اخر الاخبار

24‏/06‏/2011

حاجة مصر إلى مجلس للأمن القومى بقلم حسن نافعة

كنت قد أشرت فى أكثر من مناسبة إلى فوضى السياسة الخارجية المصرية، وضربت أمثلة محددة على بعض مظاهرها، ومنها إسناد ملفات حساسة إلى أشخاص أو جهات بعينها، كتكليف صفوت الشريف بإدارة ملف العلاقة مع ليبيا، وعمر سليمان بإدارة ملفات العلاقة مع إسرائيل ومع السلطة والفصائل الفلسطينية ومع السودان ومع إيران، بل وصل الأمر إلى حد إمساك جمال مبارك، وبعض رجال الأعمال المحيطين به، بملف العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية فى السنوات الأخيرة.

ولم تكن هذه الفوضى سوى نتيجة طبيعية لغياب الرؤية والافتقار إلى التنسيق بين الأجهزة والمؤسسات المعنية، ومن هنا مطالبة الكثيرين بضرورة تشكيل مجلس أمن قومى يكون مسؤولا عن صياغة ومتابعة سياسة مصر الخارجية والتنسيق بين الأجهزة المعنية بتنفيذها، وهو تقليد تحرص عليه الدول التى ترغب فى أن تكون لها سياسة خارجية نشطة ومتجانسة وفعَّالة.

وبالأمس نشرت صحيفة «الأهرام» نص مذكرة بعث بها الدكتور نبيل العربى إلى مجلس الوزراء، يقترح فيها على المجلس تبنى فكرة «إنشاء مجلس للأمن القومى فى مصر تتولى وزارة الخارجية أمانته العامة، وتمثل فيه بصفة دائمة وزارات الخارجية والداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية المختصة، على أن يشارك فيه الوزراء المعنيون بالموضوعات محل البحث». كما اقترح فى الوقت نفسه أن يقوم مجلس الوزراء، وبعد استطلاع رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، «بصياغة إطار هيكلى للمجلس المقترح، كى تصبح الفكرة جاهزة للعرض على رئيس الجمهورية القادم عند توليه مهام منصبه». وقد أسعدنى حماس الدكتور نبيل العربى - الذى يستعد الآن لتسلم مهام منصبه الجديد كأمين عام لجامعة الدول العربية - لهذه الفكرة، وتوصيته بوضعها موضع التنفيذ قبل مغادرة منصبه.

ويبدو واضحا أن تجربته القصيرة فى العمل كوزير للخارجية المصرية قد رسخت لديه القناعة بأن «الشخصنة» هى الآفة الرئيسية التى تعوق الانطلاق، وأن «المؤسسية» هى الحل الوحيد. لذا كان الدكتور العربى محقا حين أشار فى مذكرته إلى «تشعب وتشابك الموضوعات ذات الصلة بالسياسة الخارجية»، وإلى «أهمية أن يتم اتخاذ القرار فى السياسة الخارجية بناء على دراسات دقيقة من قبل مختلف الأجهزة المعنية»، كما كان محقاً حين أشار إلى تجربة مهمة كان الرئيس السادات قد لجأ إليها عند إعداده لحرب أكتوبر، حين قام بتشكيل مكتب للأمن القومى برئاسة مستشاره الخاص، أدت إلى تنسيق مثمر بين الأجهزة المعنية بالأمن القومى والسياسة الخارجية.

مذكرة نبيل العربى توحى بأن فاعلية السياسة الخارجية لا تتوقف على كفاءة الوزير بقدر ما تتوقف على طريقة عمل مؤسسات النظام ككل، وهى نظرة صائبة تماما.

غير أننى لست متأكداً من أن مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للقوات المسلحة سيوليانها ما تستحقه من اهتمام. فالمجلسان غارقان حتى أذنيهما فى مشكلات صغيرة تتعلق بإدارة الحياة اليومية، ولم نر منهما حتى الآن ما يشير، من قريب أو بعيد، إلى أنهما مهمومان بطرح رؤى أو أفكار استراتيجية تتعلق بصناعة المستقبل.

وربما يعود السبب فى ذلك إلى تصورهما الخاطئ لطبيعة المرحلة الانتقالية وللدور الذى يتعين عليهما القيام به، الذى يبدو أقرب إلى «تصريف الأعمال» منه إلى التخطيط الاستراتيجى. ولأن المراحل الانتقالية، خصوصا تلك التى تعقب الثورات الكبرى، هى أكثر المراحل التاريخية خطورة وأعمقها تأثيرا فى صنع المستقبل، فمن الطبيعى أن تشكل عملية بناء المؤسسات فيها أهمية حاسمة.

لذا فإن لم تنجح مصر فى إدارة المرحلة الراهنة بطريقة تؤدى إلى إزالة العقبات التى كبلتها فى الماضى وبناء نظام وهياكل مؤسسية قادرة على أن تشكل روافع قوية للنهضة، فسوف تنتكس من جديد. غير أنه يصعب أن ننتظر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى آلت إليه سلطة لم يكن يتوقعها ولا يرغب فى الاحتفاظ بها، أو من مجلس وزراء، الذى لا نعرف من أين أتى ولا من يمثل بالضبط، خيراً كثيراً. ويكفى أن ينظر الإنسان إلى شوارع القاهرة وإلى أكوام القمامة المتراكمة ليصاب بالاكتئاب من جديد.

ما الذى يمنع المجلس الأعلى للقوات المسلحة من تشكيل مجلس أمن قومى يدير سياسة مصر الخارجية ومجلس حكماء يدير سياستها الداخلية تحت إشرافه فى تلك المرحلة الانتقالية الخطرة، التى يبدو أنها ستطول أكثر بكثير مما كان مقدراً فى البداية، إلى أن يتمكن الشعب من اختيار ممثليه فى رئاسة الدولة وفى البرلمان؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق