اخر الاخبار

07‏/12‏/2011

مصر هي مرجعيتنا‏(6)‏ بقلم: أحمد عبد المعطي حجازي

لو أننا سألنا جماعات الاسلام السياسي من الاخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم‏:‏ ما الذي ترفضونه في مدنية الدولة التي وردت في وثيقة المباديء الدستورية المقدمة من الدكتور علي السلمي نائب رئيس مجلس الوزراء
 لمناقشتها والتوافق حولها والالتزام بما جاء فيها عند وضع الدستور الجديد فبماذا يجيبون ؟ وما الذي يرفضونه في أن تكون الدولة مدنية؟
لقد رأينا ان مدنية الدولة كانت مطلبا اساسيا من مطالب ثوار يناير الذين جعلوا هذا المبدأ شعارا من شعاراتهم وهتافا من هتافاتهم.
كما ان مدنية الدولة مبدأ أساسي من مباديء الاحزاب المصرية, ماعدا احزاب الإخوان والسلفيين. ونحن نقرأ الصحف فنري ان مدنية الدولة مبدأ يتبناه معظم المثقفين المصريين.
فما الذي ترفضه الجماعات الدينية في هذا المبدأ؟وقد يكون من الأفضل ان نبدأ بالسؤال عما تريده جماعات الاسلام السياسي, فما الذي تريده هذه الجماعات؟
تقول إنها تريد دولة ديمقراطية تشترط ان تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي لقوانينها, وأن يكون الدين الاسلامي هو مرجعيتها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن ان يجتمع هذان الشرطان المتناقضان في دولة واحدة؟
الديمقراطية من جانب, والمرجعية الدينية من الجانب الآخر؟ وما هي هذه الدولة الاسلامية التي جمعت بينهما؟ هل هي دولة طالبان في أفغانستان؟ أم دولة الآيات والملالي في ايران؟ أم دولة الوهابيين في السعودية؟ ام دولة العسكر الشيوخ والشيوخ العسكر في السودان؟
والديمقراطية كما يعرف الجميع هي النظام الذي تكون فيه الدولة للشعب, ويكون فيها الشعب المصدر الوحيد لكل السلطات بما فيها سلطة سن القوانين التي تتأسس عليها كل السلطات. فاذا انتزعنا من الشعب هذه السلطة ومنحناها لرجال الازهر مثلا أو للإخوان المسلمين والسلفيين فلن تكون الدولة في هذه الحالة دولة ديموقراطية, وإنما ستكون بكل وضوح وكل بساطة دولة دينية. وهذا هو ماتريده جماعات الاسلام السياسي وترفض من اجله مدنية الدولة. لأن الدولة المدنية معناها السلطة المدنية التي لا يستأثر بها حاكم فرد أو جماعة مهما تكن الحجج والادعاءات. والجماعات الدينية تريد ان تستأثر بالسلطة.
يقول دعاة المرجعية الدينية في رفضهم لمدنية الدولة إن هذا المبدأ لاوجود له في الفكر السياسي منذ بدأ حتي اليوم. ونحن لانري فيما تركه المفكرون القدماء والمحدثون اي حديث عن هذه الدولة التي توصف بأنها دولة مدنية.
وسوف نحسن الظن في هؤلاء السادة ونصدق انهم يقدرون تراث الفكر السياسي الإنساني ويحتكمون لما جاء فيه, وسنقول لهم عندئذ إن ما أشاروا إليه صحيح, اذا فهمنا مدنية الدولة بمعناها اللغوي المباشر. فالمدنية هي الحالة التي تقابل الحالة الطبيعية أوالوحشية التي كان عليها البشر قبل ان يخرجوا من الغابة ويلتئموا في جماعة ويستقروا ويتوطنوا. والدولة إذن لاتوصف بأنها مدنية, لأن كل الدول لابد ان تكون مدنية, ايا كان نظام الحكم فيها, إذ هي كلها تجسد الحالة التي صار عليها الناس بعد أن خرجوا من التوحش الي التمدن.
لكن الدول ليست نظاما واحدا كما اشرت. والدولة التي يستبد بالسلطة فيها حاكم فرد غير الدولة التي يحكمها النبلاء أو الأغنياء. والدول الثيوقراطية التي يحكمهارجال الدين غير الديكتاتوريات العسكرية التي يحكمها الجنرالات. فإذا اردنا ان نتحدث عن دولة للأمة كلها لا لفرد فيها او جماعة, وتقوم علي أساس المواطنة التي يتساوي فيها الرجال والنساء, والأغنياء والفقراء, والبيض والسود, والمسلمون والمسيحيون فماذا نقول؟ وما هي الصفة التي نطلقها علي هذه الدولة لنوضح أنها ليست إمارة دينية من ناحية, وليست ديكتاتورية عسكرية من ناحية أخري, أظن ان لنا الحق في أن نسميها دولة مدنية, علي ان يكون واضحا ان المعني المقصود بهذه الصفة هو ان السلطة القائمة في هذه الدولة سلطة مدنية. وإذا كنا لانجد في تراث الفكر السياسي من تحدث عن الدولة المدنية, فنحن نجد فيه فصولا مطولة عن المجتمع المدني, والسلطة المدنية, والقوانين المدنية. فضلا عن ان هذا الكيان السياسي أو القانوني الذي نسميه الدولة كان مرتبطا دائما في الفكر السياسي بالمدنية. فدولة المدنية هي الصورة الاولي لهذا الكيان.
وقد قامت دولة المدنية أول ماقامت في أثينا القديمة. اقامها الأثينيون ليتمكنوا من الحياة فيها كجماعة من المواطنين الأحرار الذين اتفقوا علي ان يعيشوا معا في ظل قانون يضعونه لأنفسهم ويقفون أمامه متساوين.
وإذا كانت الدولة تنسب للمدنية أو تضاف اليها في الفكر السياسي الذي يتحدث عن دولة المدينة فلنا أن نحول المضاف اليه الي صفة فنقول الدولة المدنية لنؤكد بهذه الصفة ديمقراطيتها, وأنها ليست إمارة دينية, فإذا تنازلنا مع هذا عن تلك الصفة التي تطالب الجماعات الدينية بحذفها لأنها ليست ضرورية, أو لأنها غير موجودة في الفكر السياسي, فهل تقبل هذه الجماعات أن نصف الدولة التي نسعي لإقامتها بأنها دولة ديمقراطية تصدر فيها كل السلطات عن الأمة؟ فاذا أجابت الجماعات الدينية بالإيجاب, فكيف تتفق الديمقراطية مع النص علي أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين, فضلا عن النص الخاص بالمرجعية الاسلامية, وهما نصان يتعارضان مع حق الأمة, في وضع قوانينها, كما يتعارضان مع مبدأ المواطنة الذي يسوي بين المواطنين, ولايميز بين دين ودين؟!
هنا تعود الجماعات الدينية لتردد مزاعمها حول الدول التي كانت إسلامية دون ان تكون دينية. وكان حكامها في بعض العصور محاربين محترفين دون ان تكون عسكرية. وكان المال والسيف وسيلة الوصول الي السلطة, لكنها كانت مع ذلك دولا ديمقراطية!
يقول المتحدثون باسم هذه الجماعات ان الدولة الاسلامية دولة ديمقراطية لأن الحكم الاسلامي يقوم علي الشوري.
ولأن الاسلام لايعرف السلطة الدينية التي عرفتها المسيحية وسيطرت بها علي الحكم في العصور الوسطي الأوروبية.
ومن المؤكد ان الاسلام لايعرف السلطة الدينية المستقلة التي عرفتها المسيحية. وذلك لأن الإسلام ظهر في بلاد لم تكن فيها اية سلطة, لاسياسية, ولادينية. ولهذا جمع الحكام المسلمون بين السلطتين. فالخليفة رئيس دولة يمارس سلطته السياسية بولاته وقادة جيوشه. وهو في الوقت ذاته إمام يمارس سلطانه الديني بواسطة الفقهاء والعلماء والقضاة ورجال الإفتاء الذين يتولون تفسير النصوص الدينية وتطبيقها في اطار السياسات التي يتبعها الحاكم الأعلي وضمن الحدود التي يعينها لهم.
أما ان الحكم الاسلامي يقوم علي الشوري, فهذا صحيح في النصوص المكتوبة, وفي دولة الخلفاء الراشدين.
لكنه ليس صحيحا بعد ذلك.
لقد اغتصب معاوية السلطة اغتصابا من رابع الخلفاء الراشدين, وأخذ البيعة لابنه بالرشوة والسيف. وكما صنع الأمويون صنع العباسيون. فضلا عن أن الشوري شيء والديمقراطية شيء آخر.
الحاكم في الديمقراطية يتبع ماتراه الأمة فإن لم يرض استقال, وإن لم يفعل أقيل. أما في الدولة الاسلامية فالحاكم يستشير, وله الحق بعد ذلك في أن ينفذ مايراه ولو خالف ما رآه الذين استشارهم.
ونحن نريد الديمقراطية. نريد دولة المواطنة التي لاتميز بين مسلم ومسيحي. نريد أن نكون نحن الأمة المصرية مصدر كل السلطات. ولهذا نريد الدولة المدنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق