اخر الاخبار

10‏/06‏/2011

حديقة الإنسان وحديقة الحيوان بقلم عمرو الليثى

منذ حوالى ثلاثة أعوام وأنا أتنقل من عشوائية إلى أخرى، كانت هذه المرة الأولى لى فى حياتى التى أنزل فيها إلى عشوائية من العشوائيات.. كانت البداية عندما قررت تصوير أول حلقة من حلقات برنامج «واحد من الناس» فذهبت إلى مقابر الشافعى وهناك التقيت سيدة بسيطة، اسمها أم مختار، تبلغ من العمر سبعين عاماً وتعيش فى المقبرة ومعها حفيدتها التى تركت المدرسة للتفرغ للعمل فى المنازل لتنفق على جدتها.. سألت أم مختار كيف تعيشون فى المقبرة وفى العراء.. قالت الحمد لله.. سألتها لديكم ماء أو كهرباء قالت لى «لا»..

 سألتها وأين تقضون حاجتكم، فأشارت إلى برميل موضوع فى المقبرة وقالت لى فى هذا البرميل.. شعرت بالأسى والألم لما شاهدته وتركت أم مختار وبعد يومين قدر لى أن يتبرع فاعل خير بشقة لأم مختار ويدخل حفيدتها المدرسة ويرسل لها راتباً شهرياً.. وحمدت الله وقلت كيف يستطيع إنسان أن يعيش فى المقابر.. ولكن ما هى إلا أيام وسافرت إلى بورسعيد وتحديداً فى عشوائية اسمها زرزارة.. وهناك شاهدت ما لم أشاهده فى المقابر.. شاهدت أناساً يعيشون فى عشش من صفيح وقش.. ليس لها سقف يحميهم من برد أو مطر أو حر..
آلاف يعيشون فى تلك العشش ويقضون حاجتهم فى العراء.. كما لو أننا عدنا بالزمن إلى آلاف السنين.. شاهدت بركة مياه كبيرة يسبح فيها أطفال، فى البداية اعتقدت أنها امتداد للبحر ولكن فوجئت بأن البحر على الجانب الأخر وما هذه البحيرة التى يسبح فيها الأطفال إلا بحيرة صرف صحى، وقال لى أهل زرزارة إن بعض الأطفال قد غرقوا فى هذه البحيرة.. وفى نفس الوقت وجدت أطفالاً لدغتهم الثعابين بسمومها.. وطفلاً أكل الفأر أذنه.. تحسرت وقلت فى نفسى هل معقول ما أشاهده؟
وصرخت فى الميكروفون وقلت ألا يكون فى هذه الدولة مسؤول محترم يشعر بهؤلاء البشر الذين هم من رعايا جمهورية مصر العربية، لكن للأسف لا مجيب.. سألت نفسى وقلت إن حديقة الحيوان فى الجيزة، الحيوانات فيها تنعم بالرعاية الطبية والمياه النقية وحتى الإنارة.. أما هؤلاء المصريون فلم يحصلوا حتى على الحقوق التى تحصل عليها الحيوانات فى حديقة الحيوانات.. وبعد عودتى إلى القاهرة بدأت رحلتى مع العشوائيات.. فوجئت بأن لدينا أكثر من ألف منطقة عشوائية فى مصر.. يعيش فيها ملايين المصريين الصابرين على هذا البلاء..
ففى منطقة رملة بولاق التى تقع خلف البرجين الشهيرين على النيل يعيش فيها أكثر من عشرة آلاف إنسان حياة مؤلمة. شاهدت فيها الحمار ينام فى العشة نفسها بجوار صاحبه..
شاهدت أسرة مكونة من ٨ أفراد يعيشون فى غرفة تحت شريط القطار وكلما تحرك القطار اهتزت الغرفة وسقطت محتوياتها بخلاف أن ٨ أفراد ينامون بجانب بعضهم البعض. شىء خطير وفيه إنتهاك واضح لحقوق الإنسان ومناخ يدعو لوقوع أخطاء لست بصدد الحديث عنها الآن.. ومن رملة بولاق إلى منطقة بطن البقرة الشهيرة (بالفواخرجية)..
 نفس الحياة اللاإنسانية.. فى عزبة الصفيح والدويقة وعزبة خيرالله وعزبة القرود والتى تبعد عن القصر الجمهورى كيلو متر واحد، يومها تساءلت وقلت ألا يشعر من يعيشون فى القصر الرئاسى بهؤلاء؟ والإجابة كانت لا.. وكنت أطرح وأقول (لو فى مسؤول عنده دم ويتحرك وينقذ الناس دول) وللأسف يبدو أن المسؤولين فى ذلك الوقت قد أصابتهم الأنيميا فلم يعد لديهم دم على الإطلاق.. وتنوعت وتعددت زياراتى إلى المناطق العشوائية من القاهرة إلى وابور الجاز والطوبجية فى الإسكندرية، وهؤلاء والحمد الله استطاع البرنامج أن ينقلهم إلى شقق نظيفة فى منطقة العامرية.. لم أترك محافظة فى مصر لم أذهب لها سوى محافظات قليلة فى الصعيد.. كانت السمة الغالبة أن سكان العشوائيات أناس طيبون راضون رغم أنهم محرومين من الحقوق الأساسية التى يجب أن ينعم بها المواطن..
 وللأسف العشوائيات موجودة فى مصر وحتى فى أرقى الأماكن.. فلا تستبعد وءنت تسير فى حى الزمالك أو النزهة أن تشاهد مجموعة من الغرف الخشبية والصفيح موضوعة فى الشارع، يعيش فيها أناس منذ نكسة ٦٧ ولم يساعدهم أحد..!
لا تستبعد أن تجد أطفالاً ولدوا داخل عشوائيات وليس لهم شهادات ميلاد، لأنهم ساقطو قيد.. (يعيش ويموت دون أن تستخرج له شهادة ميلاد أو وفاة).. ومن هنا أصبحت البيئة المحيطة بالعشوائيات تنذر بالخطر.. وتهدد السلام الاجتماعى للمجتمع المصرى.. إلا أنه بعد قيام ثورة يناير لابد من إيجاد حلول جذرية لمشكلة العشوائيات.. لقد نجحت الثورة لأن الشعب المصرى كله اتفق على مبدأ واحد وهو إسقاط النظام..
والآن دعونا نتفق على حل مشكلة العشوائيات وتطويرها بما يضمن الحياة الكريمة لأهالى تلك المناطق وهم بالملايين.. لقد خرج سكان الدويقة منذ أيام قليلة يطالبون بحقوقهم المسلوبة فى الحصول على مساكن ونقلوا خيامهم إلى أمام ماسبيرو، وهذا حقهم منذ عشرات السنين.. لقد ظهرت العديد من المبادرات لإصلاح وتطوير العشوائيات، فلنشارك فيها جميعا.. إن العشوائيات وصمة عار فى جبين المجتمع المصرى يجب أن نقضى عليها ولن يتأتى ذلك إلا بالعمل الاجتماعى التطوعى..
إننا نحتاج إلى تضميد جراح هؤلاء الشرفاء الذين يعيشون حياة البؤس يجب أن نذهب إليهم ونوفر لهم العلاج والكساء والتعليم، وأن نعمل جاهدين على محو آثار الجريمة البشعة التى ارتكبها النظام السابق فى حقهم.. المهم أن نبدأ جميعا وأن نتعاون لإصلاح المناطق العشوائية وتحويلها إلى مناطق راقية، تستحق أن يعيش فيها مواطنون مصريون شرفاء.. ضحوا بالكثير وصبروا سنوات طويلة، وآن الأوان أن يستريحوا وينعموا بالحياة الكريمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق