اخر الاخبار

16‏/09‏/2011

ديمقراطية تركيا.. بعض النواقص بقلم عمرو حمزاوي

التطور الإيجابى فى العلاقة المصرية ــ التركية يصب ولا شك فى مصلحة البلدين السياسية والاقتصادية. جيد أيضا أن تتقارب توجهات السياسة الخارجية للدفاع عن مصالح شعوب منطقتنا وفى الصدارة هنا القضية الفلسطينية والوقوف فى وجه الاستعلاء والإرهاب الإسرائيلى ورفع المعدلات الإقليمية للتعاون الاقتصادى والتجارى، وأتمنى أن يضاف إلى الأمور هذه الدعم الفعال لثورات المواطنين الديمقراطية على امتداد العالم العربى.
إلا أن تطور العلاقة المصرية ــ التركية وكذلك الميزات الكثيرة لنموذج الديمقراطية والتنمية التركى لا ينبغى لهما، خاصة ونحن فى مصر ندرس نماذج التحول الديمقراطى والتنمية حولنا وفى العالم للاستفادة منها، أن يدفعانا إلى تجاهل بعض النواقص الخطيرة فى النموذج التركى أو إلى إضفاء هالة من الإيجابية المفرطة حين تقييم توجهات السياسة الخارجية التركية.
نعم نجح حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان فى دفع السياسة التركية نحو حالة ديمقراطية حقيقية. حالة ديمقراطية بها برلمان منتخب وقوى قادر على القيام بواجباته التشريعية والرقابية بعد عقود من التفتت حالة ديمقراطية بها حكومة ذات شرعية ديمقراطية تستطيع إدارة الشأن العام بفعالية وتحقق معدلات نمو اقتصادى مرتفعة للغاية وتحترم حقوق الإنسان. حالة ديمقراطية بها برلمان وحكومة يدعمان تدريجيا دور السلطات المدنية المنتخبة فى مواجهة مؤسسة عسكرية مسيسة وكثيرا ما مارست دور الرقيب الأعلى على الحياة السياسية أو تدخلت بها بصورة مباشرة عبر بوابة الانقلابات. حالة ديمقراطية بها سلطات محلية منتخبة وتمثيل مستقل لقطاعات المجتمع الحيوية خاصة المصالح الاقتصادية والعمالية.

إلا أن تركيا التى يقودها أردوغان مازالت تتعثر بشدة فى إدارة ملف المساواة الحقوقية والسياسية والاقتصادية بين مواطناتها ومواطنيها المنتمين لأصول عرقية مختلفة، وبصفة خاصة الأكراد. هؤلاء، ولهم تاريخ طويل من المعاناة من قمع واضطهاد السلطات التركية وكذلك من التمرد العسكرى فى مواجهتها، لم يصلوا بعد إلى وضعية المساواة الكاملة مع المواطنين الأتراك ومازالت حقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية واللغوية منتقصة على نحو يبرر توصيفهم كمواطنين درجة ثانية.
وقد زرت مناطق التركز الكردى فى تركيا أكثر من مرة (الجنوب والشرق وأحياء فقيرة فى المدن الكبيرة) واطلعت على حقائق الأوضاع وكانت لى حوارات مؤلمة مع نشطاء أكراد يرون أن حكم العدالة والتنمية لم يقدم لهم ضمانات المساواة الكافية على الرغم من بعد التحسن النسبى. بالقطع ورث أردوغان تركة ثقيلة للغاية بعد عقود من سيطرة العقيدة الكمالية (نسبة إلى مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك) التى نظرت بعنصرية لغير الأتراك من المواطنين وانتقصت من حقوقهم.
للسياسة الخارجية التركية أيضا بعض النواقص، خاصة تعاونها الاستراتيجى واسع النطاق مع الديكتاتوريات العربية وفى المقدمة ديكتاتورية بشار الأسد فى سوريا. نعم تتبنى تركيا اليوم سياسة جيدة تجاه إسرائيل ولها مساحة من الاستقلالية الذاتية فى إطار تحالفها مع الولايات المتحدة ودورها فى حلف الناتو. إلا أن الالتزام بحقوق الإنسان والديمقراطية فى صناعة توجهات السياسة الخارجية لم يكن قبل الثورة المصرية عاملا مؤثرا وتعاملت حكومة أردوغان مع هذا الأمر ببراجماتية شديدة. ومن ثم ليس لتركيا أن تدعى الآن أنها ألهمت الشعوب العربية حب الديمقراطية والثورة على المستبدين، فإلهامنا العربى نبع من ذواتنا وفى توقيت اختاره الوعى الجماعى للتوانسة والمصريين والليبيين والسوريين وغيرهم.
هذه بعض نواقص النمودج التركى أردت عرضها للتنبيه لضرورة عدم الوقوع فى خطأ تقديس النموذج على إيجابياته الكثيرة وعلى قوة أردوغان كمثال لرئيس وزراء منتخب بديمقراطية ويخدم شعبه بإخلاص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق