اخر الاخبار

30‏/07‏/2011

إسلامنجية» و«لومانجية» بقلم صلاح عيسى

أكتب هذا الكلام صباح الجمعة، وكل الشواهد - حتى اللحظة التى أكتب فيها - تؤكد أن كل شىء «عال العال» و«تمام التمام» و«ميت فل وأربعتاشر»، وأن مليونية التحرير التى استقر اسمها على «جمعة لم الشمل» و«احترام الإرادة الشعبية» ستمضى فى هدوء وانسجام ووفاق، بلا جمل Two ولا نورماندى Two وحصوة فى عين اللى ما يصلى ع النبى.. وسمعنى سلام «والله واتجمعنا تانى يا قمر».
وأصحاب الدعوة لمليونية أمس، هم أسيادنا وتاج راسنا وبركتنا من الإسلامنجية وقد بدأوها كرد فعل على مواصلة بعض أسيادنا من الليبرالنجية، الاعتصام بعد انتهاء جمعة الثورة أولاً فى ١٥ يوليو، واحتجاجاً على استجابة المجلس العسكرى لمطالب هؤلاء المعتصمين بتشكيل لجنة لوضع مبادئ حاكمة للدستور، وإصدارها فى ملحق للإعلان الدستورى، وهو ما اعتبره الإسلامنجية ابتزازاً للمجلس العسكرى مارسته أقلية لا تمثل الشعب، ولا تنتمى إلى حضارته، ومشكوك - والعياذ بالله - فى دينها، بل إنها - كما يقول إخواننا العراقيون الذين ينطقون الضاد ظاء - تقبظ أى تقبض - من السفارات، فسرحوا فى المساجد والزوايا وشوارع المناطق العشوائية، يدعون المواطنين للاحتشاد فى «جمعة الشريعة أولاً» لتطهير الميدان من الليبرالنجية المعتصمين، وإجلائهم عنه كخطوة فى الطريق لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، حتى لو تطلب الأمر ضربهم علقة لم يأخذها حرامى فى جامع.. أو متظاهر فى ميدان العباسية!وكما حدث من قبل حين دعا الليبرالنجية إلى جمعة ١٥ يوليو تحت شعار «الدستور أولاً»، فزمجر الإسلامنجية وكشروا عن أنيابهم، وهددوا بالنزول إلى الميدان، لرفع شعار «الانتخابات أولاً»، مما دفع أولاد الحلال من الطرفين، إلى لقاء اتفقوا فيه على استبعاد الشعارين ليحل محلهما شعار «الثورة أولاً» وهو شعار لا معنى له، ولا يحل ولا يربط، إذ لا تناقض بين أن تكون الثورة أولاً ويكون الدستور - أو الانتخابات - أولاً.. فقد بذل أولاد الحلال مجهوداتهم للحيلولة دون الصدام هذه المرة كذلك، وانتهت باتفاق الطرفين على ألا يرفع كل منهما الشعارات التى يعترض عليها الآخر، فلا يرفع الليبرالنجية شعارات «مدنية.. مدنية لا عسكرية ولا دينية» أو «المبادئ الحاكمة للدستور أولاً» ولا يرفع الإسلامنجية شعار «إسلامية إسلامية.. لا مدنية ولا عسكرية»، و«الانتخابات أولاً».. واتفقوا على استبدال عنوان المليونية من «جمعة الهوية» و«جمعة المبادئ الحاكمة» إلى «جمعة لم الشمل» و«جمعة احترام الإرادة الشعبية»، وتنفس الجميع الصعداء.. ولعلعت الزغاريد، وسمعنى سلام «ما قال لى.. وقلت له.. يا عوازل فلفلوا»!

وعلى طريقة «اللى فى القلب فى القلب يا ليبرالنجية.. فإنه لم تكد تمر ساعات على إعلان اتفاق «ما قال لى وقلت له.. يا عوازل فلفلوا» حتى أعلنت جماعة الإخوان المسلمين فى رسالتها الإعلامية - كما قالت «المصرى اليوم»، أمس - أن مشاركتها تأتى رداً على محاولة فريق «الدستور أولاً» فرض مواد حاكمة للدستور، فيما يعد - فى رأيها - التفافاً على نتيجة الاستفتاء، وقال المتحدث باسم الجبهة السلفية إن الهدف الوحيد لمشاركتهم هو الاعتراض على المبادئ فوق الدستورية، وإن التيارات الإسلامية قررت إظهار قوتها فى الشارع، ووصف أمين عام الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح المليونية بأنها إسلامية للدفاع عن الإرادة الشعبية، وانتشرت ملصقات فى الشوارع عناوين الدفاع عن الهوية الإسلامية للدولة.

وهكذا اكتشف الليبرالنجية أن ممثلى الإسلامنجية فى جلسة التوافق الوطنى، قد خدعوهم بالطريقة نفسها التى خدع بها «عمرو بن العاص» الصحابى «أبوموسى الأشعرى» فى جلسة التحكيم بين «على» و«معاوية» ودفعوهم للتخلى عن شعاراتهم حفاظاً على التوافق، فلما فعلوا تمسكوا بشعاراتهم، وسمعنى سلام «يا مآمنة للإخوان.. يا مآمنة للمية فى الغربال»!

ما يلفت النظر هو أن الإسلامنجية، وفى طليعتهم الإخوان، قد كفوا عن ترديد مقولتهم بأن الإسلام دين مدنى لا يعرف الدولة الدينية، وهو كذلك بالفعل، لكن المسلمين لم يكونوا كذلك بعد عصر النبوة والخلافة الراشدة، والدول التى أقاموها كانت دولاً دينية يجمع الحاكم فيها بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية، وهم لايزالون كذلك فى كل الدول المعاصرة التى تدعى أنها إسلامية، والنماذج حولنا أكثر من أن تحصى من إيران إلى أفغانستان، ومن السودان إلى الصومال، وهو ما يعنى أن الإسلامنجية وقد شعروا بقوتهم قرروا الانتقال من مرحلة المشاركة إلى مرحلة المغالبة، وأن يستولوا على السلطة، وأن يستغلوا التشوش الفكرى السائد فى فرض أنفسهم على الشعب، بدعوى أنهم يمثلون الأغلبية. ما فات على هؤلاء الإسلامنجية هو أن الديمقراطية ليست انتخابات حرة نزيهة فقط، وليست حكم الأغلبية فقط، ولكنها سلة من القيم تشمل حرية العقيدة وعدم انحياز حكومتها فى تشريعاتها ووظائفها لاتباع مذهب أو دين معين من رعاياها، وأن حكم الأغلبية لا يعنى إهدار أى حق من حقوق الأقلية المذهبية أو الدينية أو السياسية.

ما فات على هؤلاء الإسلامنجية هو أن الدساتير تضعها النخب السياسية المؤهلة لذلك ولا يضعها العوام، وأن معظم الذين يحتشدون خلفهم يندفعون وراء عواطفهم الدينية الفطرية، وأن الهدف من وضع مبادئ حاكمة للدستور، هو التوصل إلى مشترك وطنى بين كل المصريين يضمن الحفاظ على الحريات والحقوق العامة، وعلى مدنية الدولة، وعلى تداول السلطة، وعلى المساواة، حتى لا يستغل فريق سياسى منهم الفرصة لينتقل من مرحلة المشاركة إلى مرحلة المغالبة، فيلغى الدستور أو يعدله بما يسمح له بأن يحول مصر إلى ليمان كبير يضع فيه خصومه من الليبرالنجية ويجعل مقره ميدان التحرير، ليحولهم من ثوار إلى لومانجية.

وسمعنى سلام: «سلامتها أم حسن».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق