اخر الاخبار

06‏/06‏/2011

 عرفت مصر استبعادا جيليا طوال العهد السابق، وهُمشت الأجيال الشابة من الحياة العامة إلا القلة التى اختارت أن تسير فى فلك التوريث، وبقيت أجيال صفوت الشريف وزكريا عزمى جاثمة على صدور الناس لعقود طويلة تفسد وتخرب حتى أصبح كثير من المؤسسات العامة غير قابلة للإصلاح رغم الثورة.
وفى ظل هذه الأجواء التى حكمنا فيها مبارك حتى وصل عمره إلى 82 عاما غاب أى تواصل مع الشباب، واعتُمدت لغة الاستعلاء الجيلى بين الكثيرين، وقيل للشباب «ليس أمامكم إلا جمال مبارك أو أمن الدولة»، وراجت مفاهيم من نوع أن أستاذك يعرف أكثر، ومدرسك يفهم أحسن، وعميد كليتك يجب أن يقود مسيرتك، أما أنت أيها الشاب فعليك فقط السمع والطاعة لمن هم أكبر منك سنا، وغير مسموح لك حتى بنقاشهم.

والمؤكد أن هذا الاستعلاء الجيلى عرفته مصر لأسباب بعضها ثقافى، لكنه تعمق فى عهد مبارك لأسباب سياسية، وقُهرت الأجيال الشابة قهرا سياسيا وجيليا، إلى أن قادت شرارة ثورة 25 يناير ونجحت فى إسقاط رموز النظام السابق.
ونشر النظام السابق ثقافة استعلائية بين صفوف المجتمع، فحرص كثير من الأغنياء (ممن لم نرهم فى ميدان التحرير) على أن يبرزوها فى مواجهة الجميع، وشهدنا استعلاء «البهوات» فى مواجهة المواطنين، والشرطة فى مواجهة الناس، والكبار فى مواجهة الشباب.
وقد دفع الاستعلاء الجيلى الذى مورس على كثير من الشباب قبل الثورة إلى قيام بعضهم بممارسة الإقصاء الجيلى بعد الثورة، والبحث عن بناء تنظيمات سياسية أو جماعات احتجاجية «نقية» وغير «ملوثة» بأجيال أخرى غير جيل الشباب، فنظروا إلى جيل الوسط (40 إلى 50 عاما) بعين الريبة والتوجس، وإلى الجيل الكبير كأنه من أقارب مبارك، الأمر الذى فتح عليهم سخط الكثيرين من أبناء هذا الجيل.
والحقيقة أن هذه الطريقة فى التفكير كارثية بكل معنى الكلمة وهى تعكس دون أن تدرى نفس طريقة تفكير النظام السابق فى التعامل مع موضوع الأجيال، فمصر ليست بحاجة إلى استعلاء أو إقصاء جيلى إنما «شراكة جيلية» تبنى على معيار الكفاءة والقدرة على العطاء.
فأى فريق عمل (سياسى أو مهنى) ناجح هو الذى يضم فى صفوفه أجيالاً متعددة قادرة على إدارة حوار أو خلاف محترم، وأى حزب سيضم فى مستوياته القيادية فقط جيل الكبار أو جيل الشباب سيفشل فشلا ذريعا، لأن هذا يعنى عجزه عن وضع قيمة الكفاءة والقدرة على الإنجاز كمعيار لعمل هذا الفريق، فالاستعلاء الجيلى هو سلاح العاجزين ومحدودى الكفاءة الذين يخشون من فاعلية الشباب وحيويتهم تماما مثل الإقصاء الجيلى الذى يعنى عدم رغبة بعض الشباب فى بناء مؤسسة حقيقية تستفيد من خبرات الكبار وحيوية الشباب معا.
فى كل بلاد العالم الديمقراطى وجدنا رؤساء دول فى الأربعينيات يقودون أشخاصاً فى الستينيات، ولم يقل أحد للآخر إنه كان يجرى وراء عربة الرش حين كان هو مناضلا أو أستاذا كبيرا.
كل هذه عُقد جيلية يجب تجاوزها نحو بناء شراكة جيلية حقيقية تضم الكفاءات القادرة على العطاء بصرف النظر عن الأجيال التى تجتر الذكريات أو التى تتحدث عن النقا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق