اخر الاخبار

23‏/12‏/2011

جراكن الكيروسين لا تزال تحكم مصر بقلم وائل قنديل

هذه العبارة كتبتها فى مقالى المنشور يوم 22 يناير الماضى، قبل الثورة بثلاثة أيام «فى مصر وزراء ومسئولون بدرجة «جركن جاز» وآخرون بدرجة ولاعة أو عود ثقاب، بعض هؤلاء دخلوا عالم السياسة بالصدفة، وآخرون بالوراثة، وصنف ثالث بالمصاهرة والنسب.
 كان ذلك تعليقا على أداء الحكومة المصرية وهى تتعامل مع انعكاسات المشهد التونسى على الأوضاع فى مصر، حين صم بعضهم أذنيه عن أصوات الغضب المتصاعدة حثيثا، وراح يصب الزيت على النار المشتعلة أصلا، متخذا قرارات ومقدما على إجراءات، وطارحا خطابا بائسا يزيد من الاحتقان.
إن وظيفة الحكومات فى كل دول العالم هى إدارة شئون البلاد على نحو يجعل قاطنيها أكثر اطمئنانا وسعادة، لكن فى مصر الآن سلطة لا تمارس سوى الترويع والتفزيع وإشاعة الرعب، وتأليب المواطنين على بعضهم البعض، مستخدمة فزاعات التدخل الخارجى والأساطيل الأجنبية المتوثبة للانقضاض على الوطن.. ولاحظ أن هذا الخطاب ذاته تردد على أوسع نطاق ليلة الخطاب الأخير للمخلوع، والذى انتظره الناس ليسمعوا منه اعتذارا عن الدماء التى أراقها نظامه، وإعلانا عن الرحيل عن السلطة، فإذا به يفجع الجميع بأنه مستمر وجاثم على صدورهم.
وأذكر فى تلك الليلة الحالكة أن منصات التوك شو امتلأت براجمى الثوار بمقذوفات الكلام الكاذب عن الأمن القومى المهدد، والبوارج الحربية المتربصة بنا فى المياه الإقليمية، ويطالبون المعتصمين أمام القصر الرئاسى بالعودة إلى منازلهم لأن الرجل «الرئيس» فعل ما عليه وزيادة، بل ويتهمونهم بإضاعة البلاد والعباد إن أصروا على رحيله عن السلطة.
ولعلك تذكر أنه فى صباح اليوم التالى رحل المخلوع عن السلطة، ولم نسمع أن الأعداء دخلوا مصر واحتلوها، كما أشاع قناصة التوك شو، ولم نر دبابات الناتو تمرح فى شوارع بلادنا، ولم يهتز الأمن القومى كما حاولوا إقناعنا.
والآن يتكرر الخطاب نفسه، بالعبارات والألفاظ ذاتها تقريبا، عن مؤامرة أجنبية لإسقاط مصر واحتلالها، بمناسبة الدعوات المتصاعدة لجمعة «رد الاعتبار لحرائر مصر» والاستعداد لفعاليات يوم 25 يناير، مرور عام على الثورة، ولو دققت جيدا فى الكلام ستكتشف أنه أرشيفى معاد إلى درجة الملل.
إن الذين يطلقون هذه الموجة العاتية من التخويف والترهيب يدركون جيدا أن كائنا من كان لا يجرؤ على التفكير فى الاقتراب من حدود مصر، لأنه يدرك تماما أن فى ذلك هلاكه، وأن ثمانين مليون مصرى جاهزون لالتهام أى مغامر يفكر فى العبث بوطنهم وأمنه.
لكنها الطريقة القديمة فى الاحتفاظ بالحكم عن طريق إشاعة الخوف بين المحكومين، وهى طريقة بليدة وبائسة، تعبر عن عجز وعدم كفاءة للإدارة، ذلك أن دور الإطفائى هو محاصرة الحريق والسيطرة عليه، وليس الاكتفاء بصناعته وتقديم وصف تفصيلى لخطورته وبشاعته.
توقفوا عن اللعب بالنار وارحموا شعبا عريقا لم يعرف فى تاريخه احترابا أهليا، ولا تصغروا وطنا كان وسيبقى كبيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق