اخر الاخبار

30‏/07‏/2011

العبارة فى العمارة بقلم مفيد فوزى

«على السكران».. من أسرة لم تذق طعم الخمر فى حياتها ويعمل مترجماً فى دار نشر، وشاء حظه السيئ أن ينادوه دائماً (يا سكران)، ويتعجب من الأهل الذين يختارون لأولادهم أسماء بعينها سبب مصائبهم حين يكبرون ويعانون. يسكن على السكران فى عمارة (أم الدنيا) أمام مقياس النيل فى الروضة، وللعمارة مجلس إدارة يرأسه لواء جيش سابق يقيم فى الروف أعلى العمارة، والسكران هو سكرتير المجلس، وقد اجتمع مجلس الإدارة ليناقش ٤ موضوعات، هى بالترتيب:نظافة العمارة وإنارة المدخل وتكليف حداد بباب حديد للحماية واختيار رجل أمن مسلح وصيانة الأسانسير، وقد قرأ السكران الاعتذارات عن عدم الحضور. المحاسب مهاب اعتذر بعد سجن حماه ١٥ يوماً رهن التحقيق. المهندس طلبة المستثمر هاجر لكندا وتنازل عن شقته لزوج ابنته. رياض السيد، من المعتصمين فى ميدان التحرير. نقطة النقاش الأولى كانت: هل نلجأ للكناس التقليدى أم لشركة النظافة المناوبة؟ بدأت المناقشة هادئة وبدأت الأصوات تعلو وتداخلت واختلطت وضاعت معالم الجدل، وقال موجه تعليم بصوته الرخيم (الكناس التقليدى، عملياً أفضل)، ولكن أحد الأعضاء وهو شاب حقوقى، قال موجهاً الكلام لموجه التعليم على المعاش (لا تفرض رأيك علينا بسلطتك الأبوية) وجاء على السكران ليقول رأيه، ولكن اللواء رئيس مجلس الإدارة قاطعه (الكناس يجمع كل فجر أكياس القمامة، وكل شقة تدفع له حسب إمكاناتها). ردت طبيبة عضوة فى المجلس (يجب توحيد مكافأة الزبال، الأسعار مولعة ومش عارفين نعيش). جاء على السكران يعلق، ولكن محمد «فيس بوك» كما يلقبونه قاطعه وقال (الزبالة مسؤولية كل ساكن)، ولكن الشيخ الفاضل ساكن الدور الثالث قال (النظافة من الإيمان يا جماعة الخير.

 ضعوا مهملاتكم فى أكياس سوداء وأحكموا إغلاقها)، ولكن محمد «فيس بوك» انبرى غاضباً (موضوعات تافهة نجتمع من أجلها وهى مضيعة للوقت، ثم لا أحد يعلمنا كيف نجمع قمامتنا) رد الشيخ (أنا لا أعظ أحداً ثم إن النظافة أحد أركان الإيمان هل تعترض على ذلك يا أخ محمد؟) رد محمد «فيس بوك» (وجهة اعتراضى أن يحولنى أحد إلى تلميذ ويقرأ علىَّ الإرشادات اغسل يديك قبل الأكل وبعده). اعترضه الشيخ (أنتم أهل علم يا سيدى) غضب محمد وقال (هذه نبرة سخرية لا أقبلها)، وتدخلت سيدة تربوية وقالت (نسينا الموضوع الأساسى ودخلنا فى تفاصيل صغيرة يعنى تشعبنا).

رد محمد «فيس بوك» بانفعال (هذه ليست تفاصيل صغيرة يا ست إنصاف هذه أساسيات فى النقاش). صمتت الست إنصاف المنتظره موافقة الكنيسة على الزواج الثانى، وكادت تيأس وكتمت، وقطع شرودها صوت اللواء رئيس مجلس الإدارة (اتفقنا على مهمة الزبال)، غير أن محامياً يسكن فى الرابع قال بثقة (الشركة المناوبة للنظافة تخدم الحى قانوناً). قال اللواء (المجالس المحلية محلولة بحكم محكمة ولا محل للأحياء من الإعراب) قال المحامى (ولكن زبال البيوت يعمل تحت السلم وعمله غير مشروع).

قال اللواء: (أنا مستعد أسأل حد فى الوزارة عن شرعية الأحياء وشركات النظافة). قال محمد «فيس بوك» (لما الحكومة ترسى على تشكيل وزارى صح). رد الشيخ (صلوا على النبى واتفقوا) وعندما هم على السكران بالكلام، كان الشاب الأعزب يمسح بقايا النوم من عينيه، ويقترح أن يدفع (مبلغاً للزبال وتحصل من الشقق) غير أن محمد «فيس بوك» وجه إليه الكلام (إنت بتبقشش علينا؟) رد الشاب الأعزب (ده مش بقشيش، ده حل علشان ننتقل لنقطة أهم فى جدول الأعمال)، ولكن محمد «فيس بوك» قال للشاب الأعزب (قريبك المرشح نفسه لرياسة الجمهورية بيجمع أصوات ولا إيه؟). رد الشاب (قريبى لا يجمع أصواتاً، ده راجل بتاع ربنا واسأل عنه فى الكفور والحوارى)، رد محمد فيس بوك (كلنا بتوع ربنا محدش يحتكر الصفة دى لنفسه)، قال الشيخ (ما تقول كلمة يا سيادة اللواء، أنا وانت إيد واحدة وانت برضه كبيرنا)، ولكن محمد فيس بوك اعترض وقال (يعنى إيه كبيرنا؟). رد الشاب الأعزب بحدة (يعنى يمسك دفة الكلام) انفعل المحامى وقال (كلنا قادرون على الإمساك بالدفة). قالت الست إنصاف للمحامى (كل كلمة يقولها محمد فيس بوك مع احترامى تقول وراه آمين).

صرخ المحامى قائلاً (هذا اتهام بالنفاق أنا لا أنافق أحداً ولو كان اللواء). دخل اللواء رئيس مجلس الإدارة للعمارة، فى الخط الساخن وقال (أنا محصن ضد النفاق). هنا قال محمد «فيس بوك» (معنى هذا أنى قابل للنفاق) رد عليه جاره الشاب الإلكترونى دارس الإلكترونيات (أختلف معك فى فهم طقوس النفاق ومقتضياته)، قال محمد (هذه فذلكة) رد جاره الإلكترونى (بل إيضاح)، قال محمد (بل غموض) قال الإلكترونى (بل إضاءة) رد محمد (بل إظلام). حاول على السكران أن يتكلم لولا أن الموجه على المعاش صاح بصوته الواهن (أنا أنسحب من الجلسة)، وقال الشيخ (لما نشوف آخرتها)، وتدخل اللواء (نرجع لموضوعنا وبلاش تراشق ومهاترات). رد محمد «فيس بوك» (هذه ليست مهاترات كما تصفها. أنا معترض). قال الجار الإلكترونى (هذه ليست خلافات مذهبية هذه رؤى ائتلافات). دق جرس التليفون فى محمول أحد الجالسين فإذا به يرد (يعنى إيه؟ يعنى هيحلف اليمين واستطلعوا رأى الأمن القومى كمان.. ممكن حد يديك بمبة؟). قال اللواء بهدوء (ألم نتفق على إغلاق المحمول قبل بدء الاجتماع؟).

قال صاحب المحمول (ولكن هذا تقييد للحريات). قال موجه التعليم (هذا ليس تقييداً لحريات)، وقالت السيدة إنصاف (هذا احترام لجلستنا)، قال الشاب الإلكترونى (أنا لا أستئذن فى حريتى). بينما انشغل محمد «فيس بوك» وفتح اللاب توب، كاد صبر اللواء رئيس مجلس العمارة ينفد، حينما دق المحمول مرة ثانية فقال صاحبه: ده من صاحب عمرى معتصم فى الميدان، ومضرب عن الطعام. وأخذ صاحبنا يتكلم ويسأل عن التفاصيل بينما لاذ الاجتماع فى العمارة بالصمت، وربما كل الأعضاء كان على ألسنتهم سؤال واحد: إيه العبارة؟ كان قد مضى ثلاث ساعات ونصف الساعة، ولم ينتقل مجلس إدارة العمارة للنقطة التالية: «اختيار رجل أمن مسلح للعمارة وتكليف حداد بباب حديد».

بل لم تحسم النقطة الأولى. كان على السكران يتلفت يميناً ويساراً كما لو كان يراقب صراع ديكة أو ماتش مصارعة حرة، ولم يستطع أن يشق ممراً ضئيلاً للكلام، وعندما خلا إلى نفسه، أخذ يهذى وهو يقف فى روف العمارة أعلى نقطة فيها وينظر إلى الشارع والناس، والحركة والزحام والباعة والمركبات، ويتساءل: من يملك الحقيقة؟ من يملك الحقيقة؟ من يملك الحقيقة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق