اخر الاخبار

11‏/05‏/2011

د. يوسف زيدان يكتب: بين سُباعيتين.. مستقبل «السلفية» فى مصر


ختار كثيرٌ من القراء والأصدقاء أن تكون بعد سباعية «الأفق الأندلسى» سباعية (أصول الفقه الثورى) لكن الأكثرية من الأصدقاء والقراء اختاروا البدء بالسباعية التى تستعرض الطرق الصوفية المصرية، وبيان اختلافها فيما بينها من جهة، والخلاف بينها وبين (السلفية) من جهة أخرى. ثم جاءت أحداث «إمبابة» الفاجعة، لتؤكد وجوب البدء بالكلام عن موضوعنا اليوم. وعلى ذلك، ففى هذه المقالة التى بين أيدينا، ما يشبه التمهيد للسباعية القادمة (الطرق الصوفية) التى نتلوها إن كان فى العمر بقية، بسباعية الأصول المستقاة من الخبرات الثورية، والمبادئ الرئيسة للثورات الرشيدة، وهو ما أسميه: أصول الفقه الثورى.

■ ■ ■
وفيما يتعلق بمقالة اليوم، أعتقد أن د. طه حسين لو كان لايزال حياً، وقرأ عنوان مقالتى لأغمى عليه غمّاً وحسرةً، أو تنغَّص يومه بسبب هذا العنوان. فقد نشر هذا المفكر المصرى اللامع، قبل عقود من الزمان، كتابه الشهير (مستقبل الثقافة فى مصر)، معتقداً أن بلادنا يجب أن تستشرف مستقبلها «الثقافى» وتطرح الرؤى المتعلقة بالتوجُّهات الفكرية العامة التى ترسم مستقبل مصر.. ولعل طه حسين، رحمه الله، كان يتخيل أننا بعد عشرات السنين من صدور كتابه، ومن انتهاء حياته التى ملأها مخالفوه بالويلات (التى يُبتلى بها معظم المفكرين والكتاب) سوف ننشغل على الصعيد الجمعى المصرى بقضايا من نوع: مستقبل الفلسفة فى مصر، مستقبل الفكر والفن فى مصر، مستقبل العلم والمعرفة.. إلخ ..
فإذا بنا اليوم نتحدث على الساحة المصرية العامة، عن: مستقبل الجماعات الدينية، مستقبل الاضطراب السياسى، مستقبل الإرهاب الدينى، مستقبل الأمن العام فى ظل انتشار الشطار والعيَّارين (البلطجية).. إلى آخر هذه القضايا التى تشغلنا اليوم جميعاً، وما كانت قضية واحدة منها، تخطر على بال طه حسين، وأمثاله من الذين استبشروا بمستقبل مصر، ووهبوا حياتهم لأغنيات الغد.
كأننى أستشعر الآن حسرة الدكتور طه حسين وهو فى غمرة غيابه وعتمته، فأراه يردِّد فى نفسه أغنيةً للأسف، يقول فيها لسانُ حاله:

أَبَعْدَ ما اتَّسع المدى،

يصيرُ السيرُ سُدى،

ثم تسكن أقمارُنا بالمحاق؟

.. ليتنى إذ كتبتُ ، مزَّقتُ

من بعد التدوين أوراقى

أو بدَّدتُ حُلمى،

وأخفيت عن العالمين آفاقى

فأتَّقى يوماً ماحياً لأحلامى

بيدِ كل أفَّاقٍ وسرَّاقٍ،

وفسَّاقِ.

أَبَعْدَ ما سارت بنا ستون سنةً فى صحوٍ

وفى نَحْوِ،

تحبو بنا ستون عاماً فى وحلٍ

وفى مَحْوِ،

يطوِّح بنا بين تفريقٍ وتغريقٍ وإحراقِ؟
■ ■ ■
استطاعت الجماعاتُ السلفيةُّ المصرية أن تجذب إليها الأنظار بقوةٍ، فى الأسابيع الأخيرة، وأن تطرح نفسها على الساحة العامة باعتبارها نتاجاً للثورة المصرية التى اندلعت أواخر يناير الماضى.. وقد استعلنت هذه الجماعات على نحوٍ بدا للكثيرين مفاجئاً، مما دعا عديداً منا إلى طرح تساؤلات ساذجة من مثل: أين كان هؤلاء؟ ولماذا صاروا اليوم بهذه الكثرة المقلِقة؟ وما السرُّ فى نزاعهم مع أتباع الطرق الصوفية؟ وما تنازعهم العتيد مع الكنيسة المونوفستية دفاعاً عن تلك المسماة (الأخت كاميليا) وكيف يقيمون مجالسهم فى الشوارع استعلاناً لمذهبهم وملبسهم؟ وإلى أى مدى من بعد ذلك سيذهبون؟

وبطبيعة الحال، فإن الجماعات (السلفية) ليست وليدة الثورة. ومع أنها لم تشارك بقية المصريين من حيث كونها جماعة ذات قوام محدد، إلا أن كثيرين من المنتمين لهذه الجماعات، كانوا قد شاركوا فى الثورة كأفراد مصريين، ثائرين مع بقية أهل مصر على اختلاف أعمارهم ومعتقداتهم وأطيافهم. وقد جمعهم هَمٌّ واحد وهدفٌ وحيد، هو الخلاص من الحالة المزرية التى مرت بها البلاد خلال الثلاثين عاماً الماضية (على أحد الأقوال) أو الستين عاماً الماضية، على قول آخر.

وبطبيعة الحال، ففى غمرة الانهماك النفعى الذى أعقب فورة الثورة، وادعاء عديد من الأفراد والجماعات بأنهم أصحاب الفضل فى الحركة المصرية، التى نجحت فصارت (ثورة) ظهر لها أصحابٌ كثيرون، لكنها لو فشلت لسُمِّيت (فتنة) وكان الكثيرون قد تنصَّلوا منها، هرباً مما يلحق المنهزمين من ويل.. ونحمد الله (ونشكر الربَّ) على أن الثورة نجحت بداياتها، ونرجو أن تتم النهايات أيضاً على خير، فنطوى الصفحات الثقال من زماننا الأسير، ونطير بهذا البلد نحو أفقٍ مستقبلىٍّ عميم الخير.

وبطبيعة الحال، نزع السلفيون إلى إظهار (حضورهم) فى الواقع المصرى المعاصر، كردِّ فعل للحالة العامة التى سادت بلادنا. حيث تتابعت مؤخراً عدة ادعاءات ما أنزل الله بها من سلطان، وتتالت مزاعمُ عريضة تسعى لاستلاب الثورة المصرية، وتسعى إلى المسارعة لقطف ثمارها (التى لم تظهر بعدُ) والاستباق إلى بيان الاستحقاق بقطف الثمر إن ظهر.. ومن هنا، صرنا نرى العجب من الأفراد والجماعات، فهذا الشخص يصف نفسه بأنه «المتنبئ» بالثورة أو هو «المبشِّر» بها، والمستشرف لها، بينما ذاك الشخص الآخر لا يتورَّع عن وصف نفسه بمفكر الثورة، أو مفجِّر الثورة، أو شاعرها الأول.. ومن الجماعات مدَّعون بأنهم (أساس) الثورة وطليعتها الأولى المبكرة التى أطلقت الشرارة، وزاعمون بأنهم أنقذوا الثورة منذ يومها الأول!

حتى الذين اتخذوا من ثورة المصريين مواقف مخزية، ودعوا الناس باسم سلطتهم الروحية (الإسلامية والمسيحية) إلى عدم المشاركة مع الجموع، عادوا اليوم لتأكيد أنهم مع الثورة (المباركة) وكأن شيئاً لم يكن. مُراهنين فى تبديل المواقف، على ضعف الذاكرة العامة، وعلى أنهم (المباركون) لكل منتصر، وعلى أنهم رجال كل العصور. ومن اللافت للنظر فى هذا السياق، موقف «الإخوان المسلمين» الذين يؤكِّدون ليل نهار، أنهم ليسوا أصحاب الثورة، وليسوا قادتها، وليسوا الرائدين. ومعروف أن تكرار تأكيد النفى إثباتٌ، وهو ما يتم فى الأذهان بشكل غير مباشر، على نحوٍ قريبٍ مما قرَّره الشاعر الفاجر، العبقرى (أبونُوَاس) حين قال: دع عنك لومى فإن اللوم إغراءُ، وداونى بالتى كانت هى الداءُ.

ومن هنا، صار على الجماعات السلفية أن ترى فى نفسها صاحبة الثورة، أو هى من أصحابها الأساسيين. لا سيما أن أفراداً كثيرين من السلفيين شاركوا بالفعل فى المظاهرات الأولى، وأن الحكومات التى تعاقبت بعد الثورة للقيام بتسيير الأحوال، أخذت تكرِّر أخطاء حكومات ما قبل الثورة. ومن فواحش هذه الأخطاء خلط السياسة بالدين، وإقحام (المادة الثانية) ثم ادِّعاء قدسيتها، وتدليل رموز الدين فى المجتمع ضماناً للتأييد، حيث يهرولون ابتغاءً لإرضاء البطرخانة من ناحية، فيضطرون لاسترضاء القوى الإسلامية من الناحية المقابلة، أملاً فى أن يكون الكل راضياً وسعيداً.. ولا سبيل إلى سعادة الكل وإرضائهم، وقد قالوا قديماً: رضا الناس غايةٌ لا تدرك.

المهم، أن السلفيين الذين كان كثيرون منهم قد عانوا من اضطهاد (أمن الدولة) وكثيرون منهم وجدوا فيما سبق وسيلة للمهادنة، وكثيرون منهم تم مؤخراً تكريمهم والاحتفاء بهم إعلامياً، وكثيرون منهم فى نفوسهم رغبة لتصدُّر المشهد العام فى مصر.. صار المجال أمامهم قد انفسح للاستعلان، فأعلنوا عن وجودهم بطرق من مثل: إثارة الهياج مع المتصوفة بسبب (قبور الأولياء) واستثارة الاهتياج مع الكنيسة بسبب (غادة الكاميليا) وبقية الأخوات اللواتى يُشاع أنهن قد أسلمن.

■ ■ ■

وبطبيعة الحال، لا يمكن الكلام عن مستقبل (السلفية) فى مصر، من دون التعريف بمفهوم «السلفية» من حيث عموم اللغة، ومن حيث الذى صار يتردَّد اليوم كثيراً على ألسنة الناس. ثم الإشارة من بعد ذلك إلى تطور (الفكر) السلفى خلال القرون الماضية، تمهيداً للنظر فى مستقبل هذا الفكر.. علماً بأن كلمة (الفكر) مذمومة عند بعض المتأسلمين الجدد، وهم يجعلون فى موضعها كلمة (التفكر) الممدوحة، باعتبار السياقات التى وردت فيها الكلمتان فى القرآن الكريم: إنه فكَّر وقدَّر، فقُتل كيف قدَّر، ثم قُتل كيف قدَّر.. ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض.. أفلا يتفكرون.

ومن حيث المعنى العام للسلفية، فكلنا نحن المصريين سلفيون! فالكلمة تعنى فى عموم الدلالة، تقدير الماضى واحترامه والقياس على ما يعتقد الناس (الخلف) أنها كانت أخلاق (السَّلَف) أى السابقين عليهم، وما كانوا عليه من أصول.. ومن هنا يقول عموم المصريين، مادحين، إن هذا الشخص هو (ابن أصول) ويقولون فى معرض الذم بأن هذا الفعل أو ذاك (ليس من الأصول) كأن كلمة «أصلى» مضاد «مزيف».

ويتصل باللغة، العربية هذا النـزوع العام للسلفية.. فأجود القصائد عندنا هى المعلَّقات القديمة (الجاهلية) وأصول المفردات فى كلامنا الفصيح ترتدُّ دوماً إلى جذور تأتى كلها على صيغة الفعل (الماضى) فيرتد العلم والعلماء والمتعلِّمون والمعلِّمون والعلمىّ والمعلومات إلى الجذر (عَلِم) ويرتد الكاتب والكتاب والمكتوب والكتابة والكتاتيب والكَتَبة والكُتُب إلى الجذر (كَتَبَ) فكأن كل ما يشتق من مفردات العلم والكتابة، هى أمور ماضوية سبق أن جرت أيام السلف لا الخلف.. وقِسْ على هذا، بقية المفردات والاشتقاقات.

ويرتبط المعنى الاصطلاحى للسلفية، على نحوٍ وثيق، بالمعنى العام للكلمة. فالسلفية عند أصحابها هى الطريقة المثلى التى سار عليها (السلف) ابتداءً من عصر النبوة، ثم عصر الصحابة والتابعين، ثم عصر تابعى التابعين.. حتى نهاية القرن الثالث الهجرى، وكأنهم فى ذلك ينطلقون من معنى الحديث الشريف (خير القرون قرنى هذا، ثم الذى يليه، ثم الذى يليه) وبالأحرى، من مفهومٍ محدد لهذا الحديث النبوى الشريف.

ولا يجب أن يفوتنا هنا، أن غالبية المسيحيين فى مصر، هم من (الأرثوذكس).. سواء كانوا من أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة، أى أن الله والمسيح (من) طبيعة واحدة، وهؤلاء هم «المونوفيست» الذين صار اسمهم مؤخراً: الأقباط الأرثوذكس!

أو كانوا من أصحاب مذهب خلقيدونية، القائلين بأن الله والمسيح (عن) طبيعة واحدة، وأولئك هم أتباع كنيسة الإسكندرية «الأخرى» الذين صار اسمهم مؤخراً: الروم الأرثوذكس.. وكلاهما فى النهاية (أرثوذكس) وهى الكلمة التى تعنى فى معناها اللغوى العام (اليونانى) مذهب الإيمان القويم، وفى معناها الاصطلاحى: مذهب السلفية.

وأصحاب المذاهب السلفية (المسلمون) يرون أن مفهوم السلفية يطابق مفهوم الإسلام، فمن خرج عن اتِّباع السلف فهو خارج عن النطاق الصحيح للدين الإسلامى. وكذلك، فأصحاب المذاهب الأرثوذكسية يرون أن مفهوم الأرثوذكس يطابق مفهوم المسيحية، فمن خرج عن اتِّباع الأرثوذكسية فهو خارج عن النطاق الصحيح للدين المسيحى.. مسكينةٌ أنت يا مصر، يا مَنْ تحملين فوق أرضك أكثر شعوب الأرض تديُّناً.

■ ■ ■

وقد تطور المذهب السلفى (الإسلامى) خلال تاريخ طويل حتى وصل إلى صورته النهائية الحالية، وهى (الجماعات) التى تنتمى إليه اليوم. وقد جاء تطور هذا المذهب بسبب مشكلات عقائدية (كلامية) لا يسمح المقام هنا بشرحها تفصيلاً. ولذلك فسوف نكتفى ببعض الإشارات إلى (مسيرة) المذهب السلفى عند أعلام الرجال من أمثال الإمام أحمد بن حنبل الذى اختار ما كان عليه السلف من اعتقادات، وخالف بذلك (المعتزلة) الذين كانوا يرون وجوب إعمال العقل فى المسائل الدينية، ومع ذلك لم يراعوا أحكام العقل والتعقل فى خلافهم مع الإمام ابن حنبل حول مسائل مثل «استواء الرحمن على العرش» حيث كانوا يؤولون المعنى بحيث يتم نفى (الجسمية) عن الله، أما ابن حنبل فقد كان يقول بقول الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وحول مسألة «كلام الله» أى القرآن الكريم، وهل هو حادث (جديد) أم قديم (أزلىّ) .. قال المعتزلة إن القرآن حادث فى لغة، وفى مفردات عربية لم تكن موجودة منذ الأزل. بينما قرر الإمام ابن حنبل أن : كل ما بين دفتىْ المصحف قديم.

ومع أن المعتزلة هم أصحاب المنهج العقلانى، عموماً، إلا أن الذين عاصروا (الإمام ابن حنبل) منهم، استَعْدَوْا عليه الخليفة العباسى، فكانت الويلات التى تعرَّض لها، وهى التى عرضنا لها فى مقالة سابقة، وهو ما يُعرف فى تاريخنا القديم بمحنة ابن حنبل. وهى محنة تشابه ما جرى مع عديد من أعلام الأئمة من (محن) أدَّت إلى ظهور وبلورة اتجاه أهل السنة والجماعة، أو أهل الحديث، أو السلف؛ فى مقابل الاتجاهات المعتزلية.

ثم لمع المذهب السلفى بعد عدة قرون، مع عالم متبحِّر هو الإمام (تقى الدين ابن تيمية) الذى هو فى واقع الأمر أعظم بكثير من الصورة الوهابية التى تم الترويج لها فى العقود الأخيرة. وقد كان ابن تيمية أيضاً من أهل المحن والابتلاء، خصوصاً أنه عاش فى زمانٍ مضطربٍ نال منه، فأمضى حياته فى معاناة وعنت وسجن، حتى مات سجيناً .. مع أن ابن تيمية كان يستشهد بقول سابقيه: ستون سنة من إمامٍ جائرٍ (ظالم) أصلحُ من ليلة واحدة بلا سلطان (انفلات أمنى) .. وهو المبدأ الذى دفع بعض مشايخ السلفية المعاصرين، إلى منع أتباعهم من المشاركة فى الثورة المصرية، خشية انهيار النظام فى البلاد، وتأكيداً على المبدأ الشرعى/ السياسى الذى أرساه ابن تيمية.

كما كان إمامٌ سلفىٌّ آخر، هو ابن قيم الجوزية (أى: ابن ناظر مدرسة ابن الجوزى) يرى أن الظلم ليس مبرراً للثورة على الحاكم، ما دام هذا الحاكم لم يأمر الناس بمخالفة قواعد الدين! مما جعل «السلفية» المبكرة، كلها، تؤكد أن نزع الشرعية عن الحاكم الظالم، ليس من الشرع.. ولو علم الرئيس علىّ عبد الله صالح وأمثاله من الحكام العرب المعاصرين، هذه المبادئ (الشرعية) لاستعملوها فوراً ضد الثوار فى بلادهم، حتى لو كان إيمان هؤلاء بالشريعة الإسلامية لا يزيد عن إيمان الهندوس بها.

■ ■ ■

وفى العصر الحديث، أعنى فى الستين سنة البائسة التى مرت علينا بعد حركة (الأحرار) من الضباط عام ١٩٥٢، اتخذت السلفية وجهاً عنيفاً يخالف ما كان عليه أعلام السلفيين فى القرون الماضية. فقد طفرت اتجاهات سُميت مؤخراً (السلفية الجهادية) فى مقابل (السلفية العلمية) التقليدية، وقد روعَّت السلفية «الجهادية» الناس وصار لها زعماء من نوع «صالح سرية» الذى طمح إلى الرئاسة فحدثت المأساة المعروفة فى (الكلية الفنية العسكرية) ومن نوع عبود الزمر الذى أراد التغيير الجذرى، فحدثت المأساة المعروفة بحادثة المنصة، وراح ضحيتها رئيسُ مصر أنور السادات.. وأسامة بن لادن.

وقد أدى هذا الوجه المتجهِّم للسلفية المعاصرة، إلى الربط بينها وبين (الوهابية) وهو ارتباط غير منكر على كل حال، كما أدى إلى غموض هذا المذهب الذى تفرعت عنه جماعات كثيرة، لم يستطع المفكرون المعاصرون الإحاطة بها، ولذلك وصف محمد عمارة السلفية بأنها: مصطلح غامض.. ووصفها فهمى هويدى بأنها: دعوة للاستقالة من الحاضر.. وكان زكى نجيب محمود يقول: السلفية حركة مضادة للمستقبل.

وفى الواقع المعاصر، تبدو السلفية على اختلاف الجماعات المندرجة تحت هذا الاسم، مضادة للعُرف العام، ولأهل الطرق الصوفية، وللأرثوذكس المونوفيست (النصارى) وللغرب الأمريكى والأوروبى (دار الكفر) وللمفكرين غير الإسلاميين (العلمانيين).. ولبعضهم البعض.

■ ■ ■

ماذا عن المستقبل بالنسبة للسلفية؟ هذا مرهون بالأمور نفسها التى أدت إلى انتشار هذا المذهب.. مرهونٌ بكفِّ أصحاب السلطة السياسية عن مغازلة أصحاب الزعامة الدينية.. ومرهونٌ بتطوير الواقع المصرى فى القرى المنسية وفى العشوائيات والمناطق الفقيرة، التى طالما تحيَّزت لصالحها برامج التنمية.. ومرهون بوضوح صورة (الوطن) فى الأذهان، بعيداً عن ألاعيب الدعاية المجانية التى تكتفى بترديد أجوف لمقولات من مثل : يحيا الهلال مع الصليب، قبطى يعنى مصرى، بيت العائلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق