اخر الاخبار

14‏/04‏/2012

كيف صنعوا دستورهم؟ .. تركيا .. العلمانية (٢) بقلم د.رفعت السعيد


وبما أننا فى زمان صناعة دستور جديد، نحتاج- إن كنا عقلاء- إلى التأمل فى صناعة دساتير دول أخرى خاضت نفس تجربتنا وعاشت نفس مناقشاتنا وأثمرت دستوراً لائقاً بها.


وتركيا ومنذ ثورة كمال أتاتورك ظلت تناقش علناً أو سراً عدة مشكلات منها دور المؤسسة العسكرية- مساحة الحريات وخاصة الحرية الدينية- والموضوع الأكثر إثارة للجدل وهو علمانية الدولة.


وعندما وصل حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية إلى السلطة جاهد طويلا لإدخال مواد عديدة على الدستور اشتملت على ٥٧ مادة أجهض البرلمان التركى مادة منها هى المادة ٨ والتى تتعلق بمدى سلطة المدعى العام فى طلب حل أى حزب من الأحزاب.



ورغم تمرير التعديلات التى طلبتها حكومة أردوجان فإنه أعلن أن الدستور، وخاصة الإصلاحات التى أجيزت لتجعل الدستور متسقا مع معايير الاتحاد الأوروبى، لم تحقق آمال الشعب تماما. وبرغم تكرار التعديلات (سبع مرات منذ ١٩٨٣ وحتى ٢٠٠٢) فإنها لم تستطع أن تمحو مخلفات الحكم العسكرى من النظام الدستورى التركى. وفيما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الأفراد فإن تعديل عام ٢٠٠١ «ينص على أن أية تعديلات دستورية يجب ألا تتعارض مع الدستور نصاً وروحاً ومع متطلبات النظام الديمقراطى للمجتمع والجمهورية العلمانية» م١٣.


أما المادة ١٤ فقد عدلت أيضاً إلى «لا يمارس أى من الحقوق والحريات المجسدة فى الدستور بهدف انتهاك وحدة الدولة أو يعرض للخطر وجود النظام الديمقراطى والعلمانى» أما المادة ١٥ فقد عدلت فى ٢٠٠٤ بحيث تنص على «لا يجوز إجبار أحد على الكشف عن ديانته أو ضميره أو فكره أو رأيه، ولا يجوز اتهامه بسبب أى من ذلك».


وفى المادة ٢٤ «لكل فرد الحق فى حرية الضمير والعقيدة والإيمان الدينيين.. ولا يجبر أحد على العبادة، ولا على المشاركة فى الطقوس والشعائر الدينية ولا على المجاهرة بمعتقداته وبما يؤمن به دينياً ولا يوجه له لوم أو اتهام بسبب معتقداته وما يؤمن به دينياً... ولا يسمح لأحد بأن يستغل أو يسىء استخدام الدين أو المشاعر الدينية أو الأشياء التى يعتبرها الدين مقدسة.. ولا يجوز إسناد نظام الدولة الأساسى الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والقانونى إلى ركائز دينية». وتنص المادة ٢٥ على أن «لكل فرد الحق فى حرية الفكر والرأى، ولا يجبر أحد على المجاهرة بأفكاره وآرائه لأى سبب أو غرض ولا يوجه لوم أو اتهام إلى أحد بسبب أفكاره وآرائه».


وبرغم استمرار حكم حكومة حزب العدالة والتنمية لعدة دورات متتالية فإنها قد اعتادت أن تحنى رأسها تماما أمام أتاتورك وأمام علمانية الدولة، فديباجة الدستور تبدأ «تماشياً مع مفهوم القومية والإصلاحات والمبادئ التى أدخلها أتاتورك، مؤسس جمهورية تركيا، وقائدها الخالد وبطلها الذى لا ينازعه أحد، يجسد هذا الدستور الذى يؤكد وجود الأمة التركية ووطن الأسلاف التركى» وفى فقرة أخرى من الديباجة، وهذا الدستور الذى يجب تبنيه بالأفكار والمعتقدات والقراءات التى يجسدها ينبغى تفسيره وتنفيذه وفقاً لذلك، مما يحقق الاحترام له نصاً وروحاً، ويحقق الولاء المطلق له. وإذ نأتى إلى م ٢ نقرأ «جمهورية تركيا هى دولة ديمقراطية علمانية اجتماعية تحكمها سيادة القانون» وثمة نص فى المبادئ العامة للدستور م٤- لا يعدل ولا يقترح تعديل حكم المادة الأولى والذى ينص على أن شكل الدولة هو جمهورية، ولا أحكام المادة الثانية «تركيا دولة ديمقراطية علمانية اجتماعية».


وفى المبادئ العامة أيضاً «م١٠» التى عدلت عام ٢٠٠٤ «جميع الأفراد متساوون دون أى تمييز أمام القانون بصرف النظر عن اللغة والعرق واللون والجنس والرأى السياسى والعقيدة الفلسفية والديانة والطائفية أو أى اعتبارات من هذا القبيل».


وإذ نعود إلى الحقوق والحريات العامة نقرأ «م ٢٧»- لكل فرد الحق فى أن يدرس وأن يقوم بتدريس العلوم والفنون وأن يشرحها وينشرها وأن يجرى أبحاثا فى هذه الميادين ولا يمارس حق النشر لغرض تغيير أحكام المواد ١ «الجمهورية» ٢ والعلمانية.


أما تأسيس الأحزاب فينص الدستور «للمواطنين الحق فى تكوين أحزاب سياسية دون الحصول على تصريح مسبق.. ولا تكون لوائح الأحزاب السياسية وأنشطتها متعارضة مع استقلال الدولة أو حقوق الإنسان ولا مع مبادئ الجمهورية الديمقراطية العلمانية» م ٦٨.


وفى ختام النص الدستورى نقرأ تحت عنوان الحفاظ على القوانين الإصلاحية م ١٧٤ «لا يؤول أو يفسر أى حكم من أحكام هذا الدستور على أنه يلغى دستورية القوانين الإصلاحية المبينة أدناه والتى ترمى إلى الارتقاء بالمجتمع التركى إلى مستوى الحضارة المعاصرة وإلى صون طابع الجمهورية العلمانى» ثم تحدد المادة ثمانية قوانين لا يجوز تأويلها أو تفسيرها أو إلغاؤها ومنها: «قانون توحيد النظام التعليمى- قانون إغلاق معابد ومقابر الدراويش- وقانون مبدأ الزواج المدنى الذى يعقد الزواج فى حضور المسؤول المختص.. والقانون الخاص بشأن اعتماد الأبجدية التركية واستخدامها والقانون الخاص بشأن إلغاء الألقاب».


ويبقى ونحن نتأمل مواد وأحكام هذا الدستور أن ننظر إليه فى إطار الهدف الذى نصت عليه م ١٧٤ وهو «الارتقاء بالمجتمع التركى إلى مستوى الحضارة المعاصرة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق