اخر الاخبار

11‏/07‏/2011

الفقراء أولا يقلم د/ محمد حجازى شريف

ترددت فى الأيام القليلة الماضية شعارات متعددة ..البعض رفع شعار ( الدستور أولا)..والبعض الاخر رفع شعار ( الانتخابات أولا )..ولكل منهما أسانيده وحججه القوية..وفى النهاية حسم الجدل الدائر بين الطرفين والذى استغرق نحو خمسة أشهرتحت شعار ( الثورة أولا)..ولم تتوقف الأولويات ..حيث برزت شعارات جديدة ( مصر أولا ) ..( الفقراء أولا).
والحقيقة أننا انشغلنا بالشأن السياسى ..وأغفلنا الواقع الاقتصادى المرير الذى تعيشه مصر فة هذه المرحلة والتى نراها الأخطر عبر تاريخ مصر.ولهذا سانحاز الى أولوية ( الفقراء أولا ) لقناعتى بأن الفقر ارهاب يهدد مصر المستقبل...ولأننى سبق أن تبنيت - فى مقالات سابقة - قضية ( مستقبل مصر السياسى بعد الثورة).

كيف يمكن التقليل من حدة الفقر؟ وكيف يمكن تحقيق العدالة في توزيع الدخل؟

سؤال يحتاج إجابة، إجابة تحتاج تشخيصا، تشخيص  يحتاج علاجا.

إن القضية الأساسية التي نحن بصددها هي: (قضية الفقر وعدالة توزيع الدخل) .. ولهذا يجب علينا تشخيص المرض أولا وبيان أسبابه، والاتفاق على تعريفه؛ ثم حصر الفقراء وكيفية الوصول إليهم ، ثم وضع السياسات والآليات لتحسين أحوالهم ودعمهم بضمان اجتماعي جيد وزيادة مستوى تعليمهم ورفع قدراتهم الإنتاجية ومن ثم زيادة نصيبهم من الدخل القومي وبالتالي رفع مستوى معيشتهم.وفيما يلى سنعرض لمعضلة

  الفقر وسوء توزيع الدخل في مصر:

: تعريف الفقر

يدل مفهوم الفقر على وجود أوضاع معيشية لفئات اجتماعية وهي أوضاع تتسم بالحرمان على مستويات مختلفة غير أنه تسود مفاهيم عديدة للفقر في الأدبيات الحديثة ذات العلاقة بموضوع الفقر والتي تصف الفقراء بأنهم ( أولئك الذين ليس بمقدورهم الحصول على سلة السلع الأساسية التي تتكون من الغذاء، والملبس، والمسكن، بالإضافة إلى الحد الأدنى من الاحتياجات الأخرى كالرعاية الصحية والتعليم والموصلات... الخ).

ومن المهم الإشارة إلى مفهوم الفقر من وجهة نظر الفقراء أنفسهم، حيث يرونه نتيجة لعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للفرد والأسرة والمتمثلة في توفير ( المأكل والملبس والمسكن الملائم وضمان العلاج وتوفير المستلزمات التعليمية لأفراد الأسرة وتسديد فواتير الكهرباء والماء والاحتياجات الاجتماعية))

إن البنك الدولي قد وضع تعريفا للفقر بأنه: ( الجوع ونقص المأكل، ونقص الرعاية الصحية والاجتماعية، وزيادة أمراض سوء التغذية، وعدم القدرة على الالتحاق بالمدارس وبالتالي زيادة معدلات الجهل والأمية وعدم توافر فرص العمل والخوف من المستقبل، وغياب الحريات الأساسية ، والحرمان من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والترفيهية)

أنواع الفقر في مصر:

من التعريف السابق نستطيع أن نستخلص أنواع الفقر في مصر وهي

أ- الفقر الاقتصادي

وهو يعني: (عدم قدرة الفرد على كسب المال أو على الاستهلاك)

ب-الفقر الإنساني

وهو يعني: ( عجز الفرد على الحصول على القدر المناسب من التعليم والصحة والتغذية والمسكن الملائم والمياه الصالحة للشرب)

ج- الفقر السياسي

وهو يتمثل في: (غياب الحريات الأساسية وغياب المشاركة السياسية)

د- الفقر السوسيو ثقافي

وهو يتمثل في (غياب الهوية وضعف الانتماء)، وغياب ثقافة الحوار والمشاركة.

: نسبة الفقر في مصر

أفاد  تقرير التنمية البشرية لعام 2008م والصادر عن منظمة الأمم المتحدة أن نحو 16.3 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر أي ما يعادل 19.6 من إجمالي عدد سكان مصر منهم 5 مليون مصري لا يجدون قوت يومهم  لتبقى مصر في المرتبة111 بين دول العالم الأكثر فقرا.

ويشير التقرير  إلى أن أغلب  الفقراء في مصر يعيشون في محافظات الوجه القبلي حيث يتمركز فيها أكثر من 56% من إجمالي عدد السكان البالغ 77 مليون نسمة .. بينما تنخفض نسبة الفقراء في الوجه البحري لتصل إلى 13%.

وتعد محافظة أسيوط أفقر محافظات مصر، تليها محافظة بني سويف ثم سوهاج كما تعد محافظة المنوفية من أكثر المحافظات فقرا تليها محافظة الدقهلية ثم الشرقية والقليوبية والإسكندرية والبحيرة والغربية والقاهرة والإسماعيلية.

ويشير التقرير إلى تضخم ثروات الطبقة الغنية في مصر والتي تمثل أعضاؤها نحو 20% فقط من إجمالي عدد السكان والذين يملكون نحو 80% من ثروات مصر، بينما يمتلك الـ 80% بقية سكان مصر.

 ويذكر التقرير أن 1% فقط من أعضاء الطبقة الغنية يملكون نحو 50% من حجم ثروات هذه الطبقة بينما يشترك 99% الباقون في ملكية 50% الباقية.

إذن.. التقرير يشير أن عدد فقراء مصر أصبح 16.3 مليون مواطن وأن 1% من أعضاء الطبقة الغنية يملكون نحو 50% من الثروات وهذا يعكس مدى تفاقم حدة الفقر وعدم العدالة في توزيع الدخل فى مصر.
وهذا ما أكده تقرير ( الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء لعام 2011)، حيث أشار الى أن عدد الفقراء الذين يقعون تحت خط الفقر فى مصر قد وصل الى نحو 17 مليون فرد ، أى نحو 21%من عدد السكان . كما اشار نفس التقرير الى أن هناك نحو20%يقتربون من خط الفقر..

: أسباب تزايد حدة الفقر وسوء توزيع الدخل في مصر

إن تزايد أعداد الفقر وتزايد معدل البطالة في مصر يرجعها البعض  لأسباب عدة منها

‌-       غياب الضمان الاجتماعي

‌-   الأخذ بأسلوب الاقتصاد الحر

- غياب التخطيط .تعثر عجلة التنمية-

إن انتشار الفقر في مصر هو انعكاس لـ

1-    رفع يد الدولة عن المرافق والخدمات.

2-    إطلاق يد القطاع الخاص للتحكم في السوق.

3-     التباطؤ في إصدار قانون المنافسة ومنع الاحتكار.

وهنا يثار في الذهن تساؤل منطقي هو: ( كيف يمكن للمواطن المصري أن يعيش في ظل هذه الأجواء؟ وكيف يمكن لعائل أسرة أن يتحمل نفقات المعيشة مع اشتعال الأسعار يوميا وفي ظل غياب رقابة الدولة؟!.

 :الفقر إرهاب يهدد مصر

إن أرباب الأسر أصبحوا غير قادرين على تلبية أبسط احتياجات ذويهم وذلك لأن الغلاء قد طال كل شيء وفي المقابل ظلت الدخول ثابتة!! وهو الأمر الذي ينذر بوقوع ما لا يحمد عقباه لو استمر الوضع على ذلك  لأن الضغوط التي أصبح يواجهها المواطن المصري جعلته بمثابة ( القنبلة الموقوتة) التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وقتها سيكون على الحكومة مواجهة خطرا أشد كثيرا من خطر الإرهاب ألا وهو الفقر.



(: الخروج من المعضلة( المأزق

إن الخروج من المأزق أو المعضلة بوجهيها، زيادة حدة الفقر وسوء توزيع الدخل  يقتضي إتباع الاستراتيجيات والآليات التالية:

-   لابد من وجود حلقة عمل شاملة ومتكاملة للإصلاح الاقتصادي تنطلق من ظروف وإمكانيات المجتمع الحقيقية.. تختلف عن برامج الإصلاح الاقتصادي السابقة والتي فشلت فشلا ذريعا في تقليل حدة الفقر وفي تقليل التفاوت الصارخ في توزيع الدخول بين طبقات المجتمع.

‌-   تبني إستراتيجية متكاملة لإعادة توزيع الدخول بين طبقات المجتمع من خلال الاتى:

1-    زيادة  الأجور الحقيقية

2-    زيادة مخصصات الدعم السلعي (الحقيقي).

3-    إعفاء أصحاب الدخول المحدودة والمنخفضة من ضرائب الدخل.

4-    خفض معدلات الضريبة على سلع الفقراء.

5-    زيادة معدلات الضريبة على سلع الأغنياء.

6-    اتساع مظلة الضمان الاجتماعي الجيد.

- مراجعة السياسات الاقتصادية وأثارها على التشغيل والبطالة والأجور وتوزيع الدخل ومستوى الفقر وبكل ما يرتبط بتقليل معدلات الفقر في المجتمع.

بقلم د/ محمد حجازى شريف
أكاديمى ومحلل سياسى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق