اخر الاخبار

03‏/12‏/2011

مرة أخرى.. هل الليبرالية كفر؟ بقلم د. رفعت السعيد

وهكذا يكتب علينا هذا الزمان الردىء أن نجيب عن سؤال تجاوزته البشرية المتحضرة منذ آماد طويلة، ومع ذلك فإننا سنلجأ فى إجابتنا إلى أقوال شيوخ وفقهاء لا يتجاسر أحد من هؤلاء المتأسلمين على أن يتهمهم بالكفر، أو هذا هو المفترض
 ونبدأ بالشيخ رفاعة الطهطاوى، فرفاعة هو الأب الروحى لكل الليبراليين العرب والمسلمين، ونتابع معه بعضا مما كتب: «الحرية هى الوسيلة العظمى لإسعاد أهالى الممالك، فإذا كانت مبنية على قوانين حسنة وعدلية كانت واسطة عظمى فى راحة الأهالى وإسعادهم، والحرية قرينة المساواة، فكلاهما ملازم للعدل والإحسان»، وهو يعتمد فى معركته على الرأى العام «فإنه مما يحمل الملوك على العدل ويحاسبهم محاسبة معنوية الرأى العمومى الذى له سلطان قاهر على قلوب الملوك والأكابر».
[مناهج الألباب المصرية فى مباهج الآداب العصرية- صـ٣٥٥]، وتتجلى ليبرالية «رفاعة» أكثر فى موقفه من المرأة، فهو مع حقها فى التعليم «دخول المدارس للبنات والبنين على قدم المساواة» [المرشد الأمين للبنات والبنين صـ٦٦]، ويهاجم رفاعة وبشجاعة الدعوة إلى احتجاب المرأة وقعودها فى بيتها ومنعها من الاختلاط مع الرجال، فيقول: «إن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتى من كشفهن أو سترهن بل ينشأ ذلك من التربية الجيدة أو التربية الخسيسة» [تخليص الإبريز فى تلخيص باريز صـ٣٠٥]، وللمرأة حق العمل «فكل ما تطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة، فإن فراغ أيديهن من العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل وقلوبهن بالأهواء، إن العمل يصون المرأة عما لا يليق ويقربها من الفضيلة، فإن اليد الفارغة تسارع إلى الشر، والقلب الفارغ يسارع إلى الإثم»، [المرجع السابق، صـ٢٠١].

ونأتى إلى فقيه ومفكر إسلامى آخر هو الشيخ جمال الدين الأفغانى، الذى وقف المفكر الإسلامى الليبرالى أحمد أمين أمام قبره قائلا إنه «محيى النفوس ومحرر العقول ومحرك القلوب وباعث الشعوب ومزلزل العروش، ومن كانت السلاطين تغار من عظمته والدول ذات الجنود تخاف من حركته، والممالك الواسعة الحرية تضيق نفساً بحريته»، و«الأفغانى» عندما التقى السلطان ناصر الدين خسرو وتعرض لسؤال منه يقول «أيصح أن أكون أنا ملك ملوك الفرس كأحد أفراد الفلاحين؟»

أجاب السلطان قائلاً «اعلم يا حضرة الشاه أن تاجك وعظمة سلطانك وقوائم عرشك ستكون بالحكم الدستورى أعظم وأثبت مما هى الآن، ولا شك يا حضرة السلطان أنك رأيت وقرأت عن أمة استطاعت أن تعيش بدون أن يكون على رأسها ملك، ولكن هل رأيت حاكماً عاش بدون أمة ورعية؟» [عبدالرحمن الرافعى، جمال الدين الأفغانى باعث نهضة الشرق]، ولكى لا نطيل سنحاول أن نقدم عدداً من مقولات الأفغانى، لعلها تكفى كى توضح مدى ليبراليته، وتحرره الفكرى والعقلى.

لو أن كل واحد من هذه الشعوب الإسلامية بصق بصقة واحدة، لو بصقوها معاً فسوف يتكون بحر هائل يغرق كل الطغاة.

أنت أيها الفلاح المسكين تشق الأرض لتستنبت منها ما يسد الرمق، فلماذا لا تشق قلب ظالمك، لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة إتعابك؟

إن الدين يجلّْ عن معارضة العلم، فإن وقع تعارض وجب تأويل النص حتى يتوافق مع الجديد فى عالم اليوم.

لقد فسد الإسلام بالجهل بتعاليمه الصحيحة عبر الأجيال، ولابد من ثورة لإصلاح هذه المفاهيم وإلا واجه المسلمون الهلاك.

إن أخطاء القرون الماضية من عمر الإسلام ومساوئها إنما حصلت نتيجة سوء فهم العقيدة كما احتواها القرآن والسنة.

إن الإسلام فى جوهره دين عقلانى، يدعو إلى تحرير العقل الإنسانى من الخرافات والوثنيات، ويفتح الباب واسعاً أمام العلم الحديث، الذى هو العمود الفقرى للتقدم.

إن التعاليم الأصلية للإسلام تعطى للمسلمين الحق فى الثورة على حكامهم الطغاة والفاسدين، حتى لا يقوضوا بطغيانهم وفسادهم أركان المجتمع الإسلامى.

إن الشرائع يجب أن تتغير بتغيير الأمم.

أما الشيخ عبدالرحمن الكواكبى فقد دفع حياته ثمناً لدفاع مستميت عن الحرية ومواجهة الاستبداد، ونقرأ له:

الحاكم المستبد يذلل رجاله بالترف، حتى يجعلهم يترامون بين رجليه، ثم يتخذهم لجاماً لتذليل الرعية، ولهذا يرسخ الذل فى الأمم التى يكثر أغنياؤها، أما الفقراء فيخافهم المستبد خوف النعجة الذئاب.

لا يوجد فى الإسلام نفوذ دينى مطلقاً فى غير إقامة الشعائر الدينية.

إن أسباب التخلف تكمن فى السياسة المطلقة وحرمان الأمة من حرية القول والعمل، وفقدان الأمن والأمل، وفقدان العدل والتساوى فى الحقوق.

أما الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، مفتى الديار المصرية على زمانه، فقد كان نموذجاً لليبرالية تكاد تكون كاملة، فقد أفتى بالسماح للمسلم بأن يرتدى أى زى يشاء، فما كان اللباس إلا مجرد زينة، وأفتى بأن التعامل مع البنوك والحصول على فوائد الودائع حلال، وأن التصوير حلال، وأن أكل ذبائح المسيحيين واليهود حلال، وأن طلب العلم فريضة على المسلم رجلا كان أو امرأة، وتحدى بهذه الفتاوى وغيرها شيوخ عصره الذين قال عنهم «إنهم لبسوا الفراء بالمقلوب، فلا هم تدثروا به ولا هم تركوه».

«ليس هناك أى اجتهاد أو رأى يلزم المسلم فى جميع العصور، فمتى انقضى العصر وزالت مقتضياته زال معه ما يخصه من اجتهاد». ثم يؤكد: «ليس فى الإسلام ما يسمى عند قوم بالسلطة الدينية أو المؤسسة الدينية، ولم يعرف المسلمون فى أى عصر من العصور هذه السلطة الدينية».

«ومن الضلال القول بتوحيد الإسلام بين السلطتين المدنية والدينية فهذه الفكرة دخيلة على الإسلام».

.. وبعد، هذه بعض نفحات من أفكار شيوخ وفقهاء عظام، وأيضاً ليبراليين عظام، فهل هؤلاء جميعاً كفار؟

ويبقى أن الشيخ محمد عبده تأوه وهو فى فراش الموت قائلاً:

ولست أبالى أن يقال محمد

أبل أم اكتظت عليه المآتم

ولكنه دين أردت صلاحه

أحاذر أن تقضى عليه العمائم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق