اخر الاخبار

19‏/12‏/2011

مصير الثورة فى أيديكم جميعاً... فأنقذوها بقلم ضياء رشوان

إنها مأساة كل مرة، ولكنها هذه المرة أكثر خطورة وتهديداً لكل ما جرى فى مصر من تطورات كبرى منذ نجاح ثورتها وخلع مبارك قبل عشرة شهور. ككل مرة يبدأ الأمر إما بمليونية كبرى يتبقى منها بعد عدة أيام مئات أو عشرات من المعتصمين، أو باعتصام لنفس العدد تقريباً احتجاجاً على قضية محددة، ثم فجأة تحدث واقعة مجهولة يترتب عليها اندلاع اشتباكات أولية بين المعتصمين وقوى الأمن أو الجيش، تتصاعد فى خلال ساعات أو أيام قليلة ليسقط فيها عشرات من القتلى والجرحى، وتتسع الاشتباكات لينضم إلى المعتصمين آلاف جدد محتجين على استخدام العنف ووقوع القتلى والجرحى. وككل مرة، يتسع النطاق السياسى للاشتباكات وتتحول إلى أزمة جديدة تهدد فى معظم الأحيان الأوضاع السياسية المضطربة بطبيعتها والأوضاع الاقتصادية الآخذة فى الانهيار والأوضاع الأمنية التى يشكو منها كل المصريين.هذا هو السيناريو الذى تكرر بنفس الصورة لعدة مرات خلال الشهور الأخيرة، أمام مسرح البالون وماسبيرو وفى شارع محمد محمود، وهاهو يتكرر هذه المرة بصورة أخطر أمام مقرى مجلس الشعب ومجلس الوزراء. وتأتى الخطورة الكبرى للأحداث الحالية من أكثر من زاوية ليس منها مصرع وإصابة العشرات، فهذا وللأسف هو القاسم المشترك بين كل الأحداث، ولكن أهمها هو أن المشهد الظاهر للاشتباكات والضحايا يضع للمرة الأولى بوضوح القوات المسلحة المصرية فى موقع قوى القمع الأمنى التى تصطدم بمعتصمين وتوقع منهم عشرات القتلى والجرحى.

 للمرة الأولى يرى المصريون على شاشات التليفزيون ومواقع الإنترنت قواتهم المسلحة التى يحتفظون لها فى قلوبهم بكل الإعزاز والفخر والمحبة وهى تمارس ما اعتادوا رؤيته من قوى الأمن المركزى ووزارة الداخلية التى لم يحتفظوا لها فى يوم من الأيام بمشاعر ود أو اعتزاز. ولا شك أن تضخيم هذه المشاهد المؤسفة لأداء قوات الجيش المصرى من جانب كثير من وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وبعض من الناشطين والقوى السياسية، قد ساهم فى الأحداث الحالية فى مزيد من تراجع صورتها كحامية للشعب ورافضة دوماً لقمعه والاعتداء عليه.

ويبدو لافتاً أن تأتى أحداث مجلسى الشعب والوزراء أثناء المرحلة الثانية لانتخابات مجلس الشعب وبعد نجاح أمنى وانتخابى غير مسبوقين لعبت فيهما القوات المسلحة وقوات الداخلية دوراً مركزياً سواء فى تأمين الانتخابات ومقارها أو البلاد بوجه عام على خلاف كل التوقعات التى كانت تذهب إلى أن الانتخابات ستكون مصحوبة بفوضى أمنية غير مسبوقة. وهنا يبدو المعنى الثانى لخطورة الأحداث الحالية عن كل ما سبقها، ففى خلال ساعات قليلة تغيرت صورة الجيش المصرى لدى قطاعات من المصريين من الإيجابية الكبيرة التى خلقها دوره فى المرحلة الأولى من الانتخابات إلى السلبية الواضحة التى ركز عليها كثير من وسائل الإعلام والإنترنت وتصريحات الناشطين والسياسيين.

وهنا يظهر المعنى الثالث الخطير وربما الأخطر فى الأزمة الحالية وكل الأزمات السابقة، وهو الاستقالات المتتابعة لأعضاء المجلس الاستشارى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة التى قاربت حتى الآن نصف أعضائه تقريباً. فكما ذكرنا فى مقالنا السابق حول هذا المجلس والهدف من تشكيله فى التوقيت الحالى والدور المتوقع له القيام به خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية، فقد كان من المقرر أن يقوم بدور الوسيط العادل بين المجلس العسكرى وفرقاء الساحة السياسية المصرية المختلفين معه فى عديد من القضايا من جهة، وأن يمارس نفس الدور بين هؤلاء الفرقاء أنفسهم فيما يخص القضايا الرئيسية المختلفين حولها فيما بينهم.

وقد كان واضحاً فى تشكيل هذا المجلس الاستشارى أنه يضم أخلاطاً سياسية وفكرية وجيلية كانت سمتها الغالبة هى العناصر الأكثر اعتدالاً والأقل تورطاً فى الصراعات السياسية الرئيسية فى البلاد مع استثناءات واضحة قليلة، وذلك لكى يستطيع القيام بالدور المشار إليه.

من هنا فأن يقوم عدد كبير من أعضاء هذا المجلس الاستشارى بالاستقالة منه احتجاجاً على وقوع القتلى والجرحى فى أحداث مجلسى الوزراء والشعب وعدم قيام المجلس العسكرى بما رأوا أنه واجبه فى مواجهة الأحداث الخطيرة، فهذا معناه الوحيد الخطير هو أن حالة الاستقطاب التى كان من المفترض للمجلس الاستشارى أن يقوم بدور رئيسى فى تخفيفها بين المجلس العسكرى وبعض فرقاء الساحة السياسية، قد عادت بصورة أكثر خطورة من ذى قبل. وأن يحدث هذا الانهيار فى الوقت الحالى للمجلس الاستشارى الذى ما كاد يبدأ عمله يدل أيضاً على أن الأوضاع فى مصر قد باتت مقلقة إلى حد كبير وقابلة للاشتعال والانهيار بأسرع مما كان كثيرون يتصورون بعد بدء المرحلة الأولى لانتخابات مجلس الشعب ونجاحها.

وهنا يظهر المعنى الخطير التالى لأحداث مجلسى الوزراء والشعب، فالصدام الحالى والصدامات السابقة كلها كانت تبدأ وتنتهى بين المجلس العسكرى من جهة والذى يحمله المسؤولية من الجهة الثانية أطراف سياسية غير دينية ومحسوبة على مختلف الأطياف السياسية المدنية، بينما تظهر التيارات والأحزاب الدينية فى خلفية المشهد البعيدة تمارس نشاطها السياسى والانتخابى بكثافة دون أن تتورط لا فى الأحداث ولا فى الصدامات اللفظية والإعلامية والسياسية مع المجلس العسكرى.

ونتذكر جميعاً هنا أن رؤية هذه القوى الدينية لاعتصامات ثم صدامات نوفمبر السابقة على انتخابات مجلس الشعب كانت أن بعضاً من القوى المدنية التى قامت بها كانت تسعى إلى إيقاف الانتخابات لأنها أدركت أن حظها من النجاح فيها قليل وأنها بذلك كانت تريد قطع الطريق على النجاح المتوقع للقوى الدينية. أما وقد حققت هذه القوى الدينية فى المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات نجاحاتها غير المتوقعة من أحد وأن تقع الأحداث الدامية الحالية فى أثناء المرحلة الثانية، فلا أحد يضمن موقف هذه القوى فى تطورات وتداعيات الأزمة الحالية مما قد تعتقد أنه مؤامرة لإجهاض نجاحها الانتخابى ولا الأساليب التى قد تلجأ إليها للدفاع عما ترى أنه حقها الذى أعطته لها صناديق الانتخاب.

إن ملامح الأزمة الحالية الأكثر خطورة من الأزمات السابقة التى تبدو مشابهة لها يجب أن تدفع الأطراف الرئيسية فى البلاد إلى توقى مخاطر تطورها وتعقيدها بما قد يدخلنا إلى سيناريوهات كارثية حقيقية. ولعل الطرف الأول هنا هو المجلس العسكرى الذى عليه أن يسحب أولاً وقبل كل شىء قوات الجيش الموجودة فى منطقة الأحداث حفاظاً على هيبة وصورة القوات المسلحة ويحل محلها قوات وزارة الداخلية التى يجب أن تبقى فقط أمام المنشآت الحيوية للدولة لحمايتها تاركة الشوارع التى توجد فيها والمحيطة بها لكل من يريد الاعتصام السلمى فيها دون تدخل منها أو من قوات الجيش التى يجب أن تظل بداخل أفنية ومبانى منشآت الدولة الحيوية.

كذلك فعلى المجلس العسكرى أن يعقد اجتماعات فورية مع القوى السياسية الرئيسية فى البلاد، وأولها مع المجلس الاستشارى بكامل أعضائه بمن فيهم المستقيلون، لكى يضع أمامهم صورة الأحداث كما يراها وما يدعمها من معلومات إذا وجدت، وذلك وصولاً إلى إعلان نتائج هذه الاجتماعات فورياً على عموم المصريين بما فيها اعتذار المجلس العلنى عن أى أخطاء قد يكون بعض أفراد الجيش قد وقعوا فيها.

وقبل كل هذا فالمطلوب فورياً من المجلس العسكرى ومجلس الوزراء أن يشكلا لجنة تحقيق قضائية على أرفع مستوى فى البلاد للبدء فوراً فى معرفة الحقيقة وتوقيع الجزاء القانونى على كل الأطراف التى ساهمت فى المأساة الحالية التى تدور أمام مجلسى الشعب والوزراء.

أما الأطراف السياسية الأخرى وأولها القوى الدينية، فإن واجبها فى هذه اللحظة الحرجة ألا تندفع فى تصوراتها حول رغبة خصومها المدنيين فى إفساد نجاحها الانتخابى، بحيث تشتبك معها وتزيد الأمر تعقيداً، فعليها اليوم أن تطرح مبادرات للحوار والتفاوض بين مختلف الفرقاء المدنيين من جهة والمجلس العسكرى من جهة أخرى، وهو واجب يمليه عليها ما حصلت عليه حتى الآن من ثقة شعبية انتخابية عالية.

ويبقى أنه على القوى المدنية السياسية والحزبية الكبرى أن تكون هى الساعية إلى تهدئة الشباب الغاضبين والعمل مع القوى الأخرى لإعادة حقوقهم وحقوق شهدائهم وجرحاهم إليهم، بحيث يكون الهدف السياسى واضحا لها دون غموض وهو استكمال وتطبيق الجدول الزمنى لانتقال السلطة الذى تم التوصل إليه مع المجلس العسكرى بعد اعتصامات نوفمبر الماضى، فبدون هذا ستدخل البلاد إلى دوامة كبرى قد تنتهى بإجهاض ثورتنا العظيمة قبل أن يمر عليها عامها الأول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق