اخر الاخبار

29‏/07‏/2011

جمعة رمضان بقلم محمد سلماوى

كتبت فى هذا المكان، منذ حوالى ٣ أسابيع، أن مصر على مشارف أخطر مرحلة تمر بها منذ قيام الثورة فى ٢٥ يناير الماضى، وحذرت من أن التشكك وفقدان الثقة بين جميع الأطراف يهدد بصدام قادم لا محالة، وأن هذا الصدام لن يكون فى مصلحة الثورة ولا فى مصلحة مصر، ولم يمر أسبوعان وكان الصدام المؤسف قد وقع فى ميدان العباسية، فأدخل البلاد فى منعطف خطير علينا أن نتخطاه بأسرع ما يمكن، وإلا انزلقنا إلى المرحلة التى عرفها الكثير من ثورات العالم حين أخذت صراعاتها تطفو على السطح فبدأت الثورة تأكل نفسها بنفسها، وما يحدث فى هذه الحالات - كما حدث مع الثورة الفرنسية مثلاً - هو أن تبدأ عملية اتهامات متبادلة تؤدى لتصفية أضعف الأطراف إلى أن يتم القضاء على الأطراف جميعاً، كالحيوان الذى يبدأ بأن يأكل ذيله إلى أن يقضى على نفسه بنفسه.إننا اليوم على مشارف شهر رمضان المبارك، شهر التسامح والتقوى والتراحم الذى تتوقف فيه - أو يفترض أن تتوقف فيه - الصراعات والعداءات والحروب، فلماذا لا تختلف مليونيتنا اليوم عن المليونيات السابقة بأن تكون مليونية رمضان، أى مليونية التسامح والإخاء والتقوى والرحمة، وإلا فما قيمة رمضان وما جدوى قدومه إن لم يكن لتذكيرنا بالمثل والمبادئ السامية التى يقوم عليها ديننا الحنيف، والتى تشغلنا عنها الصراعات اليومية بقية أيام السنة؟

إن لكل شاب فى ميدان التحرير اليوم أخاً شقيقاً يقف إلى جواره، سواء كان مسلماً أو مسيحياً، سواء كان ملتحياً أو يرتدى «الكاسكيت» و«الجينز»، سواء كان رجلاً أو امرأة، كهلاً أو شاباً، غنياً أو فقيراً، فلنضع جميعاً أيدينا فى أيدى من يقفون إلى جوارنا فى الميدان مستلهمين روح الشهر الكريم، وقد صار على بعد ساعات قليلة، ملتزمين بالشعار النبيل الذى رفعته الثورة منذ يومها الأول، وهو «سلمية.. سلمية».

لنعبر اليوم تلك الجفوة الخطيرة التى شهدتها الأيام الماضية بين المجلس العسكرى - ولا أقول الجيش - وبعض أبناء الثورة - ولا أقول كلهم - ولنعد إلى مشاهد الأيام الأولى للثورة بالميدان، التى رأينا فيها الشباب يحتضنون ويقبّلون جنود الجيش رافعين شعار «الجيش والشعب يد واحدة».

لننسَ من يسعون لاستخدام هذه الجمعة ليثبتوا خطأ أنهم يستطيعون جمع مليونية من الملتحين وحدهم، ولنتذكر أن المليونيات لا تحدث إلا بتضافر الجميع، وأن القوة الحقة هى فى الالتزام بمساحة التوافق التى اجتمعت عليها كل قوى الثورة بلا استثناء.

لنسمُ فوق نزعة الانشقاق ولنسع لئلّا يشرد عنا أى فصيل من فصائل الثورة، فتتحول المعركة مع قدوم الشهر الكريم من معركة ضد جميع مظاهر النظام السابق، من ظلم واستبداد وفساد وإفساد ومحسوبية، إلى معركة بين أبناء الثورة أنفسهم، أو بين الثورة والجيش.

إننى من المؤمنين بضرورة استمرار ميدان التحرير لأنه رمز وتجسيد لضمير الثورة ونقائها، وهو بالتالى يمثل البوصلة السياسية التى علينا مراعاتها، فالثوار الذين خرجوا للثورة، لكنهم تركوا لجهات أخرى مهمة تطبيق سياساتها، كان عليهم أن يظلوا حاضرين كمرجع ونبراس يذكرون بالسياسات المطلوبة من أجل تطبيق المبادئ التى قامت من أجلها الثورة، وهى الديمقراطية والكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية.

إننا لا نريد جمعة تصفية حسابات، ولا جمعة استعراض عضلات، وإنما جمعة تسامح وترابط وقوة واتحاد، جمعة تستمد قوتها من شهر رمضان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق