اخر الاخبار

09‏/07‏/2011

المهمة الاستراتيجية لوزير الإعلام بقلم صلاح عيسى

بعد اختفاء يزيد على ثلاثة أشهر عادت «وزارة الإعلام» إلى التشكيل الوزارى ليتولاها الزميل «أسامة هيكل»، رئيس تحرير جريدة «الوفد»، وهو ثالث صحفى يتولى هذه الوزارة، منذ ظهورها لأول مرة على خريطة الوزارات المصرية باسم «وزارة الدولة للدعاية» فى مارس ١٩٥٢، بعد «الزميل» كريم ثابت باشا، رئيس تحرير المقطم، الذى تولى المنصب لمدة ١٧ يوماً فقط، والأستاذ «محمد حسنين هيكل»، رئيس تحرير «الأهرام»، الذى تولاه لمدة ستة شهور فى آخر وزارات عهد الرئيس «جمال عبدالناصر».وخلال شهور الاختفاء تعددت وتناقضت التفسيرات، التى يقول بعضها بأن حكومة «عصام شرف» لم تجد أحداً يقبل بتولى المنصب، بسبب التعقيدات التى أحيطت به فى أعقاب سقوط النظام السابق، ويقول الآخر إنه سقط سهواً من التشكيل الوزارى، مثل وزارتى التخطيط والدفاع وغيرهما، بينما ذهب آخرون إلى أن الحكومة لا تجد مبرراً لوجود وزارة الإعلام بعد الثورة، لأن الإعلام فى البلاد الديمقراطية حر ومستقل ولا يجوز أن يكون للحكومة إشراف عليه، ولا أن تضم بين وزاراتها وزارة تشرف عليه، لأن وزارة الإعلام هى بدعة ابتكرتها النظم النازية، حيث ابتكرها وزير دعاية النازية المعروف «جوزيف جوبلز»، وأنها استخارت الله - وميدان التحرير - وقررت تحرير الإعلام من وزارات الإعلام.
وفكرة إلغاء وزارة الإعلام ليست جديدة، ولم تقتصر المطالبة بها على الإصلاحيين الذين رفعوا شعار «تحرير الإعلام»، وطالبوا النظام بأن يرفع قبضته عن حريات الرأى والتعبير، ونجحت ضغوطهم فى توسيع الهامش الديمقراطى، على نحو ساهم فى تهيئة الظروف، التى أدت إلى الثورة، بل إنها عابثت كذلك بعض العناصر داخل النظام منذ نهاية عهد الرئيس عبدالناصر، وخاصة بعد هزيمة ١٩٦٧، عندما استصدر «محمد حسنين هيكل» - أثناء توليه منصب وزير الإعلام - قانون إنشاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، لكى يكون اتحاداً شبه مستقل، يتولى الإشراف على التليفزيون، وتوجيهه بعيداً عن التدخل الحكومى المباشر، ولكن الاتحاد عاد ليصبح جهازاً إدارياً بيروقراطياً يخضع للهيمنة الحكومية.
وربما كان ذلك هو السبب الذى دفع «د.مصطفى خليل» - الذى كان أول رئيس لهذا الاتحاد، حين تولى رئاسة الوزراء فى عام ١٩٧٨ - إلى إسقاط وزارتى الثقافة والإعلام من مرسوم تشكيل الوزارة، التى خلت من تسمية وزيرين للوزارتين، وقيل آنذاك إن ذلك تمهيد لإعادة تنظيم الأجهزة التى كانت تابعة للوزارتين، وأعلن الرئيس السادات عن نقل اختصاصات وزارة الثقافة إلى المثقفين، ليتولوا بأنفسهم سلطة الثقافة، عبر المجلس الأعلى للثقافة، الذى تشكل ليحل محل الوزارة، وأصدر قراراً جمهورياً بإحالة اختصاصات الوزارتين إلى وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية آنذاك «منصور حسن»، وبعد ما يقرب من عامين غابت خلالهما الوزارتان عن الساحة، عادتا - فى آخر وزارة فى عهد الرئيس السادات - ولكن باعتبارهما وزارة دولة، وظلّتا على هذا الوضع، منفصلتين حيناً.. ومندمجتين حيناً.

ولأن وزارة الدولة هى وزارة مؤقتة يسند إليها الإشراف على بعض الأجهزة والمؤسسات التى تنص قوانينها على تبعيتها لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، فقد بدا ظاهرياً أن بقاء وزارتى الإعلام والثقافة، كوزارتى دولة، هو لمجرد إتمام خطة تصفيتهما، بينما كانت شواهد الواقع تؤكد غير ذلك، وما لبثت الحكومة أن اعترفت بالواقع، وألغت صفة وزارة دولة عن كل منهما.. لتعودا إلى التشكيلة الوزارية بعد ست سنوات من الغياب فى حكومة «كمال حسن على» عام ١٩٨٤.

وأمام وزير الإعلام الجديد «أسامة هيكل» ملفات بالغة التعقيد، ربما كان أكثرها إلحاحاً ما يتعلق بالمشاكل التى يعانى منها مبنى ماسبيرو الآن، لكن ذلك لا ينبغى أن يشغله عن مهمته الاستراتيجية، التى تتعلق بالمستقبل، وهى أن يسعى لتحويل شعار «تحرير الإعلام» إلى رؤى وخطط تفصيلية وتنظيمات ومشروعات قوانين، تتعلق بكيفية التصرف فى الإمبراطورية الإعلامية التى تملكها وتديرها وتوجهها الحكومة، من قنوات تليفزيونية ومحطات إذاعية ومؤسسات صحفية قومية، وتنظيم ممارسة المصريين لحريتهم فى الرأى والتعبير عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، فهو ليس وزير ماسبيرو وحده، وليس وزير الإعلام الذى تملكه الحكومة فقط، ولكنه الوزير المنوط به مسؤولية إعادة بناء المنظومة الإعلامية بكل أدواتها، سواء تلك التى تملكها الحكومة، أو التى يملكها القطاع الخاص.. على قاعدة لا تحتاج إلى شطارة أو حذلقة: حرية بلا حدود.. ومسؤولية اجتماعية ومهنية بلا حدود.

تلك مهمة ليست مستحيلة لو أن «أسامة هيكل» عاد إلى الدراسات الكثيرة التى أعدها خبراء فى وزارته خلال السنوات العشر الأخيرة، ولم تجد طريقها إلى التطبيق، لأن أحداً لم يكن يريد «تحرير الإعلام» فعلاً.. ولو أنه أدار حواراً واسعاً حول الموضوع لتوصل إلى رؤية تحقق الهدف، الذى بدون تحقيقه لن تكون مصر بلداً ديمقراطياً كما نتمناه جميعاً..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق