اخر الاخبار

09‏/04‏/2012

د. البرادعى: كنت كعهدك ملهما بابتعادك عن هذا المستنقع بقلم د . طارق الغزالى حرب


أحيانا كثيرة يحيرنى د. محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حامل جائزة نوبل وأعلى الأوسمة المصرية والعالمية، الذى يحترمه العالم شرقه وغربه، وفوق ذلك كله الرجل المحترم الذى يقدر لقدمه قبل الخطو موضعها بطريقة تذهل حتى المتربصين به قبل محبيه ومؤيديه، إلى درجة أتخيل معها أحيانا أن هذا الرجل على قدر كبير من النقاء والشفافية الصوفية التى تجعل تصرفاته وأقواله، كأنها إلهام إلهى.


صدقونى أننى لا أكتب هذا الكلام من باب المديح للرجل، ولكنى فقط أسترجع كل أفعاله وتصرفاته من يوم أن ظهر على الساحة السياسية المصرية بكلمات بسيطة قالها وهو مازال بالخارج، أوضح فيها أنه لا يمانع فى أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية عند عودته لمصر بعد انتهاء عمله الدولى، ويضع خبرته وعلمه من أجل أن تخطو بلاده التى يحبها خطوات جادة على طريق إقامة الدولة الديمقراطية الحديثة، وتبدأ فى الصعود إلى مصاف الدول النامية الصاعدة بالحكم الرشيد. المجال لا يسمح فى هذا المقال بالحديث عن الحكاية كلها وما تعرض له الرجل من حملات إعلامية ودعائية غاية فى الخسة والسفالة والكذب، وصولا إلى التهديدات من نظام عصابى مجرم أشبه بعصابات المافيا التى يديرها الرأس الكبير مبارك وعائلته وزبانيته الذين ابتليت بهم مصر فأكثروا فيها الفساد وأذلوا العباد..


والمجال لا يسمح أيضاً للحديث عن رهانات الرجل الملهم التى أعلنها على الملأ قبل الثورة المصرية العظيمة وهى: «١» أن التغيير لا يأتى من الخارج بل يجب أن يكون بأيدينا نحن «٢» وأنه لا يثق ولا يأمل إلا فى الشباب «٣» وأنه سيكون على تواصل معهم بوسائط الاتصال الحديثة على شبكة الإنترنت «٤» وأنه لن ينزل إلى الشارع إلا إذا خرجت الملايين إلى الشوارع «٥» وأن هذه الجماهير الهادرة إذا نزلت بهذه الطريقة فستكون الأولى والأخيرة.. وبالفعل كانت رهانات الرجل كلها صحيحة وحدثت الثورة التى أذهلت الدنيا، وسمعنا فى ميدان التحرير بعد رحيل الطاغية الهتاف، الذى ظل كل منا يحلم بأن يسمعه قبل أن يموت، يزلزل الأرض ويرتفع إلى عنان السماء «ارفع راسك فوق إنت مصرى».


كما قلت فإننى أذكر فقط هذا الكلام عن الماضى باختصار لأن له صلة بما يحدث الآن على أرض مصر المبتلاة الصابرة، فقد أعلن الرجل المحترم د. البرادعى منذ عدة أسابيع بنفس الدرجة من الرؤية المستقبلية والشفافية أنه لن يدخل سباق الرئاسة لأن الأجواء العامة والظروف القائمة والمقدمات لا تنبئ بأن هذه الانتخابات الحاسمة فى تاريخ مصر سوف تتم بطريقة نظيفة ونزيهة تعبر بصدق عن تطلعات الغالبية العظمى من الشعب المصرى وآماله فى مستقبل أفضل، وقرر أن يواصل العمل مع الشباب والتيارات الوطنية ذات المصداقية من أجل توفير الظروف والضمانات المطلوبة لتحقيق أهداف الثورة.


الرجل المحترم آثر أن يبتعد عن مستنقع قذر آسن نراه أمامنا هذه الأيام يتجسد واقعاً كئيبا محبطا نعيشه يوماً بعد يوم بل ساعة بعد ساعة.. فها هى جماعات الإسلام السياسى تتناحر وتتآمر وتكذب وتناور وتهدد وتتوعد، وكله باسم الدين والشريعة، والأدلة من القرآن والأحاديث جاهزة، حسب الطلب، وكل فصيل منهم يدعى أنه المتحدث الرسمى والوكيل الحصرى للإسلام، والإسلام براء منهم جميعا ولا سامحكم الله يا من شوهتم دين الإسلام وتاجرتم به من أجل سلطات دنيوية زائلة، استحللتم من أجلها الكذب والنفاق وهما الصفتان الأخلاقيتان اللتان تخرجان صاحبهما من الملة، وأولى بكم أن تعلنوها صراحة بأن قدوتكم ومثلكم الأعلى هو السيد «ميكيافيللى»، السياسى الأوروبى الداهية، صاحب نظرية «الغاية تبرر الوسيلة» لا رسولنا الكريم أو أحد من خلفائه الراشدين.


وها هم جماعة العسكر الذين هم جزء عضوى من نظام مبارك الفاسد المستبد يسمحون لاثنين من أقرب معاونيه اللذين استعان بهما لإنقاذه عند اندلاع الثورة الشعبية العظيمة فعين أحدهما نائبا له والآخر رئيسا لوزرائه، يتلاعبان بالمصريين البسطاء الذين أوصلهم حكم جنرالات مبارك إلى حافة الهاوية تعنتا وفقرا وخلقاً للأزمات والفوضى، فيعلن أحدهما يوما أنه لن يرشح نفسه ويعلن رفيقه أنه سينسحب إذا ترشح الآخر، ثم يغير الآخر رأيه بعد يوم واحد بادعاء الاستجابة لأوامر بضع مئات ممن تجمعوا تحت بيته، جمعهم أحد رجال الأعمال من موظفى شركاته بتهديد سافر لهم، فيعلن رفيقه هو الآخر تغيير رأيه وأنه سيترشح حتى لو ترشح الآخر، وكلاهما يعد الشعب بحل جميع مشاكله فى غضون شهور قليلة باستخدام العصا الغليظة وتقوية أجهزة الأمن والقمع وهما ما يفهمان فيه فقط، وينسيان أن مصر تدهورت على يد أمثالهما ونهبت كما لم يحدث لها فى تاريخها كله فى وجودهما وبتأييدهما!


 الجميع يعلم أنه لن تكون هناك انتخابات نزيهة ولا نظيفة، والدليل هو تمسك المجلس العسكرى بتلك المادة فى الإعلان الدستورى التى تتيح للقاضى الذى اختاره مبارك من قبل رئيسا للمحكمة الدستورية واختاره جنرالاته رئيسا للجنة العليا للانتخابات، أن يصرح باسم الرئيس الذى اتفق عليه العسكر الحاكمون لا أكثر ولا أقل، وما سوف يعلنه سيكون قدرا لا فكاك منه، منزها عن الشك أو الطعن فيه، وهى المادة التى كانت قد أضيفت خصيصاً من أجل توريث الحكم أيا كان الوريث!


لا تظنوا أن ترشح هذين اللذين هما امتداد للمافيا التى كانت ومازالت تحكم بعيد عن أصابع المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، فهى مازالت تمسك بالكثير من خيوط اللعبة وتحاول تحريكها لما هو فى صالحها.. وصالحها الأهم هو ألا تقوم لمصر قائمة بعد ثورة شعبها العظيمة التى فاجأتهم وأرعبتهم.


د. البرادعى حسنا فعلت بابتعادك عن هذا المستنقع القذر، وشعب مصر وفى طليعته شبابه قادرون بإذن الله وبجهودكم للم الشمل وتوحيد الموقف على ردم هذا المستنقع الآسن بكل من عليه ومن فيه، مهما كلفهم ذلك من تضحيات.. فالغضب الساطع آت ونحن كلنا إيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق