اخر الاخبار

25‏/04‏/2012

انتخابات رئاسية تحت رحمة قانون العزل بقلم د.حسن نافعة


لم تهدأ الحياة السياسية فى مصر منذ قرار اللواء عمر سليمان ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية وإقدامه بالفعل على تقديم أوراق ترشحه إلى لجنة الانتخابات قبل دقائق من الموعد المحدد لإغلاق باب الترشح. ولأنه كان قراراً مفاجئاً، فقد ولَّد انطباعاً عاما لدى قطاعات عريضة من الناس بأن المجلس العسكرى يقف خلفه ويؤازره، وأثار مخاوف حقيقية من احتمال إساءة استخدام المادة ٢٨ من الإعلان الدستورى واستغلالها لتزوير الانتخابات، وبالتالى كان من الطبيعى أن تترتب عليه ردود أفعال هائلة على جميع المستويات، كان من بينها مسارعة مجلس الشعب بإدخال تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية.



 ولكى لا تبدو هذه التعديلات كأنها تستهدف حرمان شخص بعينه من مباشرة حقوقه السياسية، مثيرة بالتالى شكوكاً حول مدى دستوريتها تجعلها عرضة للطعن عليها، حرص مجلس الشعب على صياغتها بطريقة أكثر إحكاما، وأصبحت بالتالى قابلة للتطبيق على كل من تقلد مناصب قيادية عليا خلال السنوات العشر السابقة على سقوط نظام مبارك، خاصة منصبى نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. لكن ما إن فرغ مجلس الشعب من إقرار هذه التعديلات، حتى فاجأت اللجنة العليا للانتخابات الجميع وقامت باستبعاد عشرة من القائمة الأولى للمرشحين، من بينهم عمر سليمان وخيرت الشاطر وحازم أبوإسماعيل، وبالتالى أصبح أحمد شفيق هو الشخص الوحيد الذى يمكن أن تطاله هذه التعديلات إذا ما دخلت حيز التنفيذ قبل الموعد المحدد لإعلان القائمة النهائية للمرشحين، أى قبل يوم غد الموافق ٢٦ إبريل، ففى هذه الحالة ستضطر لجنة الانتخابات الرئاسية لاستبعاد أحمد شفيق من القائمة النهائية.


لقد تعامل المجلس العسكرى مع هذه القضية بشكل حذر لفت أنظار المراقبين. فقانون العزل الذى أقرته سلطة تشريعية منتخبة لا يمكن أن يدخل حيز النفاذ قبل تصديق المجلس العسكرى عليه، والمادة ٥٦ من الإعلان الدستورى تمنح المجلس ليس فقط حق إصدار القوانين، وإنما حق الاعتراض عليها أيضاً. لكن المجلس يدرك، فى الوقت نفسه، أن لممارسة حق الاعتراض على هذا القانون بالذات تكلفة سياسية كبيرة لا ينبغى أن يتحمل فاتورتها وحده، ومن هنا قراره بإحالة القانون المذكور إلى المحكمة الدستورية العليا التى عكست فى حد ذاتها نوعا من الاعتراض الضمنى عليه. ومع ذلك فليس بوسع أحد توجيه اللوم للمجلس العسكرى على هذا التصرف، خصوصا أن فقهاء دستوريين لهم مكانتهم كانوا قد أكدوا وجود شبهات قوية بعدم الدستورية تحيط بهذا القانون.


 المفاجأة الكبرى أن كرة اللهب سرعان ما عادت مرة أخرى إلى المجلس العسكرى. فقد قررت المحكمة الدستورية أنها تباشر رقابة لاحقة على صدور القوانين وأن سلطتها فى الرقابة السابقة تقتصر، بنص الإعلان الدستورى، على حالة واحدة فقط، ألا وهى قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية. وفى سياق كهذا لم يكن هناك من سبيل آخر أمام المجلس العسكرى سوى التصديق على قانون مباشرة الحقوق السياسية، وأصبح فى حكم المؤكد أن تأتى القائمة النهائية للمرشحين فى انتخابات الرئاسة، التى ستصدر غدا الخميس، خالية من اسم المرشح أحمد شفيق. فهل ستنتهى القصة عند هذا الحد؟ لا أظن!


قد لا يكون بوسع أحمد شفيق أن يعترض على قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بحرمانه من الترشح للرئاسة وحذف اسمه فى اللحظة الأخيرة من قائمة المرشحين، لأن قرارات لجنة الانتخابات محصنة وغير قابلة للطعن عليها وفقا لنص المادة ٢٨ من الإعلان الدستورى. غير أنه لن يكون بوسع أحد منع أحمد شفيق فى المستقبل من الطعن على قانون مباشرة الحقوق السياسية أمام المحكمة الدستورية العليا والتشكيك فى دستوريته. والسؤال: ماذا لو حكمت المحكمة الدستورية، وهو احتمال قائم بالفعل، بعدم دستورية هذا القانون؟. ألن يكون معنى هذا الحكم، الذى سيصدر بعد أن يكون رئيس الدولة الجديد قد تولى مهام منصبه بالفعل، أن الانتخابات الرئاسية، التى وصل بمقتضاها الرئيس إلى قمة السلطة التنفيذية، قد جرت وفق قانون غير دستورى، وهو ما قد يؤدى إلى بطلانها والمطالبة بضرورة إعادتها.


مع كل يوم جديد يتكشف لنا حجم «العك» الدستورى الذى نعيشه هذه الأيام بسبب سوء إدارة المرحلة الانتقالية. لذا لن نكف، منذ الآن فصاعدا، عن ترديد عبارة: ربنا يستر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق