اخر الاخبار

20‏/07‏/2011

كيف نخرج من الأزمة؟بقلم د. منار الشوربجى

لا أحد ينكر أننا إزاء توتر عميق بين أطراف العملية السياسية فى مصر، المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة والقوى السياسية. وهو توتر لا يمكن فقط للقرارات التى صدرت وتصدر استجابة لمطالب الثورة أن تقضى عليه. فما لم تكن هناك رؤية واضحة لكيفية علاج هذه الأزمة وخطة محددة للمطلوب إنجازه فى الوقت المتبقى من المرحلة الانتقالية- فإن تلك القرارات ستكون مؤقتة المفعول يعود بعدها التوتر من جديد.
والمفتاح الأول للخروج من هذه الأزمة هو استعادة الثقة عبر خطوات يقوم بها كل طرف من الأطراف الثلاثة، والمسؤولية الأولى ربما تقع على عاتق المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فالمطلوب المصارحة الكاملة للرأى العام. فمن المهم للغاية أن يشرح المجلس الحقائق كاملة فى كل قضية جدلية تثار، والأسباب وراء اتخاذه القرارات التى يتخذها بشأنها. فالغموض والسرية سمة محمودة فى إدارة الجيوش، لكنها سمة بالغة الخطورة فى إدارة السياسة، خصوصا فى خضم حالة ثورية، فهى تثير القلق وتسمح بانتشار الشائعات، وتفسح الطريق لكل نظريات المؤامرة، وقد ينتج عن كل ذلك اتخاذ مواقف حادة أو راديكالية يتم التعامل معها بالحدة نفسها فندور فى حلقة مفرغة تهوى بنا جميعا إلى أسفل كما لاح فى الأفق الأسبوع الماضى.
 أما المصارحة، فهى تحول الأمر من علاقة شك إلى حالة نقاش، وربما اختلاف صحى حول اجتهاد المجلس العسكرى بناء على المعطيات، التى تم إعلانها، والشعب المصرى الذى أثبت نضوجا سياسيا فذا خلال الثورة وبعدها، قادر على التعامل مع الحقيقة مهما كانت صادمة. فلتتصور معى لو أن المجلس الأعلى قد صارح الناس مثلا بحقيقة الوضع الاقتصادى، أو أفصح عن القوى الخارجية، التى أشار مراراً إلى أنها تخطط لإجهاض الثورة. هل لديك شك، عزيزى القارئ، فى أن المصريين عندئذ سيكونون أكثر تكاتفاً وصبرا للعبور بمصر لبر الأمان؟ وهل لديك شك فى أن الشعب سيتولى مسؤوليته فى الدفاع عن وطنه، بل سيحمى ظهر المجلس الأعلى إذا ما اقتضى الأمر المواجهة مع قوة خارجية تعبث بمستقبلنا؟
والحكومة هى الأخرى تحتاج إلى بذل الجهد لاستعادة الثقة، وهو ما لا يتأتى إلا بطرحها لرؤية واضحة للمرحلة الانتقالية وقائمة أولوياتها خلالها مع جدول زمنى محدد، لإنجاز كل بند من بنودها.
أما القوى والتيارات السياسية فعليها هى الأخرى مسؤولية كبرى فى استعادة الثقة، ولو على الأقل فيما بينها. فلا شك أن المعارك الدائرة بين تلك القوى والتيارات أثرت سلبا على أولويات الحكومة والمجلس العسكرى، اللذين تم إقحامهما فى سجالات مصدرها الوحيد هو انعدام الثقة بين تلك التيارات، وقد آن الأوان لأن ينتبه الجميع إلى أن الوقت يداهمنا بخصوص التوصل لوفاق وطنى لابد منه قبل انتهاء المرحلة الانتقالية، ويخطئ من يتصور أن إعلان المبادئ الحاكمة للدستور سيحقق الهدف منه لو ظلت التيارات المختلفة تعطى ظهرها لبعضها البعض.
أما المفتاح الثانى للخروج من الأزمة فهو الاتفاق على خطة محددة للمطلوب إنجازه فى المرحلة الانتقالية، ومن هنا، يحتل الإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة الأولوية الأولى، ويتحتم على المجلس العسكرى أن يرفض قانون مجلس الشعب، الذى أعلنته الحكومة السابقة، فلا يجوز الإصرار على قانون يوجد إجماع نادر بين القوى السياسية على رفضه وتبنيها بدلاً منه نظام الانتخابات بالقائمة النسبية المغلقة فى كل الدوائر، وقد تأخر أيضا إصدار قانون لتنظيم تمويل الحملات الانتخابية لا يضع فقط حدا أقصى للأموال المنفقة، وإنما يجرم إحجام الأحزاب ومرشحيها عن الإفصاح تفصيليا عن حجم الأموال، التى يجمعونها ومصدرها.
أما المهمة الثانية على جدول أعمال المرحلة الانتقالية، فهى أن تتسلم بعدها الحكومة المنتخبة مؤسسات الدولة وقد تم تطهيرها، ونقطة البدء تظل فى وزارة الداخلية إذ لا يزال من المهم النفاذ للحلقة الأخطر على الإطلاق فى المشكلة، أى عقيدة الجهاز الأمنى. فهى تعرضت لتدمير منظم بحيث لم يعد واضحا للكثيرين داخل الجهاز من بالضبط الذى تعاديه الشرطة، ومن الذى تحميه، بل تلاشى الخط الفاصل بين الأمنى والسياسى.
غير أن التطهير ينبغى أن يمتد ليشمل الجهاز البيروقراطى للدولة، الذى لا يعقل أن تقوم عليه بعد الثورة العقليات نفسها التى أتى بها النظام السابق، وهناك قطاع آخر بالغ الأهمية ومسكوت عنه حتى الآن وهو قطاع البنوك، حيث إن الأغلبية الساحقة من القيادات العليا من الموالين الذين أتى بهم جمال مبارك ليحكم سيطرته على الاقتصاد، وقد تبين بالفعل أن بعضهم يلعب دورا خطيرا فى عرقلة الحركة الاقتصادية.
لكن المهمة الثالثة لا تقل أهمية فى ظنى، وتقع مسؤوليتها بالكامل على عاتق المجتمع السياسى والمدنى. فقد آن الأوان لأن نفكر فيما هو أبعد من موضع أقدامنا، أى فى مصر ما بعد المرحلة الانتقالية. فأغلب القطاعات تعرضت لتدمير منظم على مدار عقود كاملة، والمطلوب هو الاجتهاد الفكرى الجاد فى تحديد أولويات المرحلة القادمة، والمصادر الوطنية لتمويلها بما يسمح بإعداد خطط تفصيلية لبناء- وليس إصلاح- التعليم والصحة والزراعة والصناعة، وتحقيق العدل الاجتماعى، واستعادة الثقة فى الذات الوطنية والثقافية، وعودة أم الدنيا بعزة وكرامة لمكانتها التى تستحقها فى العالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق