اخر الاخبار

23‏/12‏/2011

مصر فى خطر بقلم د.حسن نافعة

تتنازع الساحة السياسية فى مصر الآن أربع قوى، لكل منها أجندتها وجدول أعمالها، ثلاث منها تعمل فى وضح النهار وتتمتع بقدر من الشرعية، ألا وهى: المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتيار الإسلامى بروافده المختلفة والقوى السياسية الأخرى التى لا تنتمى لهذا التيار، أما الرابعة فتعمل فى الظلام بعد أن فقدت شرعيتها، وتتمثل فى بقايا النظام المنهار، أو ما يمكن أن نطلق عليه «قوى الثورة» المضادة، وتضم قيادات الحزب المنحل وأجهزته الأمنية ورجال أعماله المتحلقين حول مشروع التوريث.
ويعتبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو القوة السياسية الأهم والأكثر تأثيراً على الساحة السياسية فى اللحظة الراهنة، نظرا لإمساكه بزمام أهم أداتين من أدوات القوة ونعنى بهما: السلطة السياسية والقوة العسكرية. ولأنه لم يكن جاهزا ولا مستعدا لأداء مهمة سياسية ألقيت على عاتقه فى ظروف استثنائية، فقد ارتكب أخطاء عديدة جعلته يبدو وكأنه امتداد للنظام القديم وليس وكيلاً مفوضاً لتحقيق أهداف الثورة، مما أدى إلى ظهور فجوة ثقة راحت تتسع تدريجيا، إلى أن وصلنا إلى حالة من الفوضى تكاد تضع الجيش فى مواجهة مباشرة مع الشعب. ولأن دماء سالت وأعراضا انتهكت، فقد وصلت أزمة الثقة إلى حدٍ دفع البعض إلى المطالبة بتنحية المجلس العسكرى وتسليم السلطة فورا إلى مؤسسات مدنية.

أما التيار الإسلامى، بروافده الإخوانية والسلفية والوسطية، فيستمد قوته الأساسية من الشارع ومن صناديق الاقتراع. وقد أثبتت الجولتان الأولى والثانية من انتخابات مجلس الشعب التى لم تنته بعد أنه الأقرب إلى الجماهير، خاصة البسطاء والأميين منهم، وأنه قد يحصل مجتمعا على أغلبية برلمانية تتجاوز الثلثين. ولأن هذه الانتخابات هى الأكثر نزاهة منذ عقود - رغم ما شابها من مخالفات - فلن يكون بوسع أحد أن يشكك فى نتائجها، غير أن هذا التيار لم يتمتع، للأسف، بالمرونة ولا بالنضج السياسى اللازمين لتمكينه من المساهمة الفعالة فى تجاوز صعوبات المرحلة الانتقالية. وجاء تمسكه بالانتخابات أولا - رغم قدرته على الفوز بالأغلبية سواء جرت هذه الانتخابات قبل الدستور أو بعده - ليزيد من المخاوف بدلا من تهدئتها وليصبح بالتالى جزءاً من المشكلة وليس الحل.

وعلى الرغم من أن التيارات التى لا تنتمى إلى الإسلام السياسى تبدو شديدة التنوع وحديثة التكوين على نحو يصعب معه التحول إلى كتلة متجانسة، فإنها تشكل مجتمعةً ثقلاً سياسياً لا يمكن الاستهانة به، قد لا يقل بحال من الأحوال عن ربع مقاعد البرلمان وربما يقترب من الثلث. ولأن هذه التيارات أظهرت فى مناسبات كثيرة أن بمقدورها أن تعمل بمفردها، وأن تنظم «مليونيات» ناجحة ومؤثرة، فقد أصبحت رقما فى المعادلة السياسية لا يمكن تجاهله، لا من جانب المجلس الأعلى، ولا من جانب تيار الإسلام السياسى.

كان يفترض أن تتمكن هذه القوى الشرعية الثلاث، التى وحدتها ثورة يناير ونجحت فى إسقاط رأس النظام القديم، من المحافظة على تماسكها، إلى أن تتمكن من بناء نظام جديد يتسع لها جميعا، ومن ترسيخ آلية توافقية تسمح بتداول السلطة وفقا لما تقرره صناديق الاقتراع، غير أن انقساماتها الأيديولوجية وصراعاتها الحزبية والشخصية الضيقة حالتا دون تحقيق هذا الهدف وسمحتا لقوى الثورة المضادة، ممثلة فى تحالف غير معلن بين قوى النظام القديم وقوى إقليمية ودولية لا تريد لمصر الاستقرار، أن تشعل فيها فتيل الفوضى، مستغلة كل المآسى التى تسببت فيها: الفقر والجهل والتفاوت الطبقى والفتنة الطائفية. تبدو مصر الآن على حافة بركان.

ورغم قناعتى التامة بأن الرصيد الوطنى للجيش لايزال كبيرا لدى الشعب المصرى، فإننى أظن أن رصيد المجلس العسكرى، من ناحية، ورصيد القيادات والنخب السياسية المتصارعة على المناصب والظهور الإعلامى، من ناحية أخرى، قد أوشكا على النفاد، إن لم يكونا قد نفدا بالفعل. ولتجنب انفجار وشيك قد يفضى إلى فوضى تمهد لانقلاب عسكرى فعلى جميع القوى أن تدرك أنه لن يكون بوسع أى منها أن تفرض منطقها ورؤيتها على الآخرين، وأنه لا مناص من التوافق على صيغة لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، تضمن نقل السلطة إلى مؤسسات مدنية فى أسرع وقت ممكن. وإلى أن يتم التوافق على مثل هذه الصيغة ستظل مصر فى خطر.

فكيف نتوصل إلى هذه الصيغة التوافقية، وما الجهة المؤهلة للوصول إليه؟..

هذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه فى المقال الأسبوعى يوم الأحد المقبل بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق