اخر الاخبار

27‏/04‏/2012

حكاية «شفيق» ولجنة الانتخابات بقلم د.حسن نافعة


يبدو أن مصر ستظل تحبس أنفاسها وتتوقع فى كل لحظة مفاجأة سياسية جديدة تزيد من اهتزاز صورة المشهد السياسى الماثل أمامها، وتجعل المستقبل يبدو محاطاً بالكثير من الغموض والأسرار. ولم تكن حكاية أحمد شفيق مع لجنة الانتخابات الرئاسية سوى مشهد واحد مثير من مسرحية سياسية تبدو عبثية إلى حد كبير. فبعد أن قبلت اللجنة أوراق أحمد شفيق واعتبرته مستوفياً شروط الترشح، عادت واستبعدته عقب صدور قانون للعزل السياسى شرعه مجلس الشعب على عجل، واضطر المجلس العسكرى للتصديق عليه عقب محاولة فاشلة من جانبه لإحالته إلى المحكمة الدستورية العليا. ولم تكد تمضى ساعات قليلة حتى عادت اللجنة وقررت إدراج أحمد شفيق مرة أخرى ضمن قائمة المرشحين بعد قيامه بالتظلم على قرار اللجنة وقبول اللجنة النظر فيه. وإن دل ذلك على شىء فإنما يدل على حالة من الارتباك والتخبط فى إدارة مرحلة انتقالية لم يعد أحد يعلم على وجه اليقين كيف ومتى
ستنتهى. ولأن ثغرات قانونية وسياسية عديدة تشوب إدارة المرحلة الانتقالية، فليس من المستبعد إطلاقا أن يشوب الانتخابات الرئاسية المقبلة عوار مماثل لعوار كان قد شاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة وبات يهدد مجلسى الشعب والشورى بالحل فى أى لحظة.


والواقع أنه لن يكون بمقدورنا فهم حقيقة ما يجرى على ساحة السياسة المصرية فى هذه الأيام إلا إذا استطعنا وضع حد فاصل بين ما نتطلع إليه وما هو ضرورى لصحة القرارات المطلوبة. فحماية الثورة من فلول الحزب الوطنى، وهو مطلب مشروع تماما، كانت تقتضى قيام المجلس العسكرى منذ البداية بتفعيل قانون الغدر بطريقة تقطع الطريق أمام احتمال ترشح أى من الفلول للمنصب الرئاسى. ولأن المجلس لم يكن راغباً فى ذلك، فقد اشترط صدور حكم قضائى مسبق لعزل من تسببوا فى إفساد الحياة السياسية. وكان ينبغى على مجلس الشعب أن ينتبه إلى وجود هذه الثغرة وأن يسعى لمعالجتها فور قيامه، لكنه تقاعس طويلا ولم يتحرك إلا بعد أن قرر عمر سليمان الترشح للرئاسة، فبدا تحركه حينئذ وكأنه يستهدف تفصيل قانون خاص على مقاس عمر سليمان، ومن ثم أصيب القانون الجديد بعوار كبير فور صدوره. لذا بدا هذا القانون كأنه كرة من اللهب يحاول كل طرف إبعادها عنه، وراح المجلس العسكرى يتقاذفها مع المحكمة الدستورية إلى أن استقرت أخيراً عند لجنة الانتخابات الرئاسية.


فقد تسرعت هذه اللجنة كثيراً وقامت بارتكاب خطأ قانونى فادح حين أقدمت على استبعاد أحمد شفيق من قائمة المرشحين فور إخطارها بتصديق المجلس العسكرى على قانون العزل ونشره فى الجريدة الرسمية. ولأن مركزه القانونى كمرشح رئاسى تنطبق عليه جميع الشروط الواردة بالإعلان الدستورى كان قد تحصن بالفعل، بدليل عدم استبعاده من قائمة المرشحين ضمن العشرة الآخرين الذين أعلنت اللجنة استبعادهم بالفعل فور انتهاء فترة تقديم الطعون، فقد استحال تطبيق الشروط الواردة بالقانون الجديد عليه. غير أن اللجنة ربطت على ما يبدو بين تحصين المراكز القانونية للمرشحين وإعلان القائمة النهائية، دون أن تفطن إلى حقيقة أن الإعلان عن هذه القائمة هو قرار كاشف وليس منشئاً، ولن يؤثر من ثم على المراكز القانونية لأى من المرشحين الذين كانت قد قبلت أوراقهم، وهو ما يفسر تراجعها بسرعة بمجرد قيام أحمد شفيق بالطعن على قرارها باستبعاده.


غير أن هذا التراجع أساء فى الوقت نفسه كثيراً إلى صورة اللجنة، وأثار الشكوك من جديد حول تأثرها باعتبارات سياسية، خصوصا أن طعن أحمد شفيق ركز على عدم دستورية القانون وليس عدم قابليته للانطباق عليه. وفى تقديرى أن تذبذب قرارات اللجنة معيب حتى ولو تعللت بأن قرارها الأول كان إدارياً أما قرارها الثانى فكان قضائياً!، فهذا تلاعب بالألفاظ غير مقبول لأن القرار الإدارى، خصوصا حين تتخذه لجنة على هذا المستوى، يتعين أن يتطابق مع صحيح القانون.


لقد أعلنت اللجنة قائمة نهائية تضم ثلاثة عشر مرشحا، من بينهم أحمد شفيق، وقامت فى الوقت نفسه بإحالة قانون العزل إلى المحكمة الدستورية العليا. والآن لنفرض أن أحمد شفيق فاز فى الانتخابات وأصبح رئيساً للجمهورية، ثم حكمت المحكمة الدستورية العليا بعد ذلك بصحة قانون العزل السياسى. دستورية قانون العزل تعنى أن أحمد شفيق أصبح محروماً من مباشرة حقوقه السياسية وكان يجب أن يُحرم من الترشح، وسوف يتعين بالتالى إجراء انتخابات رئاسية جديدة. أظن أن اعتبارات المواءمة السياسية تقتضى أن تصدر المحكمة الدستورية العليا حكمها قبل الانتخابات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق