اخر الاخبار

02‏/12‏/2011

فى انتظار «جودو» بقلم د.حسن نافعة

فى عام ١٩٥٣ قام كاتب فرنسى من أصل إيرلندى، اسمه صموئيل بيكيت، بتأليف مسرحية بعنوان «فى انتظار جودو Waiting for Godot» خرجت عن كل ما كان مألوفا فى ذلك الوقت وبدت وكأنها تؤسس لنوع جديد من المسرح أطلق عليه فيما بعد اسم «مسرح العبث أو اللامعقول». فقد اتسمت بغموض فكرتها، وبخلوها من العقده التى ميزت المسرح التقليدى فى ذلك الوقت، وباستحالة العثور على حل لما تطرحه من إشكاليات.لذا بدت هذه المسرحية مبهمة للغاية ومفرطة فى رمزيتها، وظل النقاد يتجادلون حولها ردحا طويلا من الزمن، حتى بعد وفاة يكيت نفسه عام ١٩٨٩، وراحوا يتساءلون: من هو جودو هذا الذى ينتظره الجميع؟ وهل سيجىء حقا؟ ومتى؟ وماذا يمكنه أن يفعل؟.. إلخ. ورغم قناعة الجميع بأن جودو لن يصل أبدا، ظل الجدل حوله قائما حتى الآن!.

المشهد السياسى الماثل أمامنا الآن فى مصر يبدو منقولا مباشرة عن مسرح العبث أو اللامعقول. فمصر ما تزال تنتظر مقدم نظام ديمقراطى لا يريد أن يجيئ، رغم انقضاء تسعة أشهر بعد الثورة وتأكيد مختلف الأطراف المعنية أنهم يسعون جميعا لتحقيق هذا الهدف السامى. فلا أحد يعرف حتى هذه اللحظة ماهيته، ولا متى يجىء، وماذا بوسعه أن يفعل إن جاء. وعلى الرغم من أن الشك أصبح الآن هو سيد الموقف إلا أن الكل ما زال ينتظر مجهولا يبدو أنه لن يجىء ابدا. ففى مصر الآن:

 ١- حكومة أسقطها ميدان التحرير بعد أن عجزت، أو أعاقها المجلس العسكرى، عن أداء مهامها بما يتوافق مع أهداف الثورة وتحولت إلى «حكومة تسيير أعمال». ٢- رئيس وزراء مكلف بتشكيل حكومة يريدها البعض «حكومة إنقاذ وطنى» تملك من الصلاحيات ما يمكنها من إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية دون تدخل من المجلس العسكرى، بينما يريدها البعض الاخر «حكومة تكنوقراط» تنحصر مسؤوليتها فى الإشراف على بقية مراحل الانتخابات البرلمانية إلى أن تشكل حكومة طبيعية تعكس الأوزان الحقيقية للقوى السياسية كما عبرت عنها صناديق الاقتراع.

 ٣- مجلس عسكرى ما زال يمسك بكل الخيوط ويجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

هذا المشهد المعقد يثير جملة من الإشكاليات، أهمها:

١- إشكاليات تتعلق بالمدة المتاحة أمام حكومة الجنزورى وبالمهام المطلوب إنجازها خلال تلك الفترة. ولأن المنطق السليم يلزم المجلس العسكرى بتشكيل حكومة جديدة فور قيام سلطة تشريعية منتخبة، فلن يكون بإمكان حكومة الجنزورى القادمة ممارسة صلاحياتها بطريقة مرضية بعد الانتهاء من انتخابات مجلس الشورى فى منتصف مارس القادم واكتمال تشكيل البرلمان.

 ٢- إشكاليات تتعلق بطبيعة العلاقة التى يتعين أن تقوم فى مرحلة ما بعد انتخابات مجلس الشورى بين مجلس عسكرى مؤتمن، وبرلمان منتخب، وحكومة معينة. ولأن المنطق السليم يفرض على المجلس العسكرى ضرورة التخلى عن سلطته التشريعية لصالح البرلمان المنتخب، فإن اعتبارات المواءمة السياسية قد تفرض عليه فى الوقت نفسه تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان الجديد فور انتهاء الانتخابات التشريعية تفاديا لإثارة احتقان الشارع مرة أخرى. ولأن البرلمان سيكون هو المؤسسة الوحيدة المنتخبة فمن الطبيعى أن ينتقل مركز الثقل السياسى فى المرحلة القادمة من المجلس العسكرى إلى البرلمان.

 ٣- إشكاليات تتعلق بعملية كتابة الدستور. ولأنه يتعين أن يشارك الأعضاء المنتخبون فى مجلس الشورى فى اختيار اللجنة التى ستكلف بصياغة الدستور، فلن يكون بالإمكان بدء تشكيل هذه اللجنة قبل نهاية مارس القادم، أى فى الوقت الذى يفترض أن يكون فيه المجلس العسكرى على وشك الشروع فى الإعلان عن فتح باب الترشح لانتخابات رئاسية تمهد لتسليم السلطة إلى المؤسسات المدنية الجديدة المنتخبة.

يبدو أنه سيتعين على المجلس العسكرى، رغم ما اتسمت به الفترة الانتقالية من طول وما اكتنفها من تعقيدات وإشكاليات، أن يقوم بتسليم السلطة قبل الانتهاء من كتابة دستور جديد وبعد انتخابات برلمانية ورئاسية جرت وفق إعلان دستورى مؤقت.

 ولأن الدستور الجديد، والذى يفترض أن تكتبه لاحقا لجنة مشكلة من الأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى، قد يغير من بنية الهيئة التشريعية الحالية، بإلغاء مجلس الشورى ونسبة المقاعد المخصصة للعمال والفلاحين فى البرلمان، كما قد يغير أيضا من شكل النظام السياسى نفسه، بتفضيل النظام البرلمانى أو النظام المختلط على النظام الرئاسى الحالى، فقد تجد مصر نفسها بعد تسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية فى وضع يفرض عليها أن تبدأ من أول السطر. لذا يتعين أن نبدأ منذ الآن فى بلورة رؤية جديدة لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية. وربما يكون من الأفضل فى هذه الحالة:

 ١- إلغاء انتخابات مجلس الشورى. ٢- استمرار حكومة تسيير الأعمال حتى تشكيل مجلس الشعب الجديد فى يناير القادم. ٣- تشكيل حكومة «إنقاذ وطنى» تحظى بثقة البرلمان وتفوض بإنجاز الدستور الجديد والإشراف على الانتخابات الرئاسية، وهو ما يتطلب إصدار إعلان دستورى جديد.

حقا ما زلنا فى انتظار جودو!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق