اخر الاخبار

08‏/06‏/2011

الثغرات فى قانون مجلس الشعب بقلم د. منار الشوربجى

من يقرأ مشروع قانون انتخاب مجلس الشعب يجد أن بعض مواده لا تصب فى تحقيق أولوياتنا الملحة فى هذه المرحلة فى حين غابت عنه مواد أخرى لا تستقيم دونها العملية الانتخابية.

فالذى نريده من أى قانون يصدر الآن هو أن يسهم فى إرساء حياة ديمقراطية سليمة، والذى نريده من قانون مجلس الشعب تحديدا هو أن يضع نهاية لكل صور تزوير إرادة الناخبين والتلاعب بها. ومن هنا، فلا يمكن مناقشة مشروع القانون الذى أعلن مؤخرا إلا من واقع تحقيقه الأهداف الأكبر، خاصة أن هذا القانون تحديدا بإمكانه أن يسهم فى علاج بعض العلل، التى تعوق التحول الديمقراطى الحقيقى.

فمن أهم علل السياسة فى مصر ضعف الأحزاب. فقد قام النظام السابق بعملية اغتيال منظمة للحياة الحزبية فى مصر، عبر إغراق الساحة بأحزاب كرتونية لا وجود لها فى الشارع وحرمان الأحزاب الجادة من أى فرصة للعمل السياسى الحقيقى إما عبر حبسها فى مقارها والتضييق عليها أو عبر منعها أصلا من الوجود الشرعى عبر لجنة الأحزاب، التى كان يسيطر عليها الحزب الوطنى، وكانت النتيجة أن ضمرت الأحزاب وتشوهت الحياة الحزبية، التى تم تفريغها من محتواها.

ولايمكن إقامة نظام ديمقراطى دون أحزاب حية قادرة على التنافس. لذلك، إذا كان هدفنا تقوية الأحزاب الضعيفة ودعم الأحزاب الناشئة بعد الثورة، فإن آخر ما يمكن اللجوء إليه هو الانتخاب بالنظام الفردى لثلثى المقاعد أو حتى لثلثها، فالنظام الفردى بطبيعته يضعف العمل الحزبى، ويخدم الأحزاب الكبيرة على حساب الصغيرة، فهو نظام يسمح بأن تكون الانتخابات فى كل دائرة معيارها شخص المرشح لا انتماؤه السياسى، فكل ما يحتاجه الناخب فى النظام الفردى هو أن يعرف المرشح كفرد ويقارنه بغيره، فتصبح معايير الاختيار هى شخصية المرشح وسمعته وإنجازاته الشخصية وليس انتماءه الحزبى وبرنامجه السياسى. لذلك، فهو نظام يكرس سطوة العائلات والقبائل، ويخدم علاقة النائب بالدائرة، بينما يضعف العلاقة بين الناخب والأحزاب.

ولذلك، تكون الأحزاب الأكبر هى وحدها المستفيدة من هذا النظام لأن بإمكانها الحصول على أغلبية المقاعد عبر ترشيح رموز فى كل الدوائر، بينما تحرم الأحزاب الصغيرة حتى من مجرد الوجود فى البرلمان، لأنه لو تصورنا أن حزبا حصل فى كل الدوائر على ٢٥% من أصوات الناخبين، فإنه لا يحصل على أى مقعد على الإطلاق فى البرلمان مادام حصل غيره على نسبة أعلى. فلأنها انتخابات فردية فإن المقعد الواحد يفوز به من حصل على الأغلبية ولا يحصل الآخرون على شىء.

أما نظام القائمة النسبية، فيختار فيه الناخب الأحزاب لا الأفراد. فهو يختار قائمة من القوائم بكل من فيها من المرشحين. لذلك، يكون على الناخب أن يهتم بمعرفة أفكار الأحزاب المختلفة صاحبة هذه القوائم وأيها يحقق مصالحه، الأمر الذى ينعش التنافس على أساس برامج الأحزاب لا على أساس شخصية المرشح.

 وفى نظام القائمة النسبية يحصل كل حزب على تمثيل فى البرلمان يماثل نسبة ما حصل عليه من الأصوات. لذلك يحصل حتى الحزب الذى فاز بنسبة ضئيلة من الأصوات، تصل إلى ١٠% مثلا، على مقعد أو أكثر فى البرلمان، بينما لا يحصل على شىء مطلقا فى النظام الفردى، كما قلنا، ودخول الأحزاب الصغيرة البرلمان يجعلها طرفا فى العملية السياسية فيتطور أداؤها. لكن ما غاب عن قانون الانتخاب لا يقل أهمية عما جاء فيه.

فقد غابت المواد التى تضع حدا للتلاعب بإرادة الناخبين، فلم يتضمن القانون نصا يجرم الرشاوى الانتخابية، المادية والعينية، وعقابا رادعا لمن يستخدمها، ولم ينظم القانون صور الدعاية الانتخابية. فهو لم يضع تعريفا واضحا لما يدخل فى باب الدعاية الانتخابية، ولا هو جرّم استخدام الشعارات الدينية والطائفية، ولم يتعرض لما يجوز وما لايجوز لوسائل الإعلام المختلفة القيام به طوال الحملة الانتخابية، كما غابت عن القانون أيضا المعايير التى تنظم رسم الدوائر الانتخابية. فعملية رسم الدوائر ليست محايدة إذ يمكن تطويعها لمصلحة حزب أو شخص.

والأخطر من هذا كله أن القانون لم ينظم دور المال فى الانتخابات، إذ ينبغى أن ينص القانون على أن يتقدم كل مرشح ببيانات تفصيلية موثقة عن كل جنيه يتلقاه كتبرع لحملته الانتخابية، بدءا بهوية المتبرع وحجم المبالغ التى تبرع بها وصولا لأوجه الإنفاق التى ذهبت إليها تلك الأموال، ويتحتم أيضا الإفصاح عن الأموال التى ينفقها المرشح من جيبه الخاص لشغل الوظيفة السياسية، وينبغى أيضا تحديد سقف الأموال التى يحق للمرشح إنفاقها طوال حملته الانتخابية حتى لا يفوز فى الانتخابات مَنْ يدفع أكثر.

وكم كنت أتمنى أيضا أن يضعنا القانون على أول طريق إخراج وزارة الداخلية بالكامل من السياسة عبر إنشاء هيئة مدنية تنقل إليها كل الوثائق والسجلات المتعلقة بالعملية الانتخابية، وتؤول لها كل المهام والصلاحيات التى ظلت من اختصاص وزارة الداخلية. فنحن فى حاجة ماسة لوضع نهاية لتسييس الأمن ولإدارة السياسة بمنطق أمنى، وهو ما يخدم الديمقراطية ويحرر الداخلية من أعباء ليست من اختصاصها فتركز على مهامها الأصلية الجسام المتعلقة بأمن المواطن المصرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق