اخر الاخبار

30‏/09‏/2011

لندخل الانتخابات.. وننتظر بقلم محمد البرغوثى

حدث ما هو متوقع: أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها لن تشارك فى مظاهرات «جمعة استرداد الثورة»، وأن الجماعة ومعها بعض التيارات السلفية ستدخل الانتخابات التشريعية تحت أى ظرف، وإذا أضفنا إلى هذه الكتلة الضخمة بعض الأحزاب الليبرالية التى فقدت قيمتها قبل الثورة وبعدها مثل حزب الوفد، يصبح الأمر واضحا تماما، والنتيجة حتمية: الانتخابات ستجرى فى الموعد الذى حدده المجلس العسكرى منفرداً، وبالطريقة التى اختارها منفرداً أيضاً.
والسؤال الآن: هل من الحكمة أن تظل معظم الأحزاب والقوى الجديدة متمسكة برفضها التام لإجراء الانتخابات بنظامى القائمة والفردى؟ وهل الحالة الاقتصادية والاجتماعية مناسبة لمواصلة الرفض حتى نحقق كل ما نريده؟ الجميع يتحدثون فيما بينهم عن أن الإخوان والتيارات الدينية الأخرى سيكتسحون الانتخابات، لأنهم أولاً قوة منظمة منذ عقود، وثانياً يملكون الأموال، وثالثاً يستخدمون الشعارات الدينية فى الانتخابات، وهى شعارات تلعب دوراً خطيراً فى تزييف وعى الناخبين والإيحاء للملايين من الأميين ومحدودى التعليم بأن الانتخابات ليست أكثر من اختيار بين أتباع الله، وأتباع الشيطان!.
النتيجة إذن محسومة سلفاً، فلماذا تدخل الأحزاب الجديدة هذا الاختبار الصعب؟ ولماذا لا تظل تتظاهر فى الميادين وتصرخ فى الفضائيات حتى ترغم المجلس العسكرى على تغيير قانون الانتخابات، وحتى تنضج القوى الجديدة وتأخذ فرصتها فى تنظيم صفوفها والوصول إلى الناخبين، لتعبر نتائج الانتخابات - إذا جرت - عن كل الأطياف الثورية والسياسية التى يعود إليها الفضل فى إنضاج الثورة؟!

والحقيقة أنها أسئلة منطقية ومخاوف مشروعة، ولكنها فى النهاية لن تصمد طويلاً فى المعترك السياسى الذى سيبدأ يوم ١٢ أكتوبر المقبل.. فقد تكفلت الانتهازية السياسية بتفتيت الموقف الجمعى الذى كان بإمكانه أن يرغم المجلس العسكرى على وضع قواعد أكثر عدالة للانتخابات، وأدى انسحاب «الوفد» من مواقعه الليبرالية ولحاقه بمؤخرة القوى الدينية إلى إرباك المشهد السياسى كله، تماما مثلما حدث فى انتخابات ٢٠١٠ التى سارع فيها «الوفد» إلى عقد صفقة لئيمة مع الحزب الوطنى، كانت سبباً فى إضعاف موقف الأحزاب التى قررت المقاطعة..

ولكنها كانت أيضاً من أهم أسباب قيام الثورة. والمنطقى إذن - فى ظل هذا الوضع المربك - أن تتخلى كل القوى السياسية والثورية الجديدة عن خوفها، وأن تدخل معترك الانتخابات منذ اللحظة الأولى، وأن تسلم بالنتائج مهما كانت، فالثورات لا تحقق كل حصادها المأمول دفعة واحدة، وخبرة التاريخ تؤكد للجميع أن الإصرار على تحقيق كل شىء فى فترة زمنية وجيزة ينتهى عادة إلى انقلاب على الثورة، يختطفها ويختطف معها الوطن إلى المسار ذاته الذى كان سبباً فى انفجار الثورة.

لا ضرر إذن فى أن تجرى الانتخابات فى موعدها وبالشروط التى فرضها المجلس العسكرى، ولا ضرر أبداً فى أن تكتسح التيارات الدينية الانتخابات.. فلم يعد هناك مواطن واحد يكفيه الشعار الدينى لانتظار الإصلاح الحقيقى على صعيد لقمة العيش والوظيفة والمسكن الملائم والعلاج المناسب.

لا أحد سيسكت على الإخوان إذا وصلوا للسلطة ولم يبدأوا على الفور فى إحداث نهضة اقتصادية واجتماعية وعلمية، ولا أحد سيطيق أن يتحول برلمان الثورة إلى ساحة مواعظ دينية، يتبارى تحت قبته السلفيون والإخوان فى فنون الخطابة. الاقتصاد سيكون حاكماً وحاسماً.. فإذا كان لدى التيارات الدينية مشروع لنهضة الوطن فهنيئاً لهم ولنا، وإذا لم يكن لديهم غير الوعظ الأخلاقى والمادة الثانية من الدستور وحف الشارب وإطلاق اللحى و«تحجيب» السائحات.. فهذه هى نهايتهم.. فلندخل الانتخابات تحت أى ظرف وننتظر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق