اخر الاخبار

21‏/09‏/2011

عاصفة حديث هيكل .. تساؤلات مشروعة في قضايا ملتهبة بقلم مصطفي بكري

بين الحين والآخر، يطل علينا الأستاذ، كلماته واضحة ومحددة إنها برنامج عمل، ترسم ملامح الطريق، تقرأ خريطة الواقع، تحلله، وتقدم روشتة العلاج . وفي واحد من أخطر الأحاديث - تنشره ' الأهرام ' علي ثلاث حلقات - بدت الحلقة الأولي وكأنها قطعة بديعة من الأدب السياسي، غير  أنها كانت أكثر صراحة ووضوحًا في تشريحها للواقع، فوضعت النقاط علي الحروف فيما يتعلق بالأزمة الراهنة والعوامل المؤثرة فيها .لقد تحدث الأستاذ عن القوي الأساسية الثلاث التي صنعت الثورة :
> شعب كان يتململ ضيقًا بأحواله، وبما يري حوله من آثام ومظالم ويبحث عن خلاص، غير أن أزمته تجسدت في حيرة ظل يعايشها حتي تعايش معها .. كيف يتحرك .. وبمن؟ !


> وكانت هناك أيضًا طلائع متقدمة تحرك بما لم يتحوط له، وسط مناخ أطبق عليه الظلم والظلام، فإذا هو يكسر الحواجز ويعبر أرقي التعبير عن ارادته .
> وكانت أيضًا ' القوة ' التي يحسب حسابها، إنها القوات المسلحة التي انحازت إلي خيارات الشعب مدركة أن الشرعية هي إرادة الشعب الحرة، وأن السلطة الحاكمة ـ كما قال الأستاذ في مقال تاريخي مهم نشر في ' المصري اليوم ' في ٣ فبراير الماضي ـ لم تعد تعبر عنها، لأن صاحبها الأصلي وهو الشعب سحبها من هذه السلطة .. وبما أن القوات المسلحة هي سند الشرعية وأداتها، فإن القوات المسلحة حددت موقفها، متوافقًا مع مصدر الشرعية وإرادته . كانت تلك القوي الثلاث - صانعة الثورة ـ هي محور الحلقة الأولي في الحوار المطول للأستاذ هيكل إلي أسرة تحرير الأهرام ' شعب في حالة ثورة ـ شباب في حالة جسارة ـ ثم قوات مسلحة في حالة اختبار، نجحت فيه عندما تبنت موضع الشرعية، واختارت وحسمت '!!
ولأن الأستاذ يدرك أن حدود الانتصار لا تقف عند لحظة التغيير الأخيرة من حال إلي حال أو من نظام إلي آخر، كانت طبيعيًا أن يتطرق إلي منافع النجاح وأوهامه ..
كان الأستاذ يدرك كما يقول إن نشوة النجاح مثلها مثل نشوة النصر، بل أي نشوة أخري تغري بالانسياق مع الأوهام، أكثر مما تدعو إلي النظر والتمعن في الحقائق .
وإذا كان هيكل يدرك أن قضية النصر وما يرافقها والأوهام ليست مقصورة فقط علي الثورة المصرية، وإنما مرت بها ثورات أخري عديدة مثل الثورات الانجليزية والأمريكية والفرنسية والشيوعية في روسيا والصين فإنه يتوقف ويطلق رؤيته بشكل حاسم بأن هذه الثورات احتفظت بالقيم الجوهرية للثورة وحافظت عليها .
هنا ثمة سؤال يطرح نفسه، وقد طرحه الأستاذ : لماذا لم يكن ذلك هو حال وشأن الثورة المصرية التي قال عنها العالم وقال عنها الأستاذ نفسه إنها إبداع فريد، وتجربة تحتذي؟ !
لقد تناول الأستاذ في اجابته عن هذا السؤال بعضا من حقائق الواقع، انه لا يتجني علي الثورة، ولا يغرق نفسه في الأوهام، لكنه يقرأ وبعمق خطورة ' الأوهام ' المحيطة بالثورة المصرية، محددًا في ذلك سببين مهمين :
وأولهما : أن هذه الثورة لم تكن انتقالاً من دولة احتلال إلي سيادة بلد مستقل .
وثانيهما : أن هذه الثورة لم تقع من نظام انحرف بمقاصده وأساليبه إلي نظام آخر أكثر اصلاحًا، وفي هذه النقطة يتناول الأستاذ طبيعة النظام الذي حكم مصر علي مدي ثلاثين عامًا، فهو نظام أقرب إلي ' ميراث عائلة ' حكمت البلاد بمشاركة الأقارب والأصدقاء والمنتفعين، حتي وصلوا بالدولة إلي مجرد جماعات مصالح تباشر السلطة اعتمادًا علي قوة وقهر الأمن .
إذن كان طبيعيًا ـ كما يقول هيكل ـ أن إزاحة رأس النظام وقمته لا تعني أن الثورة قد تخلصت منه نهائيًا، بل الصحيح والواقع يقول إن رأس السلطة ترك من خلفه أطلالا تتهاوي، وأرضًا خلاء، وخرابًا اقتصاديًا بدأنا ندرك حقائقه رغم الأوهام التي عشنا فيها علي مدي سنوات طوال .
لقد وضح من خلال هذا الحديث، ان الأستاذ ركز وبقوة علي الأوهام وغوايتها، هذه الأوهام التي تحكمت في مسارات عديدة، واثارت احباطات متعددة، وتكاد تهدد مسيرة الثورة من الأساس ..
> إن أول هذه الأوهام، ان الشعب الذي صنع الثورة بحشوده وملايينه، قدر أن الثورة قد نجحت وتحققت، وأن موعد توزيع أرباحها قد حل، وأن له نصيباً في الثروة وفي النجاح كبيراً، غير أن الشارع فوجئ بأن عليه أن ينتظر طويلاً .
> وثاني هذه الأوهام، ان الشباب الذي فجر الزناد الثوري بجسارة واقتدار وقع في تصوره أنه هو الذي صنع الثورة ـ وليس كتل الملايين ـ وأن من حقه الآن أن تكون كلمته هي الأعلي، وأن يكون هو صانع القرار، وهو أمر بالتأكيد أراد الأستاذ هيكل أن يقول فيه كلمته وأن يطرح هذه القضية باعتبارها واحدة من القضايا الشائكة التي أضحت مثار جدل وحوار، هو بنفسه تحدث عنها في وقت سابق، عندما قال إن من صنعوا الثورة ليسوا هم من يحكمون .
وأظن أن الأستاذ كان يقصد هنا، الشعب بأسره وليس فقط مجموعات الشباب التي فجرت الزناد الثوري .
> وعن الوهم الثالث تحدث هيكل عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة، والذي آلت إليه أمانة الشرعية بمقتضي الإرادة الشعبية .. هنا يتحدث الأستاذ بصراحة عن هذا التناقض الكبير في اطار فهم المجلس الأعلي لدوره كسلطة دولة، حتي إن كانت سلطة انتقالية هدفها التمهيد لما هو قادم، وبين التصرف خارج حدود معينة، لأن مسئولية القرارات الكبري ليست عنده .
وهنا يبدو أن الأستاذ هيكل قرر أن يفتح ' الجرح ' وأن يسعي إلي توضيح المسكوت عنه، فالمجلس الأعلي سلطة اكتسبت شرعيتها من الثورة ومن الإرادة الجماهيرية، لكنها تمارس دورها وكأنها منقوصة السيادة، وربما تخجل في كثير من الأحيان من ممارسة الدور المعهود إليها والمحدد بقتضي التعديلات الدستورية الأخيرة .. وكل ذلك من شأنه أن يضعف من قدرة هذه السلطة علي ممارسة دورها الحاسم والشرعي .
أما قضية التردد في إصدار القرارات الكبري التي اثارها الأستاذ هيكل، فهي واضحة للعيان، فالمجلس الأعلي ما بين حيازته لسلطة فعلية وتردده في إصدار قراراته انتظارًا لسلطة مدنية بدا الأمر علي السطح وكأن كل شيء معطل إلي انتهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية .
وربما انطلاقًا من هذا الواقع، وادراك حجم المسئولية والوفاء بالوعد الذي قطعه المجلس الأعلي علي نفسه، هناك ثمة اصرار علي إجراء الانتخابات في موعدها، وبعد الحديث عن قانون صدر من مجلس الوزراء، ووجه بمعارضة شديدة، بدأت أمس الأحد أعمال مؤتمر الأحزاب والقوي السياسية بدعوة من المجلس الأعلي للاتفاق علي مشروع قانون مقبول ينهي هذه الأزمة، ويفتح الباب أمام إجراء الانتخابات في موعدها .
وإذا كان الأستاذ هيكل يخلق عذرًا للأطراف الثلاثة علي اعتبار أنهم فوجئوا بما لم يكن، سواء اندلاع الثورة أو الواقع المتردي الذي تكشف معها، مما دفع الكثيرين، لتوظيف غير الممكن في طلب غير الموجود، فإن هذا العذر لا يمكن أن يظل مستمرًا لأكثر من سبعة أشهر منذ اندلاع الثورة .
وإذا كان الأستاذ هيكل يري أن طبائع الأحوال في هذه الظروف صنعت شكوكًا بين الأطراف لم يتصد لها أحد بحوار متكافئ عميق ومستنير .. فالحقائق تقول إن النخبة المصرية راحت تفتش في العقول وتغرق في الماضي أكثر من رؤيتها لقضايا الحاضر والمستقبل حتي باتت كأنها أمام ' مكارثية ' جديدة، أصبحت هي العنوان الأهم في مواجهة بقية العناوين المهمة والملحة ثوريًا وجماهيريًا .
> لقد أشار هيكل في حواره إلي أن التناقض الذي بدا واضحًا بين الأطراف الثلاثة كان سببًا أساسيًا في هذا الاحباط الذي بدأ يزحف إلي النفوس .
> فهناك أولاً ثمة شعور شعبي جارف بأن المطالب الجماهيرية لا تلقي العناية الكافية وأن الملايين التي خرجت وصنعت الثورة فعلاً بدأت تري أن العمل السياسي الذي يجري في العاصمة هو مجرد ' سباق قوة ' مشغول بما هو فيه دون التفات إلي موجبات دخول الجماهير الواسعة إلي الساحة، وبما أدي إلي سقوط السلطة القديمة وقيام سلطة جديدة، مما اصاب هذه الجماهير بحالة من ضيق الصدر ونفاد الصبر .
> وهناك قضية الشباب مفجري الزناد الثوري وهؤلاء دبت الفرقة بين صفوفهم، وراح بعضهم يتصور أن هناك انكارًا لدوره، وتجاهلاً لقوته ..
وهنا يطرح الأستاذ سؤالاً مهما عن العنوان الذي يستطيع من يريد مخاطبته أن يدق علي بابه ويتشاور معه؟ !
لقد أراد هيكل من خلال طرح السؤال أن يقول لنا باختصار إن قوي الشباب الثوري بدأت تتبعثر، وأن ذلك انعكس علي قوتهم، كما أنهم لم يؤسسوا لانفسهم حزبًا قويًا وموحدًا يمكن أن يدفع الآخرين إلي وضعه في اطار حساباتهم .
إن أحداً لا يستطيع بالقطع ،ولا أظن الأستاذ هيكل ، يمكن أن يختصر تجاهل السلطة لقوي الشباب الثوري لمجرد انهم يفتقرون حتي الآن إلي عنوان يمكن الطرق عليه، ولكن الحقيقة تقول إن الثقافة التي لا تزال تسود في إطار الجهاز التنفيذي هي ذاتها ثقافة النظام السابق، وإن النظرة إلي الشباب وإلي قدرته علي تحمل المسئولية لم تختلف كثيرًا عن النظرة التي حكمت العمل السياسي والتنفيذي في البلاد علي مدي ثلاثين عامًا مضت، بل حتي عندما أوعزت الحكومة لائتلافات الشباب بأنها ستشكل من بينهم مجلسا قوميًا للشباب والرياضة فإنها لم تف بوعدها حتي الآن، وحصرت اختياراتها إما في بعض من بقايا نظام سقط، أو بعض من عناصر تكنوقراط، تتعامل مع مشاكل الجماهير بذات الروتين الذي أصبح سمة من سمات الجهاز الاداري في مصر طيلة الفترة السابقة !!
وكانت النقطة الأهم التي تحدث عنها الأستاذ في حديثه ايضًا هي المتعلقة بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة، فهو يواجه منذ اليوم الأول لتسلمه السلطة الحقائق عارية ..
ـ إن أولي هذه الحقائق تتمثل في موقف اقتصادي واجتماعي صعب، لا يري الموارد التي تسد الاحتياجات العاجل منها والآجل .
ـ وثانية هذه الحقائق انفلات أمني وتهاوي سلطة وظهور سلطة أخري، لكن المجلس الأعلي لا يجد ـ كما يقول الأستاذ ـ لديه أهلية التدخل فيها .
ـ وثالثة هذه الحقائق هي التحدي الأكبر الذي يواجهه المجلس الأعلي والمتمثل في الفترة الانتقالية واستحقاقاتها، وكذلك الحال في مواجهة أوضاع إقليمية ودولية في منتهي الصعوبة والتعقيد، وهنا يري الأستاذ أن بعض الظواهر تحكمت واستحكمت في طبيعة قرارات المجلس الأعلي:ـ
> فهو لا يريد أن يبت في مشكلة حقيقية، وإنما يعتمد سياسة تأجيل المشكلات وترحيلها لحين انتخاب سلطة شرعية ودستورية منتخبة .
> وهو لا يكف فيما يقول به عن تعجل الأيام لتسليم السلطة .
> كما أنه ينتظر من المدنيين أن يتحملوا مسئوليات كثيرة في التعامل مع الظروف ومستجداتها وطوارئها .
والحقيقة ان كل ذلك صحيح والمجلس الأعلي ينتظر علي أحر من الجمر تسليم السلطة إلي سلطة منتخبة، ثم تحدث هيكل عن واحدة من أهم تحديدات اللحظة الراهنة مؤداها أن كثيرين من المؤهلين علي أعلي مستوي والقادرين بالتجربة والكفاءة اعتذروا حين عرضت عليهم الخدمة العامة في هذه الظروف لأن المطلوب منهم ـ خطير ـ خاصة أن عليهم أن يقوموا بهذا الدور دون سند أو غطاء أو حماية .
ويستمر الأستاذ في استعراض الظروف الراهنة والمحيطة بالوطن في الفترة الراهنة برؤية موضوعية وتحليل ثاقب وقدرة علي الالمام بخريطة الواقع حتي يصل إلي دور الاعلام، عندما يتحدث عن وجود مشكلة غائرة لا يريد أحد أن يتحدث فيها وهي ملكية وسائل الاعلام، سوء الاعلام القومي أو الخاص .
ويشير الأستاذ هنا إلي أن الاعلام الخاص بات مملوكًا بالكامل ـ تقريبًا ـ لرءوس أموال لها مصالحها، وهنا عاد هيكل إلي المقولة الشهيرة ' قل ما هي مصالح أي رجل، وأنا أقول لك ما هي أفكاره '!!
وفي هذا يحذر الأستاذ من خطورة دخول الاعلام الخاص ـ وفقًا لهذه التركيبة ـ كطرف في تعقيدات الأزمة ومستجداتها شأنه في ذلك شأن الاعلام العام، وهو يري أن حجم الخطورة يتزايد بالشحنات المتراكمة التي زادت من هموم الناس وتحولت إلي كابوس مخيف، وكأن الأستاذ يتحدث هنا عن قضية الانفلات الاعلامي والتي هي بالقطع ليست بريئة وإنما تخدم أهدافًا بعينها، لقد كشف الأستاذ النقاب عن أن هناك نشاطًا واسعًا بشأن ملكية وشراكة وسائل الاعلام المصرية يجري في لندن .
ومن الواضح هنا أن الأستاذ العائد من زيارة مطولة إلي لندن جاء محملاً بمعلومات كاملة عن وقائع ما يجري في العاصمة البريطانية، حيث تجري عمليات شركة وشراء وتأسيس لصحف وفضائيات انطلاقًا من هناك، وهي في كل الأحوال أموال وملايين تتدفق بشروط محددة وأجندات بعينها ربما تكشف الفترة المقبلة عن المزيد من تفصيلات أكبر عملية اختراق تجري للاعلام المصري في الوقت الراهن، لا تشارك فيها أطراف مصرية لها أهدافها فحسب، بل أطراف عربية واقليمية ودولية أيضًا، تسعي إلي غسل أموالها عن طريق أطراف وسيطة ثم تصب لصالح وسائل الاعلام المستهدفة .
إذا كان الأستاذ هيكل تحدث عن أن ثلاثة رجال وليس أكثر يتحكمون الآن في الاعتمادات التي تخصص للاعلان في مصر وحجمها يقارب المليار جنيه، وهذه الاعتمادات وفي غيبة مقاييس علمية لتخصيص الاعلانات تستطيع إنجاح صحف وفضائيات وتستطيع اعدام صحف أخري وفضائيات، فهو هنا يريد أن يقول للجميع إن ملوك الاعلان يتحكمون في السياسة التحريرية لوسائل الاعلام المختلفة وهذا خطر كبير علي المصداقية .
في نهاية الحوار تحدث الأستاذ هيكل عن أخطر تحدٍ يواجه مصر في الوقت الراهن، والذي يتمثل في محاولات أطراف عديدة داخلية وخارجية للاستيلاء علي الشارع المصري، وقام بحصرها علي الوجه التالي:ـ
> هناك جماعات ذات أهداف سياسية متباينة وأيضًا ذات مقاصد ونوايا مختلفة لديها أهدافها !!
> وهناك انفلات أمني استبيح فيه الشارع لاغراض متصارعة يهدد بتكرار ظاهرة ' نابليون ' التي جاءت لوضع حد للفوضي وكانت نتيجة تدخل ' نابليون ' هي الاستيلاء علي الجمعية الوطنية الفرنسية ذاتها، بعد أن سيطرت علي هذا المحفل العريق في النهاية مجموعات متشددة ـ إرهابية ـ دموية ـ انتهازية، وأصبحت قاعة الجمعية الوطنية ذاتها مسرحًا ضاع فيه الصالح مع الطالح، وذاب فيه الثوري مع الدموي وتصدر فيه الفاسد وهو ضد الثورة عملياً، لكنه بالصوت العالي أخذ منبر الجمعية الوطنية واحتكره، وأبعد عنه كل صوت للحق والمبدأ .
كان الأستاذ هيكل يعطي هذا المثل باستدعائه لهذه الواقعة التاريخية، وكأنه يبدي قلقله من جراء ما يحدث في الشارع المصري الآن متصدرًا المشهد الثوري وساعيًا للقفز عليه .
كانت كلمات الأستاذ تعكس قلقًا واضحًا، لكنه في نفس الوقت لم يكتف باستدعاء الواقعة تاركًا لقارئه الذكي استخلاص الأسباب التي دعته إلي ذلك ..!!
لقد قال الأستاذ بوضوح لا يقبل الجدل لقد شاهدت بعيني سواء علي الطبيعة أو في الصور مشاهد لا تصدق مما يجري في الشارع المصري، وكان شعوري أن القائمين بها لا ينتمون إلي الثورة واخف الضرر فيما يفعلون انهم يعطون الذريعة والمبرر لكل المطالبين بالقمع والقهر، بمقولة الاستقرار والأمن '.
> لقد حذر الأستاذ بشكل واضح وصريح من مغبة استغلال بعض قوي الخارج لحالة ' السيولة والفوضي ' كما اسماها ومد أصابعها تحاول أن تأخذ أو تحاول أن تبث أو تحاول أن تطوع، ذلك أن هذه الحالة تغري الكثيرين !!
نعم لم تكن مصر ـ كما يقول الأستاذ ـ داخل انبوبة معقمة، ولذلك فإن بعض التدخل الخارجي جاء من قوي كبري وجدت في الربيع العربي الذي فاجأها في تونس ومصر فرصة نادرة للاستغلال !!
لقد أشار هيكل إلي أن أمريكا وانجلترا وفرنسا كانت في مقدمة هذه الدول وكلها رفعت ألوية حق يراد به باطل، وأولوية الحق التي يتحدث عنها الأستاذ تأتي في مقدمتها قضية الديمقراطية، ولكن وفقًا لمفاهيم الغرب وأجندته .
لقد تحدث الأستاذ عن التدخل السافر لدول من الاقليم سواء كان من دول الجوار المباشر أو غير المباشر . وقال هيكل بصراحته المعهودة ' اعرف لسوء الحظ أن ملايين الدولارات وصلت إلي من لا أعرف، وملايين أخري أشك أنه وقع دسها في جيوب ناقليها، قبل ان تصل إلي عناوينها ' ، معتبرًا أن ذلك فصل من أغرب الفصول في قصة الربيع العربي، والتي عاد الأستاذ ليسميها في هذه اللحظة تحديدًا ' موجة خماسين '!!
والحقيقة ان الأستاذ يملك حقائق مذهلة في هذا الملف، وهو الملف الساخن الذي يجري حاليًا بحثه تمهيدًا لاستدعاء المتورطين بالحصول علي مئات الملايين من الجنيهات من أطراف عربية أو إقليمية أو غربية وأمريكية .
بقي أخيرًا القول إن حديث الأستاذ لـ ' الأهرام ' يبدو أكثر تشاؤمًا عن أحاديث سابقة، ربما هذا هو ما شعرت به في لقائي مع الأستاذ بمجرد عودته من رحلة لندن .
وإذا كان لـ ' هيكل ' أسبابه الموضوعية في ذلك، فإن الحكم علي مضمون الرسالة التي استهدف الأستاذ إيصالها لقرائه لن يكون صحيحًا إلا بعد قراءة الحلقتين الثانية والثالثة من هذا الحوار المطول الذي أدلي به لأسرة تحرير ' الأهرام '.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق