اخر الاخبار

16‏/04‏/2012

عن حلمنا الذى لم يمت بقلم فهمي هويدي


تدخل القاهرة لنزع فتيل التوتر واحتمالات المواجهة المسلحة بين الخرطوم وجوبا. لم تتوقف وسائل الإعلام عندنا، المشغولة بالتطورات الساخنة والمتسارعة الحاصلة فى الساحة المصرية. انعكس ذلك على تناول صحف الصباح، أمس، للموضوع الذى اختزل فى خبر على عمود أفاد بأن المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى اتصل هاتفيا بالرئيس عمر البشير ونظيره الجنوبى سلفاكير لبحث المشكلة بين البلدين الشقيقين، كما أنه قرر إيفاد وزير الخارجية السيد محمد كامل عمرو لزيارة الخرطوم وجوبا وتقريب وجهات النظر بينهما.

 ليس جديدا التوتر بين «الأخوة الأعداء» فى الشمال والجنوب، لكن التحرك المصرى هو الجديد نسبيا، لأن مصر طوال سنوات الانكفاء التى عاشتها فى ظل النظام السابق، كانت تقف متفرجة على مثل هذه الأزمات، وأحيانا كانت تنحاز إلى الطرف الغلط، استنادا إلى حسابات صغيرة مرتبطة بالأهواء العارضة وليس المصالح العليا للوطن، إذ ليس سرا أن الرئيس السابق لم يشغل نفسه بالملف الافريقى، وانه كان يعتبر أن عالمه لا يتجاوز حدود أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. حتى ازعم أنه كان «يحج» مرة كل عام إلى واشنطن لكنه كان دائم الحرص على اداء «العمرة» على مدار العام فى عواصم أوروبا، خصوصا باريس وروما وبون. ورغم أن صدره كان يضيق بزيارة الوزراء الافارقة، فإنه كان يتلهف على لقاء المسئولين الأوروبيين. حتى انه طلب ذات مرة أن يزور لندن، وابلغ رسميا بأن جدول أعمال رئيسة الوزراء مارجريت ثاتشر مزدحم وانها لن تستطيع أن تلتقيه فى الموعد الذى اقترحته الرئاسة المصرية، لكنه ألح على الزيارة رغم الاعتذار البريطانى، وحينئذ رد مكتب ثاتشر قائلا إن مشاغلها لاتزال كثيرة للغاية، ولن تستطيع أن تلتقيه فى الموعد الجديد  إلا لمدة 15 دقيقة فقط من الحادية عشرة الا ربعا إلى الحادية عشرة، ورغم أن الرد كان محرجا ومهينا إلا أنه قبل على نفسه ذلك، وذهب إلى لندن لتلتقط له الصور مع السيدة ثاتشر خلال دقائق الزيارة. وخرجت مانشيتات الصحف المصرية فى اليوم التالى وهى تبشرنا بنجاح الزيارة التى تناولت تعميق العلاقة بين البلدين. وكتب احد رؤساء تحرير الصحف القومية مشفقا على الرئيس الذى لا يكل ولا يمل من تحرى مصالح مصر فى الداخل والخارج، وعن حفاوة الزعماء الغربيين به وحرصها على الإفادة من بصيرته النافذة وآرائه السديدة!

لقد انفصل جنوب السودان الذى أيده نظام مبارك حينا من الدهر كيدا فى نظام الخرطوم المشتبه فى توجهه الإسلامى. ولست أشك فى انه كان يعرف من السيد عمر سليمان رئيس المخابرات على الاقل، أن انفصال الجنوب جزء من مؤامرة غربية تلعب فيها اسرائيل دورا اساسيا، وأن مصر من ابرز المتضررين جراء ذلك الانفصال، وبعد ذلك الفشل (هل اقول التواطؤ) المخابراتى خسرت مصر علاقتها مع دول حوض النيل، وخسرت أيضا مكانتها فى محيطها الأفريقى.

ثمة قرائن مستجدة دالة على أن مصر افاقت من غيبوبتها بعد الثورة، وخبر التحرك المصرى الذى اشرت اليه احد تلك القرائن، تزامن ذلك مع جهد يتحرك بطيئا لتبادل المصالح بين القاهرة والخرطوم، تمثل فى الاتفاق على استيراد اللحوم والماشية من السودان وترتيبات زراعة مليون فدان هناك وهو الموضوع الذى كان محل بحث اثناء الزيارة الأخيرة التى قام بها وزير الزراعة المصرى للخرطوم واسفرت عن توقيع مذكرة تفاهم بهذا الخصوص.

هذه مبادرات تستحق الحفاوة والتشجيع لا ريب، وفى حدها الادنى فإنها تعبر عن تحرك يظل أفضل كثيرا من الموات والوهن الذى أصاب علاقات البلدين فى عهد مبارك، إلا أننى اتمنى أن يتم ذلك التحرك فى اطار رؤية استراتيجية واضحة تدرك جيدا أهمية احياء فكرة «المثلث الذهبى» المتمثل فى مصر والسودان وليبيا. وهى الفكرة التى لا امل من التذكير بها، باعتبارها مدخلا لنهضة حقيقية تحدث انقلابا اقتصاديا واجتماعيا تنعم به شعوب الدول الثلاث التى تتكامل فيها كثافة مصر السكانية وخبراتها البشرية، مع تربة السودان الغنية ومساحتها والشاسعة، ونفط ليبيا الذى يستطيع أن يمول تلك النهضة ويدفعها إلى الامام، ولست اشك فى أن مناخ الثورتين فى مصر وليبيا اضافة إلى حماس الطبقة السياسية فى السودان سيكون من الحوافز المهمة المساعدة على امكانية تحقيق التكامل المتشدد.

ثمة جهود تبذل الآن لاستثمار الربيع العربى لإحياء الاتحاد المغاربى المجمد. وهو ما يسعى اليه وزيرا خارجية كل من المغرب وتونس، والاثنان على اتصال مع المسئولين الجزائريين فى هذا الصدد. والخطوة التى يراد انجازها الآن تتمثل فى فتح الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر (ثمة إعداد الآن لمبادرة شعبية عربية بهذا الخصوص) والتى بسببها يخسر البلدان نحو عشرة مليارات دولار سنويا. لا أريد أن أذهب بعيدا فى الحلم، وأتصور تكاملا بين المثلث الذهبى الذى اشرت اليه وبين الاتحاد المغاربى فى حال إحيائه ومدى تأثير ذلك على استعادة الحلم العربى فى الوحدة. وهو الحلم الذى تآمر كثيرون على إجهاضه لكنهم فشلوا فى قتله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق