اخر الاخبار

03‏/09‏/2011

قيمة القراءة والمعرفة بقلم: عمرو حمزاوي

بقلم: عمرو حمزاوي
amr hamzawy new
يلفت النظر فى الكثير من الدول الأوروبية والآسيوية شغف المواطنين بالقراءة، ويحبط لدينا التراجع الكبير فى القيمة المجتمعية للقراءة ومن ثم لأهمية الاكتساب المنظم للمعرفة.
يندر أن تتواجد فى وسيلة من وسائل المواصلات العامة فى أوروبا أو آسيا، دون أن ترى العدد الأكبر من الركاب فى حالة مطالعة، إنْ لصحف اليوم أو لأعمال روائية أو لكتب أو لأوراق خاصة بأعمالهم أو لغيرها. يندر أيضا أن تذهب لمكتب من مكاتب الخدمة المدنية أو لأماكن أخرى عادة ما يمضى بها المرء بعض الوقت منتظرا كالعيادات الصحية ومكاتب التشغيل، دون أن تجد العدد الأكبر من الحضور مستغرقا فى القراءة إلى حين انتهاء الانتظار. الجميل هنا هو أن الوقت السلبى أو الميت فى الحياة اليومية، وقت الانتقال من مكان إلى آخر أو الانتظار أو غير ذلك، يوظَّف فى القراءة واكتساب المعرفة ولا يضيع لا بحالة من الخمول أو بأحاديث قليلة المضمون.
يلفت النظر أيضا النظرة المجتمعية الإيجابية للقراءة والمعرفة كمصدرين للتميز وللتقدير. وكنت قد تأثرت بهذا الأمر كثيرا أثناء سنوات دراستى وعملى فى أوروبا والولايات المتحدة، كما تأثرت به أجيال من الدارسين والأكاديميين المصريين. واليوم، ومع تلقى ولدى لؤى ونوح لتعليمهما المدرسى فى ألمانيا أتعرّف على الدور الرئيسى للمدرسة فى اجتذاب الأطفال منذ الصغر للقراءة وللمطالعة وللأدوات الأخرى للاكتساب المنظم للمعرفة. على سبيل المثال، يتعين على لؤى (السنة الثالثة ابتدائى) أن يعد بمفرده، وبعد بحث وقراءة وبمعدل مرة فى الأسبوع، تعريفا بقضية أو بأمر أو بكلمة أو بشخصية ويعرضه على زملائه فى الفصل ويقدم لهم بعض المصادر الإضافية للقراءة. وكذلك يفعل كل التلاميذ الآخرين فى الفصل المكون من 18 منهم وهو ما يعنى أسبوعيا 18 عرضا للتلاميذ بناء على قراءة ومعرفة قاموا هم بتحصيلها بصورة مباشرة وليسوا كمتلقين فقط. أين نحن من الشغف بالقراءة والمعرفة ومن تقديرهما المجتمعى؟ نحن بعيدون للغاية مع الأسف. الوقت الميت فى حياتنا اليومية يوظف قبل أى شىء آخر لأحاديث الهواتف المحمولة. مطالعة الصحف والكتب محدودة للغاية، ويكفى أن ندرك أن إجمالى عدد النسخ التى توزعها كافة الصحف اليومية يدور حول مليون نسخة فى مجتمع يفوق تعداد سكانه 80 مليونا. أما شبكات التواصل الاجتماعى كالفيسبوك والتويتر فيندر أن يستخدما لتداول الطبعات الإلكترونية لكتب أو أعمال روائية أو دراسات، بل إن الطبعات الإلكترونية للكتب ما زالت أمرا شديد الندرة فى عالم اللغة العربية.

ويزيد من قتامة المشهد لدينا هذا النزوع الغريب بين الكثيرين لاستخدام مفاهيم وكلمات لا يعلمون عن حقيقتها شيئا وكذلك للحديث حول قضايا لا معرفة لديهم بها. مفاهيم وكلمات كالمواطنة، الليبرالية، المدنية، العلمانية، البرلمانية، بل والديمقراطية (التى عرفها أحد شيوخ السلفيين فى لقاء مع ممثلين للحكومة والمجتمع المدنى وبجدية تامة على أنها إباحة زواج المثليين!) يساء إليها ولمضامينها يوميا فى الصحافة والإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى وبعض المساحات الدينية.

كذلك تصدم درجة الجهل بقضايا يتداولها الرأى العام المصرى بكثافة شديدة وتبنى حولها مواقف حدية وصراعات. قضايا كالمبادئ الأساسية للدستور وحقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية باتت تقسِّم المصريين إلى فرق مختلفة وتدفع البعض إلى تكفير المختلفين معهم فى الرأى ويمتلئ الفيسبوك والتويتر بتعليقات حولها دون معرفة حقيقية بأى منها.

أملى أن نلتفت جميعا إلى مأساوية تراجع قيمة القراءة فى مجتمعنا وخطورة النتائج التى قد تترتب على أفعال مواطنات ومواطنين لا يقرءون ويؤثر فى توجهاتهم أناس يتحدثون عن مفاهيم وقضايا لا يفهمونها ويتحايل بعضهم على ضرورة المعرفة باستدعاء غير أمين لأوامر ونواهى الدين وهو منهم براء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق