورى»، ثم يتلاسنون ويكادون يشتبكون بالأيادى فيما يعرف بالبرامج «الحوارية» ـ نسبة إلى «الحوارى» طبعاً وليس إلى «الحوار» ـ وتذكرت واقعة تروى عن الدكتور ثروت بدوى فى أحد لقاءاته التليفزيونية حين سأله معد البرنامج: «تحب نكتب تحت اسمك مفكر ولا فقيه استراتيجى ولا خبير دستورى؟»، فقال له الدكتور ثروت الذى تتلمذ على يديه عشرات ممن يسمون أنفسهم اليوم بالفقهاء: اكتب «صايع»!

وخشيت بعد كل ما قرأت من شتائم وما شاهدت من خناقات، سواء على صفحات الجرائد أو على شاشات التليفزيون أن أمضى بقية الليل ـ إذا ما نمت ـ مع الكوابيس السياسية، لكن النوم فى جانب منه يمثل هروباً من الواقع، فقد جاءنى حلم أخرجنى ـ ولو لحين ـ من كتابة المشهد الذى نعيشه الآن، و«الجعان يحلم بسوق العيش».


لقد حلمت بأن البلد انصلح حاله، فلم يعد هناك مجلس عسكرى يحكم البلاد، ولا مجلس شعب تستحوذ الأغلبية الدينية فيه على مقدرات الناس، ولا هناك «ناقر ونقير» يتنافسان على رئاسة مصر فى انتخابات ديمقراطية فريدة من نوعها أتت صناديقها «الشفافة» بمن لا يريده الناس، لكن تلك هى عبقرية مصر التى تنفرد بها بين سائر أمم الأرض، ففى جميع دول العالم تأتى الديمقراطية بمن يريده الناس، أما عندنا فيبدو أن العكس هو الصحيح، لقد حرص المجلس العسكرى، الأمين على مستقبل هذا الشعب، على ألا يكتفى بأن تكون له يد واحدة، وهى اليد الظاهرة التى عبر عنها شعار «الجيش والشعب إيد واحدة»، وإنما كانت له أياد أخرى بيضاء.. طبعاً، عددها هو عدد صناديق الاقتراع التى باتت ليلتها بعد يوم الانتخابات الأول بعيداً عن أعين مندوبى المرشحين بأمر من المجلس.


كذلك حرص المجلس العسكرى على ألا يرهق المرشحين بكشوف الناخبين الذين زاد عددهم على ٥٠ مليوناً، صحيح أن القانون يحتم إرسال هذه الكشوف على أسطوانة مدمجة لكل مرشح كما حدث فى الانتخابات البرلمانية، لكن لماذا إرهاق المرشحين هذه المرة بكل هذه الأسماء التى زادت منذ آخر انتخابات جرت، وهى انتخابات مجلس الشورى بنسبة أربعة ملايين ناخب (؟!)


دون أن يعرف أحد من هم ولا من أين جاءوا، من قال إن المرشحين عليهم أن يتحققوا من مصدر هذه الزيادة حتى لا تكون قد جاءت من احتساب أصوات الأموات أو المجندين، أو الأموات المجندين، حيث اعتدنا طوال السنوات الماضية على أن يتم تجنيد الأموات بمجرد رحيلهم عن دنيانا فينتقلوا بالموت إلى قوائم الحزب الوطنى المنحل، فى الوقت الذى كنا نتصور نحن وذووهم أنهم انتقلوا إلى رحمة الله؟ ذلك لا يعدو كونه تشكيكاً لا لزوم له، إذ إن المجلس العسكرى قام بمراجعة هذه القوائم بنفسه بدلاً من إرهاق المرشحين، وهو جهد يشكر عليه.


أقول إننى حلمت بأن كل ذلك قد انتهى، فقد صدر ـ فى الحلم طبعاً ـ حكم المحكمة ببطلان الانتخابات الفردية بالمجلسين، فتم أخيراً حلهما فى اليوم نفسه وسط أفراح الناس التى نزلت إلى التحرير لأول مرة فى مليونية احتفال وليس مليونية احتجاج، كما رفضت المحكمة الطعن على قانون العزل السياسى الذى مس أحد المرشحين للرئاسة، فألغيت الانتخابات واعتبرت نتائجها الكابوسية كأن لم تكن.


واختفى من الصورة «ناقر» الذى يريد إعادتنا لدولة مبارك العسكرية و«نقير» الذى يريد إعادتنا لدولة العصور الوسطى الدينية، وبدت مصر فى هذا الحلم الوردى سعيدة وهى تبدأ المشوار من جديد بالطريقة السليمة هذه المرة، فتختار وضع الدستور أولاً ثم إجراء الانتخابات بعد ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق