اخر الاخبار

27‏/04‏/2012

اتحاد الكرة.. و«تقسيم» مصر بقلم محمد البرغوثى


قبل عامين تقريباً وقعت فتنة كروية بين مصر والجزائر، وآنذاك انتبه عدد قليل من الكتاب والمثقفين إلى أن أمانة سياسات الحزب الوطنى استخدمت أحط وأفسد الكتاب والمذيعين لدق طبول الكراهية ضد الجزائر، وحشد الرأى العام فى قضية تافهة يقف خلفها جمال مبارك، الذى كان فى أمس الحاجة إلى التغطية الدائمة والمكثفة على الخراب الذى استشرى فى مصر، حتى يتمكن من تمرير مشروع التوريث.



ورغم أن هذا المشروع الكريه كان سبباً رئيسياً فى اندلاع ثورة ٢٥ يناير، التى أطاحت بكبار رموز النظام السابق وألقت بهم فى السجون، فمازال هذا النظام يستخدم الأدوات ذاتها فى إفشال الثورة وتدمير الوطن ذاته. ومن اللحظة الأولى لوقوع مجزرة استاد بورسعيد ليلة ١ فبراير الماضى تمكن كثيرون من رؤية أدوات النظام الساقط فى خلفية المجزرة المروعة، التى أودت بحياة ٧٤ شابا فى دقائق معدودة، وكان واضحاً جداً لكل من لديه عقل أن كتيبة فلول نظام «مبارك» المنتشرة فى الفضائيات كانت جاهزة بكل عتادها الإجرامى، لإشعال فتنة أهلية بين مشجعى النادى الأهلى وشعب بورسعيد ذاته.. وللأسف الشديد نجح هؤلاء الأوغاد فيما خططوا له نجاحاً مفزعاً لم يكن يخطر لأحد فينا على بال.


ومساء الثلاثاء الماضى اكتشفنا أن هذه الكتيبة لم تتوقف لحظة واحدة عن إذكاء الفتنة الأهلية كلما لاح لنا أنها قاربت على الانطفاء، فقد قررت لجنة التظلمات باتحاد الكرة تغليظ العقوبات على النادى المصرى، فى مخالفة صريحة لقاعدة قانونية شهيرة تنص على أن الطاعن لا يضار بطعنه، وهو ما يعنى أن النادى المصرى الذى تظلم من العقوبات الأصلية لا يجوز أن يضار من تظلمه.


وما يعنينى هنا ليس النادى المصرى وليس النادى الأهلى، فلتذهب الكرة وأهوالها وفساد القائمين عليها إلى الجحيم، لكن الذى ينبغى أن تقام له الدنيا ولا تقعد هو تعليقات أنصار الناديين على قرارات اتحاد الكرة، التى تؤكد أن كتيبة فلول «مبارك» أنجزت فى خبطة واحدة ما لم تستطع «إسرائيل» أن تنجزه طوال عقود من مؤامراتها على مصر.


وإليكم عينة من هذه التعليقات: فهذا مواطن المؤكد أنه أهلاوى لا يرضى بنزول النادى المصرى إلى الدرجة الثانية، ويقول إن الشطب النهائى له هو الحد الأدنى المقبول للعقاب لأنه نادى المجرمين، ويضيف إليه أهلاوى آخر: طول عمر بورسعيد بلد يحتذى به فى البلطجة وقلة الأدب. ويرد مواطن بورسعيدى: طول عمركم بتحقدوا على بورسعيد عشان احنا أحسن منكم يا شوية فلاحين.. التخين فيكم كان بيسافر بورسعيد زى ما يكون مسافر الخليج.. بكرة نستقل عنكم ومش عايزين نشوف وشكم.


ورداً على تهديدات ألتراس النادى المصرى بغلق المنفذ الجمركى حتى يتم التراجع عن القرارات، يقترح أهلاوى حلاً بسيطاً: «إذا كان المنفذ الجمركى فيه مشكلة، أقترح تحويل كل السفن إلى موانئ السخنة ودمياط والإسكندرية وخليهم يهشوا الدبان فى المنفذ الجمركى بتاعهم»، الأكثر من ذلك اقترحه مهووس أهلاوى بقوله: «البورسعيدية فعلاً شوية قتلة وبلطجية.. ولو أنا رئيس مصر هسلم مدينة اللاجئين والمهاجرين لإسرائيل بعد ما أضربها بالطيران».


القليل من التعليقات كان واعياً جداً ومدركاً للكارثة المروعة التى قادتنا إليها كتيبة فلول «مبارك»، فقد أشار البعض إلى أن اتحاد الكرة هو نفسه من الفلول، وأنه فعل ذلك لإذكاء الحرب الأهلية بين شعب بورسعيد والأهلاوية، وهناك من يخاطب الشاب الذى تمنى أن يكون رئيساً، ليسلم بورسعيد إلى إسرائيل بعد ضربها بالطيران، بقوله: «يا أستاذ هشام.. هل تم اختصار تاريخ مصر فى ماتش كورة؟ وإزاى تسلم تراب بلدك لإسرائيل؟ أنا خايف ليكون هذا هو اتجاه تفكير هذا الجيل».


ولكن هذا الوعى ليس كافياً أبداً لإخماد هذه الفتنة الرهيبة التى تنذر بحرب أهلية يعمل الفلول بدأب على إنجازها فى أقرب وقت ممكن، فيما نحن غارقون فى ملهاة الدستور والانتخابات الرئاسية والعزل والغدر و«شفيق» الذى خرج وعاد، فمتى نفيق من هذه الغيبوبة المدبرة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق