اخر الاخبار

06‏/06‏/2011

بين كاتبة وكاتبة.. ما بين الثَرى والثُريا بقلم د.طارق الغزالى حرب

فى يوم السبت ٢٨/٥ قادتنى المصادفة إلى قراءة مقالين أحدهما بعد الآخر مباشرة، أولهما بصحيفة «المصرى اليوم» والثانى بصحيفة «الأهرام» الصادرتين فى نفس اليوم. لم أستطع أن أمنع نفسى من المقارنة بين المقالين خاصة أن كليهما كانا بقلمى سيدتين كاتبتين، وأنهما تناولا الأحداث التى يمر بها وطننا الغالى فى ظل ثورة مستمرة حتى تمام النصر كما ينادى بذلك شبابها وشيبها. هالنى الفارق فى الفِكر والتعبير والألفاظ بين الكاتبتين، فقررت أن أعرض أجزاءً مما كتبته كل منهما، حتى يتأكد القُراء أن هناك فى مجال الإعلام -
كما هو الحال فى مجالات عديدة أخرى - الكثير من أعداء الثورة والحاقدين عليها من خدم النظام الساقط السابق الذين استفادوا من فساده، مازالوا بيننا ينفثون سمومهم ويُشيعون اليأس والإحباط بين الناس وفى خيالهم المريض أن عقارب الساعة يمكن أن تعود إلى الوراء، وأن المارد الذى انطلق من القمقم قد يرتضى العودة والحبس مرة أخرى.. فى نفس الوقت الذى مازال فيه على أرض مصر الطيبة الذين يُبشرون بالأمل ويُشيعون البهجة وينثرون الورود على الطريق فى مقابل من يلقون بالأوحال والأحجار .
المقال الأول بصحيفة «المصرى اليوم» لطبيبة كاتبة - عرفها الناس بعد عرض مسلسل لها ملىء بالأغلاط التاريخية ولكنه نجح جماهيرياً بسبب انتشار الجهل بين عامة الناس - كانت تتهكم فيه على تصريح لوزير الخارجية الخبير المحترم د. نبيل العربى الذى أجمعت على اختياره جميع الدول العربية أميناً عاماً لها، صرح فيه بأن ما تشهده مصر بعد الثورة من إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية سيضاعف من دورها التاريخى ويحقق لها الريادة التى تستحقها، فكتبت فى مقالها المنشور، بصحيفة «المصرى اليوم» ما نصه: «أنا مش عارفة مين المجنون فينا؟ البلد خربانة ومصانع فى أكتوبر بتقفل وفى العاشر بتقفل والخواجات قفلوا وروحوا من بدرى، وحتى رجال السفارات الأجنبية وأمريكا يحذرون رعاياهم فى الخفاء ويدعونهم لترك مصر.. ومصر ستعود لريادة العالم والمنطقة وهى مش عارفة تأمن قسم شبرا الخيمة ولا جزيرة الوراق ولا ضابط عارف ياخد مخالفة ولا يكلبش عربية.. أمال لو كنا كويسين كنا بقينا رواد إيه؟» وبعد كثير من الغمز واللمز حول الفلسطينيين ومن يؤيدونهم من الشباب المصرى، امتدحت الكاتبة المُستفزة تصريحات نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى أثناء زيارته الأخيرة لأمريكا فوصفتها بنص تعبيرها: «بالقاصمة الفاصلة الحاسمة الصادقة»!! غلى الدم فى عروقى بعد قراءة ماكتبته هذه السيدة، وشاء الله أن أفتح صحيفة «الأهرام» بعدها مباشرة لأجد أمامى مقالا للكاتبة الرائعة سناء البيسى لينزل برداً وسلاماً على قلبى..
 كان المقال الجميل رسالة عِتاب إلى د. فاروق الباز العالم المصرى الكبير، لتكرار تصريحاته التى يثنى فيها على شباب الثورة ولكنه دائماً يضيف إلى ذلك وصفه لجيل الكبار بالجيل الفاشل الذى ارتضى الخضوع والاستسلام والتحرك فى الدروب كقطيع فى طاعة الفرعون.. اقرأوا ماكتبته الإنسانة المحترمة راقية الأسلوب والمعانى فى عِتابها: «ياكاشفاً بالعلم والمعرفة والتفوق مسار الأقمار والنيازك والمجرات.. نحن معاً، جيل الثورة، وجيل سبقه - ليس فاشلا - سوف يسيران معاً فى طريق الحلم والأمل، وفى الغد سوف تستقر الأمور شيئاً فشيئاً ويسترد الوطن عافيته تدريجياً، ولكن فى مناخ جديد سِمته الحرية والكرامة والمشاركة السياسية، وسوف نقول وداعاً للوضع الأمنى غير المستقر الذى نشاهده فى الصباح التالى لأى ثورة متمثلا فى انهيار الأجهزة الأمنية والبوليسية التى كان يرتكز عليها النظام المنهار.. لكن على المدى المتوسط والطويل هناك هواء الحرية والكرامة واحترام الذات، والانخراط مع دوران عجلة المستقبل لابد قادم لا محالة»..
 وتضيف الكاتبة المُبدعة: «نجاح ثورة الشباب من أسبابه الحاسمة التفاف الشعب حولها، حول الأبناء، وجيلنا كان ضمن الشعب الذى صنع الالتفاف، أما عن إزاحة الأجيال السابقة تماماً من المشهد الثورى واتهامها بالفشل فمعناه الوحيد حرمان الثورة من خبرائها.. فإذا كان الشباب هو القلب فأجيال الخبرة هى الشرايين، ولا يأتى تصور ثورة تحارب الفساد بلا خبرة الأجيال». هكذا كتبت كاتبتان فى يوم واحد..
وقد رأيت أن أعرض أجزاء مما كتبت كل منهما لعلى أساهم، ولو بقدر ضئيل، فى رفع مستوى إدراك الشعب المصرى بضرورة اليقظة والحذر والانتباه لما يسمعه ويقرأه فى سوق الإعلام الصاخب هذه الأيام، الذى اختلط فيه الحابل بالنابل والغث بالثمين والصالح بالطالح. وعلى العموم، أنا أثق بذكاء الشعب المصرى وقدرته الفذة على الفرز والانتقاء، والتمييز بين من يتبع هواه فيدير له ظهره ولايلتفت إليه، ومن يتبع هوى الله والوطن فيأخذ عنه.. إنه بالتأكيد يعلم مابين الثرى والثُريا من فارق ومسافة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق