اخر الاخبار

10‏/06‏/2011

هل هناك صراع مع النخبة؟ بقلم محمد سلماوى

فى بعض الأحيان يخيل إلىَّ أن الإعلام يحرص على تأجيج الصراع داخل المجتمع، أياً كانت طبيعة هذا الصراع، طائفياً أو فئوياً أو حتى رياضياً بين نادٍ وآخر، حتى يضمن ما يتصور أنه برامج ناجحة تتحول إلى ما يشبه حلبة المتصارعين.
لقد انتعش الإعلام فى الفترة الأخيرة وهو يوهمنا بأنه يرصد الأحداث المتكررة للفتنة الطائفية التزاماً بمبدأ الحيادية وتطبيقاً لمتابعة الأحداث عن قرب، لكن على الإعلام أن يسأل نفسه: هل ساهم بتغطيته تلك الأحداث وما أقامه حولها من برامج ومحاورات فى تهدئة الوضع، وتقريبنا من الحل الذى طال انتظاره، أم أن مساهمة الإعلام فى ذلك الحريق الخطير زادت ألسنة اللهب اشتعالا؟

وبالمثل فإنه على الإعلام أن يوجه لنفسه أسئلة أخرى مماثلة، فيما يتعلق ببقية الصراعات التى خرجت عن إطارها الطبيعى بفضل الإعلام الذى يبدو أن عياره قد انفلت بعد إلغاء وزارة الإعلام، مثل المواجهة بين الشرطة والشعب أو بين الاتجاه الدينى بشقيه الإخوانى والسلفى وبين من يسعون لإقامة المجتمع المدنى الديمقراطى الحديث، الذى قامت من أجله الثورة، ثم أخيراً ما يحاول الإعلام تأجيجه من صراع مفتعل بين الشعب والنخبة المفكرة.
ونحن لا ندعى أن مثل هذه الصراعات من صنع الإعلام، فهى موجودة بالفعل ولها أسبابها الموضوعية، ولكننا نناقش دور الإعلام فى كل منها وهل كان بناء ساهم فى توصيلنا إلى بر الأمان أم أنه استثمرها فى الترويج لبرامجه التى تعودت على مدى السنوات أن يتمحور الحديث فيها عن الكرة مثلاً، ليس عن اللعبة نفسها وقواعدها وتطورها وكيفية وصولنا إلى المستويات العالمية، وإنما على الصراع بين الأهلى والزمالك، وإذا تطور هذا الصراع ليتعلق بعلاقة مصر الاستراتيجية بأشقائها العرب، فإن ذلك يكون يوم الهنا الذى يضمن للإعلام نسبة مشاهدة غير مسبوقة يتحول فيها مذيعو البرامج الرياضية إلى محللين سياسيين يقودون الرأى العام إلى مواجهة خطيرة مع دولة تربطنا بها علاقات أخوة تاريخية، لا يجوز أن تعبث بها الكرة أو من يقدمون برامجها فى التليفزيون.
ومن المؤسف حقاً أن الأسلوب القديم الذى درج عليه الإعلام فى مرحلة ما قبل الثورة هو نفسه الأسلوب الذى نراه أمامنا الآن وإن تغيرت وجهته من جانب إلى آخر، فبدلاً من توجيه النيران إلى صدور المعارضة، أصبح الإعلام الآن يستخدم أسلوب الإثارة نفسه فى توجيه النيران إلى النظام السابق وأتباعه من المساجين أو الهاربين أو ما أصبح يسمى فلول النظام، الذى أضفى عليهم الإعلام قدرات غير عادية فى التحكم فى كل شىء فى البلد.
بل إننى أرى أن بعض الإعلام بدأ يطور من أسلوبه بحيث لم يعد ينتظر أن يلوح فى الأفق صراع جديد حتى يلتقطه ويقيم حوله حلبات المصارعة وإنما أصبح يعمل على اختلاق مثل هذه الصراعات، وآخر مثال على ذلك هو ما بدأت بعض البرامج تلوكه الآن حول الصراع بين النخبة المفكرة والشعب، فى وقت لم يكن المجتمع فيه أكثر احتياجاً لتلك النخبة وإسهاماتها الفكرية فى عملية إعادة البناء التى نتطلع إليها، فتلك النخبة هى المنوط بها وضع خارطة الطريق التى مازالت غائبة، ولا يعرف المجتمع إلى أين هو ماضٍ، وهى المنوط بها تحديد شكل الدولة الجديدة وفق ما عبرت عنه الثورة من نظام ديمقراطى مدنى يقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية،
وقد كان المتصور أن يكون الإعلام هو أداة النخبة المثقفة فى إدارة الرأى العام نحو هذا الاتجاه البناء الذى يساعدنا على تخطى مرحلة عدم الاستقرار المضطربة التى نمر بها الآن، لكننا وجدنا بعض البرامج وقد بدأت تعقد المواجهات بين النخبة والرأى العام الشعبى لتطلب من المثقفين الرد على الاتهام، مختلقة أنهم منعزلون إن لم يساهموا بالرأى، أو أنهم يحاولون فرض وصايا على الشعب إذا هم أسهموا بالرأى.
إن هذا الأداء المتخلف لبعض أجهزة الإعلام يجعله يساهم دون أن يدرى فى تأجيج الصراع الآخر والأخطر مع أصحاب الاتجاه الدينى، الذين يريدون للمجتمع أن يتوقف عند نتائج الاستفتاء الأخير، التى تخدم أغراضهم فلا يفتح أحد فمه فى هذا الحديث، بالرغم من أن بنود الاستفتاء لم تعد ذات معنى بعد أن صدر الإعلان الدستورى الذى حل محلها كوثيقة دستورية مؤقتة تحكم الوضع القائم إلى حين وضع الدستور الجديد.
إننا فى مرحلة حرجة تتطلب مساهمة صاحب كل فكر فى حوار مجتمعى بناء لنبنى الدولة الجديدة التى نريدها وما لم يساهم المثقفون والمفكرون والأدباء والكتاب وأصحاب الرأى فى هذا الحوار فسنبقى حيث كنا مع النظام القديم، الذى لم يكن يؤمن كثيراً بدور المثقفين فى صناعة القرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق