اخر الاخبار

21‏/09‏/2011

ونحن؟ أين نحن؟ قلم: أحمد عبد المعطي حجازي

أظن أننا علي وعي كاف بأننا نمارس في هذه الأيام نشاطا وطنيا لم نمارسه منذ أكثر من نصف قرن‏,‏
أحمد عبد المعطي حجازي 

وهو التفكير فيما نحن فيه الآن, وفيما كنا عليه, وفيما يمكن أو يجب أن نصير إليه, طبيعة الدولة, ومبادئ الدستور, وحقوق الأمة, وموقف الجيش مما حدث ومما يمكن أن يحدث, وعلاقة الدين بالسياسة, وقانون الانتخاب...
فضلا عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كشفت لنا الثورة عما أصابها من أمراض خطيرة تثير القلق وتطرح ما لابد أن نفكر فيه ونراجعه ونناقشه ونبحث له عن اجابات نظرية وعملية, مدركين أن كلمتنا الآن لها ثمنها الغالي الذي يجب أن نحسبه ونتوقعه, وأن نبوءات الحاضر واحتمالاته المأمولة أو المخيبة للآمال ستصبح واقعا غدا, فعلينا أن ننظر فيها بجد ومسئولية, ونعرف

لأقدامنا قبل الخطو موضعها, لنختار ما يؤكد حريتنا, ويصون كرامتنا, ويهيئ لنا أسباب الشعور بالأمن والثقة والاستقرار, ويساعدنا علي إنقاذ النهضة التي تعرضت للاغتيال, والتوقف عن التراجع, واستئناف التقدم والوصول الي ما نرجوه لأنفسنا ولأجيالنا القادمة.
فإذا كان حقا أننا علي هذا الوعي بخطورة الأسئلة التي تواجهنا ونسعي للإجابة عليها, فلابد أن نكون علي وعي بأننا في هذه المواجهة الحتمية لسنا في كامل أهبتنا, وأن أدواتنا في النظر والتفكير والاختيار والعمل لم تكتمل بعد, وأننا نندفع أحيانا دون تبصر, وقد نتردد في الإجابة ونرتبك ونتلعثم, وهذا أمر طبيعي بعدما يزيد علي خمسين عاما كنا فيها ممنوعين من الحضور, محرومين من القول والفعل ومن المشاركة والمواجهة.
لم يكن مسموحا لنا في الخمسينيات والستينيات إلا بالهتاف لزعيمنا الخالد, حتي عندما قادنا زعيمنا الخالد الي حرب لم نستعد لخوضها وهزيمة ساحقة فقدنا فيها كل شيء, اعتبرنا بقاءه في السلطة انتصارا يعوضنا عن كل ما فقدناه!
وفي السبعينيات شغلتنا السلطة بالحرب التي أعلنتها علي أعوان الزعيم الذي رحل, وبالمسارح السياسية التي سمتها منابر ووزعت عروضها علي من عينتهم يمينا ويسارا, وحكومة ومعارضة!
حتي نصل الي العقود الثلاثة الأخيرة التي لم نجن فيها إلا الشوك, ولم نذق إلا الحنظل الذي زرع لنا في الثلاثة التي سبقتها.
لقد أفقدتنا هزيمة يونيو ثقتنا في أي مشروع عصري للحاق بالمتقدمين, فلم يبق أمام الكثيرين المحبطين إلا الماضي الذي اكتشفوا أنه لايزال حيا في بلاد مجاورة جعلها حكامها محميات طبيعية للقرون الوسطي برجالها ونسائها, وأفكارها وأزيائها, ونظمها السياسة وتقاليدها الاجتماعية, وقد شاءت إرادة العلي القدير أن تغتني هذه البلاد بعد فقر فتصبح في نظر المصريين الذين أنهكتهم تجاربهم الأليمة ومعاركهم الخاسرة جنة مشتهاة وحلما يخايلهم ويناديهم في نومهم وصحوهم, ويغريهم بالتبرؤ من تاريخهم وثقافتهم ومن ثقافة العصر كله والارتماء في أحضان الماضي والجهاد في سبيل احيائه, وهكذا أصبحت مصر ساحة للصراع بين جماعات الإسلام السياسي الساعية لاغتصاب السلطة وبين النظام البوليسي الذي استغل نشاط هذه الجماعات ليشدد من قبضته, ويطلق العنان لأعوانه وخدمه الفاسدين المرتشين, ويحكمنا بقانون الطوارئ ثلاثين عاما كانت صراعا متصلا بينه وبين الجماعات الدينية تبادل فيه الطرفان مواقعهما.
النظام يتمسح في الإسلام, يحيي الموالد, ويطلق العنان في المدارس والجامعات, والصحف والإذاعات, والمساجد والمحاكم لمن يمتثلون لتعليماته ويطبقون سياساته فيحاربون العقل ويتاجرون بالخرافة والشعوذة, ويعلمون الصغار والكبار العنف والتطرف, ويكفرون الكتاب والشعراء والمفكرين والفنانين ويحرضون علي اغتيالهم, والجماعات الإسلامية تعين نفسها حكومة ظل, وتصبح دولة داخل الدولة توظف الأموال, وتنشئ الزوايا والمدارس والمستشفيات, وتستولي علي النقابات, وتتحالف مع حزب سعد زغلول والنحاس, وتحصل علي ربع المقاعد في مجلس الشعب, وتقتل السياح, وتؤجج نيران الفتنة الطائفية.. ونحن؟ أين نحن؟ نحن كنا دائما واقفين خارج بلادنا, أو خارج ما يدور فيها, نكتفي بالفرجة, حتي قامت الثورة التي خلصتنا من رأس النظام, لكنها فتحت المجال واسعا لخصومه الرسميين الذين استطاعوا وحدهم أن يواصلوا وجودهم في ظله, ويمارسوا بمعرفته السافرة والمضمرة نشاطهم السري والعلني محصنين بالشعارات الدينية التي حلت خلال العقود الأربعة الماضية محل الآمال التي خابت, والوعود السياسية التي لم تصدق, ثم ماذا؟
ثم إننا نعود الآن للنشاط السياسي بعد أكثر من نصف قرن من الاعتقال الجماعي لنواجه النظام الذي لم يسقط بعد, وإن سقط رئيسه وحكومته, ونواجه معه خصومه الذين كانوا له طوال العقود الستة الماضية, اخوة أعداء يتحالفون معه حينا, ويخاصمونه أحيانا, لكنهم يتحينون الفرصة دائما للحلول محله, حتي اذا قامت الثورة وجدوها فرصة تمكنهم من الوثوب باعتبارهم الورثة الشرعيين لنظام اتفقوا معه في الكثير, فالسلطة عندهم كما هي عنده انفراد واستبداد, والشعب رعية تسمع وتطيع.. والحقيقة ليس لها إلا وجه واحد هو ما يراه الحاكم الطاغية الذي يحكم بأمر نفسه أو بأمر الله, وهما وجهان لرجل واحد, الحكام بأمر أنفسهم يجعلون أنفسهم آلهة, والحكام بأمر الله يجعلون أنفسهم متحدثين باسم الله أو وسطاء بينه وبيننا, ونحن لانزال في مواجهة هؤلاء وهؤلاء, جماعات طارئة علي الساحة لا يجمع بيننا فكر أو تنظيم أو برنامج, وهي حال يستطيع مدعو الألوهية أن يستغلوها ليجهضوا الثورة أو يدعوها لأنفسهم, وهل يعييهم ادعاء الثورية وهم يدعون الألوهية؟!
نعم, يجب أن نعترف بأننا نواجه أخطارا جمة وأسئلة كبري معقدة نقف أمامها مرتبكين مفتقرين للمعرفة والخبرة, فلابد من الحذر, ولابد من استكمال العدة, ولابد من التحلي بالنفس الطويل والصبر الجميل.
مثلا, ما هو موقفنا من النظام الذي أسقطت الثورة رئيسه, هل نظل معتقلين فيه, أم آن الأوان قد آن لنخرج منه الي الحرية والمسئولية؟
بعضنا ينسب هذا النظام لحسني مبارك ويظن أنه سقط بسقوط صاحبه, وهذا وهم, فلم يكن حسني مبارك إلا وريثا للسادات, ولم يكن السادات إلا وريثا لعبدالناصر في نظام واحد فرضه علينا ضباط يوليو الذين انتزعوا السيادة من الأمة, ولفقوا الدساتير, وزيفوا الانتخابات, وحكمونا بالسجون والمعتقلات وأجهزة الأمن وأجهزة الدعاية والكذب, حتي قامت الثورة لتسقط حسني مبارك وتطرح علينا السؤال: لمن السيادة اليوم ؟ للأمة أم لضباط الانقلاب؟
وكما تطرح علينا الثورة سؤال السيادة تطرح علينا سؤال الهوية التي يخلط البعض بينها وبين الإسلام كما رأينا في بعض المظاهرات, ولاشك أن الإسلام, والدين عامة, عنصر جوهري من عناصر الهوية المصرية التي شكلتها الطبيعة والإنسان والجغرافيا والتاريخ الذي بدأ في مصر قبل أن يبدأ في أي بلد آخر وأنتج حضارة تأثرت بها كل الحضارات وكل الديانات, فمن واجبنا أن نعود الي تاريخنا لنعرف هويتنا, وإلا فالخلط بين الهوية والدين تضليل وانكار لحقائق التاريخ, وإفقار للشخصية القومية, وتمزيق لوحدتها, وخروج من حضارة العصر وثقافته.والحقيقة أن غالبية المصريين لا يعرفون من تاريخهم القديم إلا ما يتلقونه من أفواه بعض رجال الدين الذين لا يعرفون بدورهم من هذا التاريخ إلا ما يتصل ببعض القصص الدينية, ومن هنا يختزلون تاريخ مصر وحضارتها العريقة في قصة موسي وفرعون, ويوسف وامرأة العزيز!
فإذا كان هذا هو مبلغ علمنا بماضينا فهل نعرف حاضرنا؟
الجواب هنا أيضا بالنفي, ففي التاسع من هذا الشهر مرت الذكري الثلاثون بعد المائة للمظاهرة العسكرية التي قادها أحمد عرابي الي ميدان عابدين لمطالبة الخديو توفيق بالديموقراطية. وقد مرت حتي الآن عشرة أيام وأكثر دون أن نتذكر هذه الواقعة الفاصلة في تاريخنا الحديث, لا نحن ولا السلطة التي ينتظر بحكم انتسابها للثورة أن تحتفل بثورة عرابي, فإذا كنا لا نعرف تاريخنا في الماضي ولا تاريخنا في الحاضر فكيف نجيب عن الأسئلة المطروحة علينا في هذه الأيام وهي تنبع كلها من ماضينا وحاضرنا. وتنتظر الجواب الذي سيفتح لنا أبواب المستقبل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق