اخر الاخبار

21‏/12‏/2011

هل نحن دولة فاشلة؟ بقلم: د:أسامة الغزالى حرب

ماذا سوف يقول المؤرخون عن هذه الأيام الرمادية التي نعيشها اليوم في مصر؟
ماذا سوف يسجل التاريخ عن العام الأول في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين في حياة مصر التي هي واحدة من أقدم الأمم في التاريخ البشري؟ سوف يقول أن ذلك العام كان هو العام الأول في تاريخ مصر الطويل- الذي وجد المصريون فيه أنفسهم أمام مسئولية حكمهم, وتسيير أمورهم بأنفسهم: بدون قوة أو احتلال أو وجود أجنبي, وبدون حاكم فرد ديكتاتور: فرعونا كان أو إمبراطورا أو سلطانا أو واليا أو خديويا أو أميرا أو ملكا أو زعيما أو رئيسا أجنبيا كان أو مصريا! حالة فريدة لم تحدث في التاريخ المصري كله! بدأت في مساء
يوم 11 فبراير 2011 عندما أطاح المصريون لأول مرة أيضا في تاريخهم, ومن خلال ثورة شعبية حقيقية ورائعة, برئيسهم الديكتاتور!
ولأن هذه الثورة كانت شعبية وشاملة, بلا قيادة واضحة ومحددة, فإنها في لحظة الانتصار لم تفطن إلي أهمية وجود هذه القيادة كضرورة حاسمة لإدارة شئونها بعد الثورة, أي بعد الإطاحة بالنظام القديم! وكانت النتيجة, هي أن الرئيس المخلوع كان لابد أن يتنازل لجهة ما, لقوة ما, عن الحكم إنصياعا لإرادة الثورة- وكان من البديهي أن يقترن تخليه عن الحكم بتكليف القوات المسلحة لإدارة شئون البلاد! ليس فقط لأن ذلك كان هو الأفضل لاختياراته, بل لأن الثورة أيضا التي أطاحت به لم تكن مجسدة في هيئة أو تنظيم ما, جاهز لتسليم تلك السلطة!
وهكذا, وللمفارقة أو السخرية الكبري, كانت لحظة الذروة في الثورة, هي نفسها اللحظة التي بدأ الانتكاس والهبوط بعدها, حيث بدا وكأن الشعب قد سلم ثورته ومصيرها للقوات المسلحة كي تكمل هي المهمة, بدءا من 11 فبراير. والمسلسل وتداعياته كله معروف! وطوال ما يقرب من العام علي بدء الثورة فإن ما ساد في المشهد السياسي في مصر, أغلب ذلك العام المنصرم, كان إما فتنا وصراعات طائفية كادت في كل مرة تعصف بمصر وتقتل روحها, أو صراعات بين قواها السياسية. في أوائل العام, بعد نجاح الثورة في الإطاحة بمبارك, ثارت قضية الدستور أولا أو الانتخابات أولا, وارتبطت بوثيقة التعديلات الدستورية التي وضعها المستشار طارق البشري. وقرب نهاية العام, في نوفمبر الماضي, تجدد الجدال حول وثيقة د. علي السلمي, التي تحدثت عن مدنية الدولة, والتي أضعف منها للأسف- ما ورد في صيغتها الأولية من مواد تعطي القوات المسلحة وضعا استثنائيا فوق الدستور والقانون!
وعلي مدي العام تبلور الصراع السياسي في مصر حول تلك الوثائق, وما تثيره من قضايا, بين قوتين أو توجهين أخذا يتبلوران تدريجيا عبر الوقت, بين قوي لاتزال مصرة علي الشرعية الثورية, وترفض ما اتخذه المجلس العسكري ولا يزال يتخذه- من قرارات, وقوي أخري أخذت ترنو نحو التحول إلي الشرعية التي يرعاها المجلس- بدءا من الإخوان المسلمين ومرورا بغيرهم من القوي الحزبية القديمة حتي الكثير من القوي الجديدة!
وقد بدا هذا المشهد أوضح ما يكون في الأيام الأخيرة التي سبقت البدء في إجراء الانتخابات يوم 28 نوفمبر الماضي, والتي كانت احتجاجات الميدان قد تصاعدت فيها بعد اختيار د. الجنزوري لرئاسة مجلس الوزراء والذي حظي من ناحية أخري- بدعم الإخوان المسلمين!
ثم جاءت الانتخابات والتكتلات فيها, لتزيد من حالة الاستقطاب والتمايز بين قوي الميدان بدعم من بعض عناصر النخبة المدنية, وقوي الإخوان وغيرهما من القوي السياسية, إسلامية كانت أو مدنية, بدعم ضمني من الجيش, أو بتعبير مختصر (قوي المظاهرات, وقوي الانتخابات)! وليس هناك ما يدل علي أن ذلك الاستقطاب الذي شهدته المرحلتان الأولي والثانية قد ينتهي في المرحلة الثالثة, بل أنه استقطاب سوف ينتقل إلي المرحلة الثالثة, والأهم من ذلك أنه سوف يطبع بقوة التنافس السياسي في مصر لفترة غير قصيرة, ويؤثر علي خطواتها السياسية!
غير أن ما يثير الآسي والجزع هنا هو أن الأطراف الثلاثة أي: قوي الانتخابات, وقوي المظاهرات, والجيش, تورطت كلها في سياسات ومماراسات لا تخدم في النهاية مصلحة الوطن, ولا أهداف الثورة, وهو للأسف ما بدا في أحداث قصر العيني أول هذا الأسبوع. ولنتذكر هنا أن أعتصام قصر العيني أمام مجلس الوزراء كان سببه الأساسي هو احتجاج الشباب علي اختيار المجلس الأعلي للقوات المسلحة للدكتور الجنزوري, رئيسا لحكومة الإنقاذ التي نادوا بها, متجاهلا عشرات الشخصيات التي ارتبطت بالثورة وتمثلها! وهو احتجاج مفهوم ومشروع ومبرر! ثم كانت المحاولة الغاشمة لفض الاعتصام في أواخر نوفمبر هي التي أطلقت شرارة الاحتجاج والسخط ضد المجلس الأعلي. وإذا كان المجلس قد تصور أن بدء الانتخابات في 28 نوفمبر سوف يصرف الشباب عن احتجاجاتهم, فإن هذا لم يحدث! بل إنهم ذهبوا للانتخابات ثم عادوا لاعتصامهم وتظاهراتهم, أي سار بالتوازي مسارا الانتخابات والمظاهرات! ولكن ما هو أكثر ايلاما أن كلا من القوي المعنية لم تتجاوز في تعاملها مع تلك الأحداث الساخنة- حدود مصالحها الخاصة:- فالقوي المشغولة بالانتخابات, وعلي رأسها الإخوان المسلمون, انهمكت في معركتها الانتخابية, وتحضير القوائم وعد الأصوات! وتركوا أحداث التحرير وقصر العيني, في حين أن الإخوان علي الاخص كانوا يفاخرون بأنهم هم الذين حموا ثروات مصر, وشباب مصر في أثناء مظاهرات ثورة 25 يناير! وفي الواقع فإن ما صدر عن الإخوان من إدانة أو احتجاج علي أحداث قصر العيني, لم يتطرق إلي حريق المجمع العلمي المصري, وفق ما اطلعت عليه من بيانات!
والأمر نفسه ينطبق علي القوي الأخري المدنية- ليبرالية كانت أو اشتراكية أو ناصرية, فهي قد انشغلت بدورها بلعق جراحها, ثم إعادة ترتيب أوضاعها بما يضمن نتائج أفضل لها في المراحل التالية للانتخابات. ومرة أخري لم نر لها موقفا قويا حاسما لإدانة قسوة القوات المسلحة في التعامل مع المتظاهرين الحالية, والذي بلغ ذروته في الصورة التي يندي لها جبين كل مصري, والتي تناقلتها الصحافة الأجنبية للتعامل المشين من جانب بعض أفراد الجيش المصري (!) مع الفتاة التي انحسرت عنها ملابسها, وهي تتلقي ركلات أقدام الجنود!
أما بالنسبة للطرف الثالث, أي القوات المسلحة, فإنني ابتداء- أشعر بأنني كنت شخصيا مخطئا حينما ذكرت في لقاءين صحفيين سابقين, أنني أتصور أن يستمر حكم الجيش لسنتين أو ثلاث, لتتاح له الفرصة كاملة لإعادة بناء المؤسسات السياسية الدستورية. لقد كنت مفرطا في الثقة في أداء المجلس العسكري الذي توالت أخطاؤه للأسف الشديد- واحدة تلو الأخري! وأعتقد أنه كلما أسرع المجلس العسكري بتسليم مقاليد الأمور إلي السلطة المدنية الشرعية, كلما كان ذلك أفضل سواء للتطور السياسي في البلاد, أو للقوات المسلحة نفسها. إنني أعلم يقينا أن جانبا من أخطاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة تعود إلي قلة الخبرة السياسية وعدم التعود علي التعامل مع تعقيدات وتضاريس السياسة المدنية! ولكن حتي هذا القصور كان يمكن تعويضه من خلال التشاور والانفتاح المنتظم علي القوي المدنية, ومن خلال التحلي بفضيلة التواضع, والتعلم, والاعتراف بالأخطاء, خاصة أن معرفتي المباشرة ببعضهم تقطع لدي باخلاصهم وصدق نواياهم, ولكن وللأسف فإن نظرة متفحصة لإداء المجلس العسكري في اليومين أو ثلاثة أيام الماضية تقود إلي تناقص رصيده الايجابي لدي الشعب!
وأخيرا, كان من دواعي ارتياحي وأنا أنهي كتابة هذا المقال أن أطالع الأخبار حول اعتزام عدد من نواب مجلس الشعب المنتخبين وبعض الشخصيات العامة الدخول في اعتصام سياسي مفتوح لحين تشكيل لجنة تحقيق قضائية خاصة بشأن أحداث قصر العيني, ولكنني أيضا تعجبت وأنا استمع للواء عادل عمارة عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة مبررا ما حدث في التحرير, علي نحو لم يقنع أغلب المطلعين علي وقائع الأحداث, مكررا نفس اساليب وأخطاء النظام القديم في اللقاء الصحفي! ثم كانت المفاجأة المثيرة للضحك والرثاء معا, وهي إعلان اكتشاف أن المدبر الحقيقي وراء أحداث قصر العيني كان هو د.أيمن نور, أيضا تماما كما كان يحدث قبل الثورة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق