اخر الاخبار

16‏/09‏/2011

مشروع عملاق لتنمية مصر (٣) قلم د.حسن نافعة

تشير الدراسات الأولية للجدوى الاقتصادية لمشروع قناة طابا - العريش إلى أن أعمال التسوية والحفر ستؤدى إلى استخراج كميات هائلة من خامات الحجر الجيرى والطفلة والحجر الرملى والدلوميت والصخور المارلية، وغيرها من الخامات القابلة للتسويق، التى يوجد عليها طلب عالمى كبير. لذا، من المتوقع أن تدر عائدا ماليا قد يفوق فى المحصلة الإجمالية تكلفة المشروع ذاته.
وهذه ميزة إضافية من شأنها أن تضفى على المشروع جاذبية خاصة وتغرى بعض الدول التى تحتاج هذه الخامات، كالصين مثلا، أو الشركات العالمية المتخصصة فى استخراج وتجارة هذه المواد بالاستثمار فى المشروع، الذى سيكون قادرا فى هذه الحالة على تمويل نفسه ذاتيا، لأن تكاليف تنفيذه أقل من قيمة نواتج الحفر نفسها.
أما فيما يتعلق بالمدة الزمنية التى سيستغرقها المشروع، فيقترح تنفيذه على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى: تتعلق بتسوية مسار القناة بمستوى سطح البحر، ومن المتوقع أن يستغرق تنفيذها من ٥ إلى ٧ سنوات، المرحلة الثانية: تتعلق بالحفر وشق القناة، ومن المتوقع أن يستغرق تنفيذها فترة من ٣ إلى ٥ سنوات.

 المرحلة الثالثة: تتعلق بإنشاء المدن وتنفيذ المشروعات المرتبطة بإعمار المنطقة المحيطة بضفتى القناة، ومن المتوقع أن يستغرق تنفيذها من ٥ إلى ١٢ سنة. ولأنه من المتوقع أن تبلغ حصيلة بيع المواد الخام الناجمة عن عمليات التسوية مليارات الدولارات، يفترض أن يساعد هذا التقسيم المرحلى على تسهيل عملية التمويل، لأن الموارد المالية المتحصلة من المرحلة الأولى ستستخدم للإنفاق على المرحلتين الثانية والثالثة.

للمشروع مزايا اقتصادية واجتماعية واضحة، منها: الإسهام بجدية فى حل مشكلة البطالة الحالية وتقديم فرص عمل ضخمة ومناسبة ليس فقط للجيل الحالى فحسب، وإنما لأجيال قادمة، وحل مشكلة التكدس السكانى بالوادى، حيث من المتوقع أن تجذب المدن الجديدة التى ستنشأ على ضفاف القناة والمشروعات الزراعية والصناعية المصاحبة ملايين الأسر للاستقرار نهائيا فى سيناء. غير أن المزايا السياسية والاستراتيجية والأمنية للمشروع لا تقل أهمية وربما تفوق، فى تقديرى، أى مزايا أخرى.

وفى جلسات النقاش، التى شاركت فيها مع مجموعة العمل، التى شكلت لتبادل الرأى حول هذا المشروع قلت بوضوح إننى لا أملك خبرة كافية تسمح لى بالتعليق على مدى قابلية هذا المشروع للتنفيذ من الناحية الفنية، هندسيا وجيولوجيا وبيئيا.. إلخ، أو حتى لتقييم جدواه الاقتصادية، لكنى شديد الحماس له لأسباب استراتيجية، سياسية وأمنية.

فالمشروع سيشكل، فى تقديرى، إضافة حاسمة لتعظيم قدرات مصر الدفاعية وسيمكنها من تأمين حدودها الشرقية والدفاع عنها بسهولة أكبر، نظرا لأن ممرات متلا والجدى ستصبح فى هذه الحالة واقعة غرب مانع مائى جديد، وليس شرقه كما هو الحال فى ظل الوضع الحالى. بعبارة أخرى، يمكن القول إن هذا المشروع سيساعد مصر على تصحيح جوانب خلل كثيرة كانت قد طرأت على معادلة الصراع العربى - الإسرائيلى بعد تمكن إسرائيل من فرض معاهدة سلام منفردة على مصر، وبالتالى تمكين مصر من تصحيح كل سلبيات المعاهدة الملعونة، دون أن تضطر إلى إطلاق رصاصة واحدة.

ولأن المنطقة الواقعة بين القناتين ستصبح واحدة من أهم مناطق جمع وتخزين وتوزيع ومرور التجارة فى العالم، فمن المتوقع أن يطرأ تحول جوهرى وإيجابى على الأهمية الاستراتيجية لسيناء، والتى ستصبح فى هذه الحالة أداة للردع من خلال قوة مصر الناعمة وليست مسرحا للحروب.

فى الختام، أود أن أُذَكّر الجميع بأن مشكلة مصر لم تكن أبدا فى نقص المشروعات أو جفاف منابع وملكات الابتكار والخيال عند المصريين، وإنما فى نقص الإرادة السياسية وشح القادة، الذين يحبون مصر أكثر من حبهم لأنفسهم.

 لذا، أدرك تمام الإدراك أنه ما لم تتمتع مصر بنظام سياسى مؤسسى قوى ومستقر، فلن يكون بوسعها أبدا أن تنطلق على طريق النهضة والتنمية المستدامة. لذا، لا أعول كثيرا على المجلس العسكرى، باعتباره مسؤولا عن إدارة مرحلة انتقالية وليس جهة سياسية منتخبة، لكننى أرجو منه على الأقل أن يتعامل مع هذا المشروع بالجدية الواجبة، وأن يشكل على الفور لجنة عليا لدراسته من جميع جوانبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق