اخر الاخبار

06‏/09‏/2011

زعيم الإخوان المسلمين وزعيم الشيوعيين بقلم د. نوال السعداوى

ظاهرة البلهوانية فى الصحافة والسياسة شائعة فى كل البلاد، رغم تغير الحكومات واشتعال الثورات، فالنظام القائم على قوة البوليس والجيش والخداع، يفرض على الناس منذ الطفولة أن يكونوا بهلوانات بشكل أو بآخر، خوفا من العقاب أو طمعا فى الثواب، كنت أسمع أبى فى طفولتى يردد المثل الشعبى «السلطان من ابتعد عن السلطان»، رغم ابتعادى عنهم لم أسلم من ضرباتهم، لمجرد أننى أحمل قلماً يكتب، الكتابة تهز عروش الحكام وإن كانت قصصاً من خيال، فالخداع فى الحب لا ينفصل عن الخداع فى السياسة، وقد تؤدى قصة حب صادقة إلى الثورة وإسقاط النظام.
وأذكر أننى قلت ليوسف إدريس بعد أن نشر مقاله «أشكو منك إليك»: «يعنى مبارك هو ربنا عشان تشكو منه إليه يا يوسف؟»، ضحك كعادته مقهقها وقال «لأ.. يا نوال مبارك أكبر من ربنا».
كان الحوار يدور بينى وبين يوسف إدريس منذ الزمالة فى كلية الطب، يكبرنى بعدد من السنين لكن الهواية الأدبية والمظاهرات الوطنية ضد الملك والإنجليز، خلقتا بيننا حوارا فكريا امتد نصف قرن. كان يوسف إدريس أحد زعماء الطلبة، يقول عن نفسه شيوعى ماركسى، يكره النظام الطبقى الذى يقهر الفلاحين والعمال، لم يكن يعلم أن النظام الطبقى يرتبط فى التاريخ بالنظام الأبوى، كان يؤمن بالسلطة الأبوية المطلقة فى العائلة، وأن المرأة خلقها الله شيطانة بالطبيعة، وأن الرجل تطور حسب نظرية دارون، لكن المرأة خلقها الله من الطين، كان يوسف إدريس ملحداً بالعقل مؤمناً بالقلب، هذا الانفصام بين قلبه وعقله فرض عليه التناقض فى السياسة كما فى الحب.

بعد أن خرجت من سجن السادات زارنى يوسف إدريس، مع زملاء وزميلات، كانوا يشعرون بتأنيب الضمير، لم يكتبوا حرفا عن المعتقلين، كانت جريمتى مقالين كتبتهما عن زيف الديمقرطية.

من السجن أرسلت لتوفيق الحكيم ويوسف إدريس، أطلب مندوبا من «اتحاد الكتاب» ليشهد سوء الزنزانة، لم يرد كلاهما، لم يكتب أحد حرفا واحدا ينقد السادات لاعتقاله المئات دون تحقيق، كان يوسف إدريس ينشر مقالاته فى الأهرام بانتظام، قرأت له مقالا كبيرا عن جيهان السادات العظيمة، بعد اغتيال السادات بشهرين أصدر حسنى مبارك قراره بالإفراج عنا، فإذا بيوسف إدريس ينشر بالأهرام برقية تهنئة لمبارك العظيم، أما سوزان مبارك فقد حظيت بمقالة كبيرة من يوسف إدريس عن منجزاتها العظيمة، كنت أنقده فيقول «لازم أنافقهم لأستمر فى الكتابة، لازم نغلبهم بكل الوسائل بما فيها النفاق وإلا غلبونا وسحلونا، دى تنازلات صغيرة يا نوال من أجل أهداف كبيرة، نسميها فى الشيوعية (تكتيك)، لكن الإخوان المسلمين يقولون عليها (الضرورات تبيح المحظورات)».

فى كلية الطب كنت ألحظ التشابه فى تفكير الزعماء من الطلبة، وخطبهم أيام المظاهرات والانتخابات والمواسم السياسية، لم تكن حماسة الإخوان المسلمين للفقراء واليتامى والمساكين تقل عن حماسة الشيوعيين للعمال والفلاحين الكادحين.

كما يحدث فى يومنا هذا، حلبة الصراع الانتخابى بين الأحزاب والجماعات حامية الوطيس، التجارة بالدين ومعاناة الفقراء هما عدة النصب للمرشحين يسار ويمين ووسط، كأنما الزمن متوقف منذ سبتمبر ١٩٥١ حتى اليوم سبتمبر ٢٠١١، ستون سنة كاملة مرت ونحن نشهد الصراع ذاته بالوسائل ذاتها واللغة ذاتها والملامح ذاتها مع اختلاف الوجوه والأسماء والأحزاب والعقائد.

فى سجن القناطر للنساء عام ١٩٨١ كانت الزعيمة الشيوعية، (فوقية) تشبه الزعيمة الإسلامية (بدور) فى الملامح ولهجة الكلام، رغم أن الأولى سافرة تؤمن بماركس وإنجلز والثانية منتقبة تؤمن بالله والرسول محمد. «التشابه بين الضدين وجهان لعملة واحدة»، قال يوسف إدريس يومها تفسيرا لذلك «أصلنا حيوانات سياسية يا نوال نأكل ونشرب سياسة، أنا تطورت قليلاً حسب نظرية دارون وأصبحت كاتب قصة، لكن السياسة مرض وإدمان زى الأفيون والماكستون، السياسة تشوه الشخصية وتدمر الإبداع، الرجل حيوان سياسى، الحيوان أرقى من الرجل بيولوجيا، الأسد ملك الغابة لا يهاجم إلا إذا جاع»، قلت له: ليس بيولوجيا الرجل يا يوسف ولكن النظام السياسى الثقافى الذى يربى الطفل الذكر على أن الرجولة تسلط واستبداد، والأنوثة خضوع وخنوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق