اخر الاخبار

29‏/04‏/2012

الإخوان لا يريدون دستوراً توافقياً بقلم د. محمد أبوالغار


نتهت المفاوضات بين جميع القوى الوطنية فى مصر وبين التيار الإسلامى بقيادة الإخوان المسلمين بالفشل، وذلك لتعنت الإخوان وعدم موافقتهم على أن دستور أى بلد فى العالم لا بد أن يكون دستوراً توافقياً بين كل أطياف الشعب، وكلمة توافقى تعنى الاتفاق بأغلبية كبيرة جداً، إن لم يكن بالإجماع، وقد اتفق الدستوريون جميعاً على أن كل الأمور شديدة الأهمية داخل وخارج البرلمان التى من الممكن أن تؤثر على مستقبل الأمة يجب أن تكون بالتوافق، وهناك اتجاه دولى عام بأن أغلبية الثلثين على الأقل يجب أن تتوفر فى كل بند من بنود الدستور أو أى قرار مستقبلى مهم، والحكمة فى ذلك واضحة تماماً: أن أغلبية برلمانية فى لحظة معينة من التاريخ لا يمكن أن تقرر مستقبل أمة وتكتب دستورها على هواها، لأن هذه الأغلبية من الممكن أن تكون غير موجودة بعد سنوات قليلة وبالتالى فإن الذى يقرر ذلك هو التوافق الوطنى بين كل الأطياف.



 توقف المفاوضات حدث بسبب إصرار الإخوان على كتابة دستور على مزاجهم الخاص وليس بتوافق الأمة، وبالتالى إصرارهم على رفض مبدأ الثلثين فى التصويت على كل بند من بنود الدستور على حدة، وهى أقل نسبة ممكن القبول بها لإيجاد حد أدنى من التوافق، وكذلك رفضهم القبول بأسباب حكم المحكمة الإدارية العليا.


ومن المعروف دولياً وتاريخياً أن اللجنة التى تكتب الدستور لا يمكن أن يمثل فيها أى تيار سياسى بأكبر من نسبة محددة. إن دستور ١٩٢٣ الذى كان حزب الوفد هو التيار الأكبر فى حينه تم تمثيله بثلاثة أعضاء فقط فى لجنة الثلاثين التى وضعت الدستور. وفى دستور ١٩٥٤ الذى لم ير النور كان الإخوان فى ذلك الوقت القوة الكبرى فى الشارع المصرى قبل أن يطيح بهم عبدالناصر وقد تم تمثيلهم بثلاثة أعضاء من خمسين. إذاً فكرة تيار غالب يقصى الجميع كما حدث فى اللجنة الأولى التى أفرزها الإخوان وكانت الغلبة فيها للتيار الإسلامى وانتهت بانسحاب القوى الأخرى، ثم حكم المحكمة بحل اللجنة على أن يعاد تشكيلها من خارج البرلمان - هى فكرة غير دستورية وضد التوافق.


إذا كان الإخوان يريدون أن يكتبوا دستوراً دون توافق فليكتبوه وحدهم، ويصوتوا عليه فى استفتاء وحدهم أيضاً، ليصبح دستوراً إخوانياً وليس دستوراً لمصر وسوف يستمر معدوم الشرعية مهما فعلوا وقالوا وأعلنوا. 
إن ما وعد به الإخوان اتضح أنه غير صحيح، ويعتقد الكثيرون أن الإخوان يريدون لجنة على مقاسهم وتحت أمرهم، يوظفون قلة من القوى المدنية تعد على الأصابع لمساعدتهم وتقديم خدمات لهم مقابل الفتات، ونسوا أو تناسوا أفكارهم وتاريخهم وتاريخ أحزابهم.


ما يقوله الشارع المصرى الآن أن الإخوان يريدون ثلاثة أمور فى الدستور، أولها أنهم يريدون أن يكون رئيس الجمهورية له صلاحيات محدودة للغاية حتى يتحكموا بالأغلبية البرلمانية فى كل مقدرات الوطن، ونحن نعتقد أنه يجب أن يكون هناك توازن بين سلطات رئيس الجمهورية والبرلمان، وهم يخططون فى هذه الحالة بتعيين قائد الإخوان رئيساً للوزراء ومعه صلاحيات مطلقة تفوق بكثير صلاحيات رئيس الجمهورية.


نحن بالطبع لا نريد دستوراً يعطى أى رئيس صلاحيات «مبارك» الجنونية، ولكننا أيضاً لا نريد رئيساً مغلول اليدين لا حول له ولا قوة وعليه فقط أن يستقبل السفراء ويفتتح المعارض. يجب أن يكون هناك رئيس له سلطات قوية ومتوازنة مع سلطات البرلمان ورئيس الوزراء وذلك لحماية مستقبل الديمقراطية.


الأمر الثانى أنهم يقولون إن الإخوان يريدون أن يضعوا فى الدستور مادة تمنع حل البرلمان بحكم المحكمة تحسباً لاحتمال أن تصدر المحكمة الدستورية العليا حكماً بحل البرلمان، وكما نعلم فإن النقطتين الأولى والثانية، إذا صح ما يقال، فهما تعنيان أن الإخوان يريدون إضافتهما لمصالح شخصية بحتة ليس لها علاقة بمستقبل مصر ومصلحتها، التى تقتضى أن يكون هناك توازن بين السلطات لتفادى ما حدث فى عهد «مبارك» حين كانت السلطة مركزة فى شخص واحد فقط وحدثت لنا الكوارث المعروفة.


 كما أنه يجب أن تظل سلطة القضاء بجميع أنواعه مستقلة تماماً بعيداً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأن ينفذ الجميع حكم المحكمة. يبقى بعد ذلك الأمر الثالث وهو أمر مهم لمستقبل هذا الوطن وهو الإبقاء على المادة الثانية من الدستور كما هى، وهو الأمر الذى أعتقد أن الإخوان موافقون عليه ولكن حزب النور السلفى يريد تغيير هذه المادة، وفى هذه الفترة يغازل الإخوان حزب النور والسلفيين لفترة محدودة لأنهم يريدون مساندتهم فى انتخاب رئيس جمهورية وبعد ذلك يتصرفون كما خططوا وينسون جميع الاتفاقات السابقة كما حدث ويحدث دائماً وأبداً. ولذا لا نعرف رأيهم فيما أكدوه سابقاً بالحفاظ على المادة الثانية والحريات الشخصية والعامة، وأن يحصل الأقباط على حقوق المواطنة الكاملة ويتم حماية الكنائس.


إن مستقبل مصر فى خطر شديد ومشروع النهضة الذى ينادى به الإخوان لن يتحقق أى شىء منه دون اشتراك المصريين جميعاً، وأى إقصاء لمجموعة أو أفراد سينتهى بصدام ومشاكل تستنفد جهودنا ووقتنا ولن تؤدى إلى نهضة. على جميع القوى الوطنية وعلى الإخوان وعلى السلفيين الاتفاق على أن الدستور القادم لابد أن يكون توافقياً، حينئذٍ تتوحد القوى لبناء مصر، ويد واحدة مهما كانت ضخمة وقوية ومنظمة لن تبنى شيئاً لأن مصرنا العظيمة الكبيرة والجميلة أكبر منا جميعاً.


قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق