اخر الاخبار

09‏/04‏/2012

حالة غباء سياسـى بقلم سلامة احمد سلامة


لم يعد أمام المصريين بعد أن أغلقت الدائرة، وعدنا إلى نقطة الصفر التى بدأنا منها حين قامت الثورة فى فبراير قبل الماضى، إلا أن يجدوا أنفسهم أمام نفس الشخص الذى أعلن سقوط النظام. ووقف أمام الشعب المصرى على شاشات التليفزيون قبل عام واحد، يعلن نهاية العهد الذى خدم فيه والذى أودى بسيده إلى السجن، يطرح نفسه كرئيس جديد لعهد جديد.. وهنا تبدو المهزلة.. فالذين بالأمس هتفوا بسقوطه راحوا اليوم يوجهون إليه النداء ليرشح نفسه لمنصب الرياسة. وصدق الرجل الذى ظل طوال حياته يستهين بالشعب ويهزأ من قدراته، بأن هناك من يدعوه لتحمل المسئولية «جنديا فى الخدمة لا يعصى الأوامر» بعد أن تمنع لبعض الوقت. ولم يعرف أحد هل هو غباء فطرى أم غباء مكتسب؟!

 ولا يمكن القول إلا بأن ظاهرة الغباء السياسى باتت متفشية بدرجة مخيفة على مستويات مختلفة فى مصر وإزاء عدد من الخيارات السياسية المطروحة فى قائمة المرشحين.. شاركت فيه عقلية القطيع وحشود من العامة والدهماء التى لا تريد أن تصدق أن مرشحهم المبجل افتقد شروط الترشيح لأن أحد أفراد أسرته ووالدته على وجه التحديد اكتسبت الجنسية الأمريكية قبل عدة سنوات. وهم يعتقدون عن جهل أو عن عمد أنها مؤامرة من وزارة الداخلية وأن مرشحهم المحبوب ضحية عملية ملفقة. وسوف يرفع الله الكرب عنهم وتنكشف الغمة. أما الرجل نفسه فهو يلتزم الصمت ولا يريد أن يعترف بأصوله الأمريكية. فهو مرشح للرياسة سواء برضا القانون أم غصبا عنه. فماذا سيفعله الشيخ بعد أن أثبتت الوثائق أن أمه أمريكية؟ وهل يلجأ إلى القضاء الإدارى لإعادة النظر فى القانون؟!

ويكفى أن نرى الحشود والمظاهرات التى لم تكف ليل نهار عن الدعوة والدعاء للشيخ أبوإسماعيل، لنرى كيف يسهل تأجيج المشاعر إلى الدرجة التى تذهب العقل وتمنع التفكير المنطقى.

هنا لا تختلف طريقة التفكير التى دفعت بمرشح من فلول العهد البائد لكى يخوض معركة ليست فى مكانها أو زمانها الطبيعيين، عن أسلوب التفكير الذى يتجاوب مع سكان العشوائيات، ويعتمد على ما تصنعه الموعظة الحسنة من تأثير فى نفوس البسطاء.. تمتزج فيها الدعوات الدينية بالأهداف السياسية والإيمان بأن الدعاء إلى الله والامتثال لأوامره كفيل بحل مشكلات المجتمع، وإطعام الجائع، والبائس والفقير، وتعليم الجاهل، وتكريم المرأة دون النزول إلى أرض الواقع والتعامل مع العالم المحيط بكل تعقيداته وملابساته.

على مستوى الأمر الواقع، حيث نجحت القوى الإسلامية ممثلة فى حزب الحرية والعدالة وحزب النور فى اكتساح أغلبية برلمانية، مكنتهم من تولى المراكز الرئيسية فى مجلسى الشعب والشورى، لم تنجح الأغلبية الإسلامية فى تحقيق اجماع توافقى مع الأقلية الليبرالية على عدد من الموضوعات الرئيسية التى تحدد مصير المسيرة الديمقراطية. واصطدمت بالقوى الليبرالية المدنية فى وضع الدستور وتشكيل اللجنة التأسيسية. وحيث كان يجب أن يقود التيار الإسلامى الحراك السياسى فى اتجاه الحلول الوسط، لتتم عملية انتقال السلطة.. تمسكت الأغلبية البرلمانية من الإخوان والنور بمواقفها، ونكصت عن وعودها بعدم الهيمنة على أغلبية المقاعد، وعن الانفراد بكتابة الدستور.. ثم اتضح أن مرشحها للرياسة الذى دفعت به على عجل أول الأمر ليس هو الرجل المناسب، فدفعت بمرشح رياسى آخر هو الدكتور محمد مرسى رئيس حزب العدالة والحرية.

ولا يعد هذا نوعا من البراعة والدهاء السياسى، بقدر ما يعتبر إفراطا فى الغباء والجمود السياسى. يسحب كثيرا من رصيد التأييد الذى حظى به التيار الإسلامى، ويكشف عن التخبط الذى وقعت فيه القوى الإسلامية، إن لم يكن على المدى القصير فعلى المدى الطويل. وهو ما نجحت تونس فى تجنبه. فالمسألة لا تقتصر على وضع دستور إسلامى والوصول إلى الحكم بقدر السعى إلى تجنب وقوع استقطاب بين القوى السياسية يدمر فرص التقدم نحو التغيير السلمى.

ما يحدث الآن هو أن البلاد تسير نحو حالة من الاستقطاب الحاد بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، بين السلفيين والليبراليين بين الفلول وأنصار الثورة أو ما بقى منها، بين سكان العشوائيات وسكان المدن، وبين العسكريين والمدنيين، وأخشى ما نخشاه أن تتحول معركة الانتخابات الرياسية التى ازدحمت بالمرشحين من جميع الاتجاهات، إلى ميدان لصراعات دامية. ولا ينبغى أن نستهين بنزول رئيس المخابرات السابق، فالملفات التى بين يديه قد يسهل التلاعب بها. ولن تكون الأوضاع بالسهولة التى يتصورها الكثيرون! إذا كان المجلس العسكرى هو الذى دفع به لمنافسة الإخوان وصد الزحف الإسلامى إلى السلطة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق