اخر الاخبار

24‏/06‏/2011

حكايتى مع أم إبراهيم بقلم عمرو الليثى

ذات يوم كنت أصور حلقة من برنامجى (واحد من الناس) فى قرية كفر منصور، بمحافظة المنوفية، فقد اعتدت على تصوير مشاكل أهل بلدى فى الريف، والعشوائيات، وأطرحها من خلال برنامجى، وبعدما قمت بتصوير الحلقة عن مشاكل يلاقيها أهالى قرية كفر منصور، من عدم توفر المياه النقية والصرف الصحى والمستشفيات.. وكنت أستعد لأترك المكان جاءنى شاب من أهالى القرية وقال لى (هو انت مش هتقابل الست أم إبراهيم).. قلت له (مين أم إبراهيم).. قال (ست غلبانة وعيانة وبتاعة ربنا).. قلت لفريق التصوير يلا بينا نروح نشوف الست أم إبراهيم.. وبالفعل وصلت لغرفة أم إبراهيم..

وجدتها غرفة تحت الأرض، والنزول لها فى منتهى الصعوبة، أما الغرفة فهى لا تتجاوز ٢ متر فى ٢ متر، وليس بها مصدر إنارة، ومع ذلك فالغرفة كانت (منورة).. وجدت سيدة عجوزاً ينبعث من وجهها الضياء والأنوار الربانية تجلس على أريكة خشبية وتنام عليها، ولا يكاد يوجد فى الغرفة سوى تلك الأريكة و«قُلة» صغيرة بجانبها.. وبعد لحظات عرفت أن أم إبراهيم فقدت نظرها منذ سنوات طويلة.. للوهلة الأولى شعرت بقشعريرة انتابتنى..

ونفس الشعور وصل لزميلى المصور.. جلست بجانب أم إبراهيم أسألها عن أحوالها.. قالت: الحمد لله.. سألتها: فقدت بصرك من قد إيه؟ قالت لى: الحمد لله.. قلت لها: عايشة إزاى.. وبتصرفى منين؟

قالت لى: باخد ١٠ جنيه من الجامع، و٥٠ جنيه معاش.. قلت لها: ٦٠ جنيه يكفوكى؟..

ردت علىَّ بصدق نابع من القلب: (الحمد لله بيكفينى وزيادة).. المهم إن الإنسان يكون (قنوع).. وقالت: الرسول عليه الصلاة والسلام كان (قانع بما قسمه الله له).. فى هذه اللحظات فقدت كل قدرتى على إدارة الحوار، وتحولت إلى إنسان يجلس أمام أعظم شخصية رأيتها فى حياتى.. فقلت لها: ادعيلى يا أمى..

وإذا بـ«أم إبراهيم» تدعو لى ولجميع الناس وتدعو للرسول عليه الصلاة والسلام وتقول (يارب).. (ربنا ينصرك يا سيدنا محمد).. فى تلك اللحظات لا أستطيع أن أصف لكم مشاعرى ومن معى فى حجرة أم إبراهيم.. توسلت لها أن أحقق لها أى شىء.. ردت بشموخ وكبرياء (أنا مش عايزة حاجة).. سألتها عن أبنائها.. قالت لى: (عندى ٣ بنات أرامل وغلابة).. وفى نهاية لقائى بـ«أم إبراهيم» أغلقت الكاميرا والإضاءة.. ووقفت فى غرفتها لمدة ١٥ دقيقة، أسمعها وهى تناجى الله - عز وجل - وتقول: (يارب أنا مطلبتش غير منك.. وما ألجأش غير ليك)..

استمر دعاؤها ومناجاتها لله - سبحانه وتعالى - وقد أصابنى وزميلى ما أصابنا من مشاعر.. المهم بعد لحظات عدت إلى القاهرة.. وكانت كل أمنياتى أن أفعل أى شىء لـ«أم إبراهيم».. وفى النهاية قلت لماذا لا أوفر لها شقة تعيش فيها حياة كريمة.. وبالفعل وخلال يوم وفرت لها شقة، وقررت أن أسافر مرة ثانية لأسلمها الشقة.. وفى طريقى مرة أخرى لـ«كفر منصور» لألتقى بالغالية أم إبراهيم.. وما إن وصلت إلى هناك وذهبت إلى غرفتها حتى بلغنى النبأ..

 لقد ماتت أم إبراهيم وهى تصلى العصر - وانتقلت للقاء ربها.. وبدلاً من تسلمها مفتاح شقتها الجديدة صلى الجميع عليها.. إن أم إبراهيم هى نموذج رائع للرضا والزهد والقناعة والحمد والصبر.. رحم الله أم إبراهيم.. ورحم الله فقراءنا.. فلهم الأجر عند الله - سبحانه وتعالى - على ما يقاسونه فىالحياة الدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق